قررت منظمة التربية والثقافة والعلوم ( اليونسكو) أن يكون هناك( في هذا الأسبوع ) يوم خاص للمعلم للاحتفاء به،نظرا للجهود المضنية التي يقوم بها،لنشر العلم والثقافة وتعليم الطلاب مبادئ العلوم والآداب والفنون..
فهل يحظى المعلم العربي اليوم بما يستحقه من احترام وتقدير ؟، وهل يتقاضى المرتب الذي يؤمن له الصحة النفسية والجسدية،ويدفعه إلى اكتساب مهارات جديدة ومداومة التعلم، لان العلم كما هو معروف، لا يقف عند حد معين، إنما كل يوم تطالعنا اكتشافات جديدة، وعلى المعلم أن يكون واعيا لما يحدث في مجال اختصاصه، كي لا يتعرض لأسئلة الطلاب المشاغبة،التي أخذت تسلبه في الوقت الحاضر، ما كان يتمتع به من احترام وتقدير لدى الأجيال الماضية..
موازنة بين معلم اليوم والأمس
كان المعلم يتمتع بتقدير الطلاب واحترامهم، ومحبتهم أيضا، كل ما يقوله يؤمن جميع الطلاب بصحته، وكانت مهنة التعتيم جديرة بالاحترام والتقدير، من أولياء الأمور، راتب المعلم كان كافيا كي يعيش عيشة لائقة محترمة، ويوفر ويسافر ويبني له بيتا يقيه حر الصيف وبرد الشتاء، و مزود بكل ما الأجهزة، ويوفر له احترام الجميع، كانت معلوماته التي تمده بها مناهج التعليم والكتب الدراسية المقررة، صحيحة لا يقربها الشك، وكان الناس جميعا يرون ان مهنة التعليم من المهن الجميلة،والتي توفر التقدير لمنتسبيها، لهذا كان الأهل يدفعون أبناءهم لامتهان هذه المهنة الجليلة، وخاصة النساء، فالمعلمات في الوطن العربي كن يتمتعن باحترام الناس، وتقديرهم وطاعة الطلاب ومحبتهم، وكان المعلم يتهيأ لمهنته الجميلة هذه، بعمل تدريبات تجعله قادرا على مزاولة التعليم، من علم وكفاءة وطرق تدريس ومعاملة..
ماذا حدث ؟
تغيرت المفاهيم كثيرا، وانقلبت المبادئ، وأصبح عالمنا العربي لا يتوفر على احترام للمعلم وتقديه كما كان سابقا، وأصبحت هذه المهنة الجليلة مهنة من لا يحسن أية مهنة، بالواسطة يمكن أن تعين معلما لا يجيد التعليم في أي من المجالات التي تتطلب الدراية والمعرفة، والتخصص في المراحل الثانوية والإعدادية، أما المرحلة التعليمية الابتدائية، فأخذ المدراء وأصحاب المدارس وخاصة في التعليم الأهلي،يستعينون بكل شخص للقيام بهذه المهمة،التي تتطلب مؤهلات خاصة لا يمكن ان يحصل عليها الكثيرون، أصبح الراتب ضئيلا لا يسد نفقات الحياة الآخذة بالازدياد، وبدلا من أن يكون كل تلميذ في القسم ينال حقه من الاهتمام والمشاركة، في عملية التعليم، والإجابة عن الأسئلة التي يطرحها المعلمون في نهاية الشرح، أصبحت هذه المهمة الضرورية جدا، والتي لا تستقيم العملية التعليمية بدونها،من المستحيل ان يقوم بها المعلمون بسبب عوامل كثيرة أهمها إن غرف الصفوف ضيقة كثيرا،لاتسع العدد الكبير من الطلاب الذي تقبلهم الإدارة، لأغراض تجارية بحتة لا تمت الى التعليم بصلة، مما يجعل الكثير من الطلاب لا يسمعون ما يقوله المعلم ولا يأتي دورهم في المشاركة، كما ان الفوضى الموجودة في الأقسام بسبب كثرة الطلاب أولا، ولأن المعلم لم يعد محترما كما كان سابقا ثانيا يجعل العملية التعليمية تسير من سيء إلى اشد سوءا..
التفكير في العلاج
ولأن الراتب شحيح، لا يكفي لمتطلبات الإنسان الأساسية، فان أغلب المعلمين يفكرون أن يقوموا بوظيفة أخرى، بجانب عملهم التدريسي المتعب، فماذا يمكن أن يفعلوا؟ والتعليم مهنة شاقة، تستهلك الوقت كله، من تحضير الدروس،وقراءة الكتب المدرسية بدقة،وتصحيح الواجبات الصفية والمنزلية، وان كانت المعلمة امرأة،كان التعليم هلاكا لها ودحر لتطلعاتها، في صقل قدرتها التعليمة وإنماء معارفها، لأنها حتما مشغولة بمنزل عليها العناية به، وتوفير ما يحتاج اليه ساكنوه،من طبخ وكنس وكوي وتسوق، ومحبة أيضا لا يمكن للجنس البشري أن يكون محروما منها كي يواصل العطاء..
بعض المدرسين يستقطعون بعض ساعات من يومهم، كان يجب ان تفيدهم في الراحة والاهتمامات الأخرى، في عمل دروس خصوصية، لشرح الدروس لمن لم يفهمها، أثناء الشرح الصفي بسبب الشرود، أو الاتكال على فكرة التعويض عن الفهم، بأخذ دروس خصوصية، يقوم بدفعها الآباء الميسورون عادة، و المعلم حين يلجأ الى إعطاء الدروس الخصوصية، يكون قد عرض سمعته المهنية إلى التساؤل، و توجه له الاتهامات انه ليس جديرا بان يكون معلما، لأنه لا يشرح الدرس جيدا، و تنعدم فيه على صفة الإخلاص الواجب توفرها في هذه المهنة، أكثر من المهن الأخرى..
بعض المعلمين يقومون بأعمال، لا تمت الى التعليم بصلة، كأن يقود المعلم سيارة أجرة،أو تخيط المعلمة ملابس لصديقاتها وجاراتها، ولكن كيف يمكن أن تمسك اليد الواحدة رمانتين في وقت واحد ؟ وما علاقة التعليم بالسياقة أو الخياطة ؟، أليس التعليم من المهن الفكرية التي يجب أن نوفر لعامليها وقتا للراحة والقيام بالهوايات كي يجددوا نشاطهم الهارب، و يستردوا اطمئنانهم المفقود وان يتوقوا أن يكون الغد أجمل..
القدوة الحسنة
لا يقتصر عطاء المعلم على توصيل المعلومات المختلفة إلى الطلاب، بل يتعدى ذلك إلى إكسابهم الأخلاق الفاضلة، وغرس القيم النبيلة، وتعليمهم أهمية التعاون والأمانة والتكاتف وبناء الأوطان، والعناية بالأسرة والدعوة إلى احترام الكبير والعطف على الصغير، وتقدير المعروف والاعتراف بأصحاب الفضل، وهذه التربية لا تكون مباشرة لتظهر مثل الوعظ الذي لا يحبه أغلب الناس ويبتعدون عنه، إنما يجب ان يكون المعلم قدوة صالحة، يقتدي به الطلاب، فهو أبوهم الثاني، الحريص على تعليمهم وتثقفيهم وتربيتهم أيضا..
من المسؤول ؟
من يمكنه أن يمد البلاد بما تحتاج إليه، من معلمين قد اكتسبوا المعلومات،التي تؤهلهم للقيام بهذه المهنة العظيمة، وتدربوا كيف يمكن ان يعاملوا الأشخاص المختلفين، بما يجب من معاملة، فالطفل ليس مثل الراشد،وابن الريف يختلف تماما عن ابن المدينة، والفقير ليس مسؤولا عن فقر عائلته، والدول يجب أن تقوم بواجبها بالتربية، بإعداد المعلمين كي يأخذوا دورهم في نهضة البلاد وازدهارها، لان من اكبر أسباب تخلفنا في العالم العربي، إننا أهملنا المعلم ولم نقم بإعداده كما يجب التعليم وتطلب التربية، ومن اجل تعليم أساسي للجميع، يحترم الإنسان وينمي فيه احترام الآخر، وتقدير الرأي المختلف،وتبجيل العاملين المخلصين، واكتساب المهارات المتعددة والإيمان إن الحياة تصنعها البشرية بتعاونها الخلاق...
كتب بتأريخ : الأحد 18-10-2009
عدد القراء : 2577
عدد التعليقات : 0