أغلبية معوزين....وحفنة متخمين !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

يبدو أن كل شيء في العراق ضحية التناقضات والتسييس والالتباس، وما الى ذلك مما يحجب الحقائق عن أنظار الناس، بل ويدوّخ أبرع الباحثين في السوسيولوجيا والاقتصاد والسياسة أيضاً.
فقد أفادت أنباء الأسبوع الماضي أن العراق أنجز المسودة النهائية للستراتيجية الخاصة بالتخفيف من الفقر (لا يعرف المرء، مثلاً، ومن بين أسئلة أخرى حارقة، لماذا لم تنجَز "المسودة" إلا في االعام السابع على "التحرير"، ولماذا تطلَق الآن، حيث التوقيت لا يخلو، حسب محللين، من غايات انتخابية).
وتركز هذه الستراتيجية على ستة محاور أساسية هي تحقيق دخل أعلى للفقراء وتحسين التعليم وتأمين بيئة سكن أفضل لهم وتحسين الرعاية الصحية، إضافة الى خفض مستوى التفاوت بين النساء والرجال وتفعيل الحماية الاجتماعية. وهي محاور قيل إنها كفيلة بخفض نسبة الفقر خلال السنوات الخمس المقبلة في بلاد الذهب الأسود، حيث يعيش ربع أو خمس سكان العراق (لا فرق بين الربع والخمس، وهو ملايين، في بلاد تزدري الاحصاء !) تحت خط الفقر. والربع كما تعلمون هو 25 في المائة، والخمس 20 في المائة. غير أن مستشاراً اقتصادياً لدى الحكومة العراقية قال قبل أقل من ثلاثة أسابيع إن نسبة الفقر في بلد الخيرات، الذي يستورد 85 في المائة من المواد الغذائية، تبلغ 31 في المائة (من نصدّق والتصريحان كلاهما حكوميان !؟)
وبغض النظر عن الأرقام المتباينة تتسع هوة التفاوت الاجتماعي لأسباب عدة بينها ارتفاع التضخم ورفع الدعم عن المشتقات النفطية وصعود الأسعار، وهو مما يؤدي الى تفاقم إفقار من يعيشون تحت خط الفقر خصوصاً. وهذا التفاوت في مستويات الفقر بين المدينة والريف ملحوظ بصورة أكثر جلاء، حيث تبلغ نسبة الحرمان في الريف 65 في المائة، وهو ما يعادل ثلاثة أمثال النسبة في المناطق الحضرية. ومما يزيد الصورة قتامة هجرة الفلاحين، الذين أرغمتهم الظروف على التخلي عن الانتاج الريفي، الى المدن، والعيش على الهامش بما يسهم في إعادة انتاج الفقر في ظل الأزمة البنيوية الاقتصادية الاجتماعية.
هل تتذكرون تلك التقارير الموثوقة المفزعة التي نشرت العام الماضي، واشارت الى أن أربعة من بين كل عشرة عراقيين لا يتقاضون أكثر من دولار واحد في اليوم (وهو المعيار الذي تعتمده الأمم المتحدة لقياس الفقر المدقع)، بينما تتعاظم المعاناة في سائر ميادين الحياة. وما من أحد يبلغنا هل مازال الأربعة المذكورون يتقاضون دولاراً واحداً أم أن الوضع "تطور" فباتوا يتقاضون دولارين مثلاً، أو ربما تدهور فباتوا لا يحصلون حتى على الدولار الواحد !
وهذا، في الواقع، ليس سوى مكون واحد من مكونات اللوحة الاجتماعية المعقدة. فمازال الوضع الأمني هشاً، ويصعب على الناس أن ينسوا ذكريات أربعاء الدم، بينما تستمر الفوضى ويجد الارهابيون فرصاً لتنفيذ أفعالهم الشنيعة، ويعود منفذو ومخططو أعمال الجريمة المنظمة الى الشوارع والأحياء ليسهموا في نشر الخوف والرعب.

وعلى الصعيد السياسي يتفاقم صراع الامتيازات، خصوصاً بالارتباط بالصراع على الانتخابات، بينما يخيم اليأس على الملايين من مغيَّبي الارادة ممن هزت اختبارات الواقع ثقتهم بالسياسيين وبرامجهم ووعودهم.
وماتزال المعضلات مستعصية على صعد أساسية بينها البيئة والتعليم والصحة وشحة الماء والكهرباء والتصريف الصحي، ناهيكم عن البطالة وعواقبها المادية والسايكولوجية في مجتمع تشيع فيه ثقافة الفساد والنهب والتلفيق والانحطاط.
ويترافق هذا وسواه من مكونات اللوحة المعقدة مع تعمق أزمة مجتمع يواجه أفقاً يبدو مسدوداً أمام حل المعضلات.
ومن بين مفارقات هذه البلاد التي لا تحصى أن نسمع برلمانياً ينتقد، الأسبوع الماضي، زيادة عدد النواب في الدورة البرلمانية المقبلة، مشيراً الى أن هذه الزيادة ستستنزف ميزانية الدولة، ذلك أن إضافة ميزانية 35 نائباً تساوي ميزانية محافظة كاملة. وبغض النظر عن دقة الحسابات فان الحقيقة التي أوردها النائب ذات دلالة جديرة بالتمعن.
وفي جزء آخر من صورة المفارقات لوّح صندوق النقد الدولي، مؤخراً، بالغاء جميع الاتفاقات المبرمة مع العراق الخاصة بتخفيض الديون في حال إقدام الحكومة على خفض أسعار المشتقات النفطية. ولا حاجة بنا الى القول إن الحكومة لا تفعل سوى الامتثال لشروط الصندوق الذي منح العراق، أخيراً، قرضاً بقيمة خمسة مليارات دولار لدعم موازنة الحكومة.
* * *
إذن فهناك ستراتيجية للتخفيف من الفقر. غير أن المرء بات "يتحسس" من كلمات تستخدم على نحو استعراضي مقصود، وبينها كلمة "ستراتيجية". فكم من مراكز ومعاهد دراسات "ستراتيجية" يقف على رأسها نهّازو فرص بارعون، وفي المتاجرة ومتطلباتها متفننون، وهم بعض من ثمار "التحرير" والعراق "الجديد" الذي مايزال بين أكثر الدول فقراً وفساداً.
الفقر رأس كل بلاء، ولقمان قال لابنه: "يا بني أكلت الحنظل فلم أرَ شيئاً أمرَّ من الفقر". أما علي بن أبي طالب فقال: "الفقر في الوطن غربة".
وفي هذا الوطن، المبتلي بالنوائب والمآسي، أغلبية معوزين وحفنة متخمين، في مجتمع تحكمه منهجية محاصصات، تعجز، بالطبع، عن تخليصه من شريعة الغاب ومستنقع التشوهات.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 12-10-2009     عدد القراء :  2235       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced