وقف مندهشا وهو يقرأ اللافتة ذات العنوان المتناقض: ( النفط = الفقر) وصاح بوجع: فقر في بلد النفط ! متى نرى الخير يا بلد الخير؟!. قطعا، لن يأتي الخير عبر الأماني الطيبة، ولا بالموعظة الحسنة. كما لا ينزل الخير مع الشعارات التي تتزاحم بها ساحاتنا ايام الانتخابات، ولا يأتي ايضا بالخطابات التي تطمئننا بها حكومتنا العتيدة ليل نهار. كما انه لن يأتي من خلف الحدود، فالماء قطعه جيراننا عبر الحدود، والتفخيخ يخطط له من خلف الحدود. الخير كل الخير موجود في العراق، ولكن السؤال: من لهذا العراق؟ لا اعرف الطبيعة والكيفية التي ستحتفل بها الحكومة باليوم العالمي لمكافحة الفقر، الذي سيحل يوم 17/10، وينتابني شعور ان مدة مكوث الفقر ستكون طويلة، فهذا الضيف الثقيل لا يبدو انه سيغادر قريبا سجلات وزارة التخطيط! سيمر هذا اليوم على الناس بصمت دون ان يتذكروه، فالجائع لا يحتاج لمن يذكره بجوعه. لكن قد يظهر لنا، على احدى الفضائية، برلماني يزايد دون جدوى، ويرده آخر مدافعا عن الحكومة كونها وضعت برنامجا استراتيجيا! دون ان يعي ان برنامجها لمكافحة الفقر هو وصفة من صناعة خبراء البنك الدولي. ولا بد من التذكير هنا بأن البنك الدولي سبق وان طبق هذه الوصفة في بلدان أخرى، وكانت نتائجها معروفة على تلك البلدان. فبدلا من إزالة الفقر او التخفيف منه، ساهمت تلك الوصفة في زيادة حدته. ولا يتسع المجال هنا للحديث عن اثر وصفة الصندوق على بلدان شرق اسيا، على سبيل المثال، لكنا نؤشر الى ما أدت إليه هذه الوصفة عندما طبقت في بلادنا، فقد ارتفعت اسعار المشتقات النفطية وما تبع ذلك من موجة ارتفاع في اسعار السلع الأخرى جعلت قيمة متوسط الراتب لا يختلف كثيرا عن قيمته عندما كان ثلاثة آلاف دينار في زمن الدكتاتورية والحصار. لا تنتظر كثيرا كي تشهد احتفال الحكومة في يوم مكافحة الفقر، فقرار مجلس الوزراء يوم 13/10 أشار الى ان هناك عجزا بميزانية الدولة مقداره 17,95 ترليون دينار، سيتم تغطيته من خلال جملة من التدابير من ضمنها الإقتراض من صندوق النقد والبنك الدوليين، مع المضي بترشيد وضغط الإنفاق الحكومي، حسب تصريحات الناطق الرسمي باسم الحكومة. لذا فان عدم اقرار قانون الزيادة في رواتب المتقاعدين 70 الف دينار شهريا للمتقاعد قد يكون ضمن هذه الاجراءات، ليس هذا، حسب، بل ان هناك عجزا في رواتب شبكة الحماية الاجتماعية يبلغ أكثر من تسعة مليارات دينار في كربلاء وحسب تصريحات مستشار محافظ كربلاء للشؤون الاجتماعية أن الفقر هو نتاج النظام الاقتصادي الاجتماعي في البلد المعين، ومكافحته تظل موضوع صراع فكري وسياسي كبير. وعند النظر الى المعطيات الإحصائية التي أعلنها الجهاز المركزي للإحصاء والتي اشارت الى ان 23% من العراقيين يعيشون تحت خط الفقر، وربطناها بالخط المالي الذي يبلغ 77 الف دينار للفرد الواحد شهريا، يتضح بشكل جلي عمق جذور الفقر في العراق، الذي يعوم على بحيرات من النفط، يبدو من المخجل والمثير للامتعاض ان تبحث قضية مكافحة الفقر فيه.
كتب بتأريخ : الخميس 15-10-2009
عدد القراء : 2585
عدد التعليقات : 0