أصوات .. وأصوات !
بقلم : رضا الظاهر
العودة الى صفحة المقالات

بينما تمضي الأيام مقتربة من موعد الانتخابات البرلمانية، يمضي معها الصراع على الامتيازات بين النخب السياسية المتنفذة متعاظماً، وهو يشكل جزءاً أساسياً من اللوحة السياسية ذات المكونات والعناصر المتشابكة والمعقدة.
وبينما يتطلع الملايين الى تهيئة المناخ المعافى لمشاركتهم في الانتخابات يجدون أمامهم ما يدفعهم الى مزيد من المعاناة والاحباط، وبالتالي الميل الى العزوف عن الاقتراع والتعبير عن مواقفهم.
أما البرلمان العجيب، الذي أخفق في إقرار قانون الانتخابات فأحاله الى المجلس السياسي للأمن الوطني فى مسعى للخروج من المأزق، فيواصل نقاشات تبدو عبثية في أحيان غير قليلة جراء "التسييس"، متجاهلاً مطامح الناس ومغيِّباً إرادتهم. وفي غضون ذلك تواصل القوى السياسية تشبثها بمنهجية المحاصصات، وهي أم النوائب.
وأما ظاهرة "مقاولي الأصوات" فقد برزت في انتخابات مجالس المحافظات. وهي ظاهرة فريدة تتجلى بصيغ مختلفة. فبين هؤلاء المقاولين، أو سماسرة الانتخابات، من يتخصص بنقل ناخبين خلال فترة الدعاية أو الاقتراع بعد أن يتسلموا هبات مالية وهدايا عينية، بينما يطرح المقاول شروطه لمساومة "الحزب" المعني الذي يتعين عليه الاستجابة الى الشروط وإلا فان حزباً آخر جاهز لدفع أجر أعظم للمقاول "المدلل".
وبعض المقاولين أصحاب "مضايف" لا يندر أن نجد بينهم أيتام النظام المقبور، يتناول ناخبون معوزون وجبات طعام في مجالس عزائهم الليلية، مقابل حصول صاحب المضيف على أجره المجزي.
وتنتمي الى فئة "مقاولي الأصوات" طائفة أخرى تتمثل في "ملاّيات" يتكفلن بجمع ناخبات أثناء فترة الدعاية وإعدادهن، عبر اللطم والثواب ووجبات الطعام وهدايا ستر الحجاب، ليوم الاقتراع.
وتتعدى عملية شراء أصوات الناخبين هذا النمط من الرشوة لتصل الى استغلال معاناة سكان الأحياء العشوائية عبر ايقاف تهديدهم بالترحيل، ومساومتهم بوعود ضمان امتلاكهم أماكن سكنهم قانونياً مقابل شراء أصواتهم، وهي مساومة تنتهي، كل مرة، الى تخلي المساومين عن وعودهم الزائفة بعد انقضاء الحاجة.
ومادمنا في أمثلة الحديث عن "المقاولات" فلابد من الاشارة، في هذا السياق، الى نمط آخر من المقاولين، وهم مقاولو الملصقات، الذين ينشطون في فترة الدعاية الانتخابية، حيث يقومون بتشغيل الآلاف من ضحايا البطالة. ويؤدي هؤلاء الشباب المعوزون مهمة وضع الملصقات على جدران البنايات والحواجز الاسمنتية. ولا يندر أن نجد، في إطار هذه المهمة، مجموعات "مضادة" تعمل تحت إشراف مقاولين آخرين، مهمتها تمزيق ملصقات الخصوم السياسيين. بل إن بعض المجموعات تقوم بمهمة مزدوجة، فهي تلصق إعلانات جهة لتقبض منها، وتمزق، في وقت لاحق، إعلانات هذه الجهة نفسها لتقبض من خصمها السياسي.
وبينما تتسع حالات شراء الأصوات تتصاعد عملية "التسييس" التي تكشف عن اشتداد حمى الصراع التي تتخذ، هي الأخرى، صيغاً متنوعة، بينها، على سبيل المثال، إصرار قوى سياسية في البرلمان على استجواب وزراء ومسؤولين، وعرقلة قوى أخرى مثل هذا الاستجواب.
ولعل من بين أسباب عملية شراء الأصوات غياب ثقافة الديمقراطية والرقابة السياسية والقانونية، وسيادة ثقافة التخلف، وبين عناصرها التمسك بمبدأ الطائفة والعشيرة والحزب وسوى ذلك من الانتماءات الضيقة مقابل مبدأ المواطنة، فضلاً عن شيوع نزعات التضليل والتزوير والاستئثار والاقصاء والتهميش، وإخفاق برامج القوى التي تشتري الأصوات وإفلاس سياساتها، وازدواجية سلوكها، وعجزها عن تجسيد المصداقية وإقناع الناس. وبالتالي لا يجد هؤلاء "السياسيون" المتنافسون أمامهم سوى منهجية شراء الأصوات سواء بصفقات مباشرة أو عبر مقاولين.
ويدلل هذا الواقع المأساوي، من بين أمور أخرى، على أن ديمقراطية "المحررين" ليست أكثر من أكذوبة. فنحن في العام السابع على "التحرير" وأزمة البلاد تتفاقم ومعاناة الملايين تتعاظم. وقد انفضحت وعود "الأسياد"، مثلما انفضحت وعود "السياسيين"، وخصوصاً النخب المتنفذة، التي لا تبالي إلا بسلطتها وامتيازاتها، وكيفية ضمان هذه السلطة والامتيازات.
* * *
أصوات .. وأصوات ..
وللأصوات أنماط، بينها الجميل وبينها المنكر ..
فنحن نعرف أصوات الناخبين التي تُشترى في أسواق يتعاظم رواج بضاعتها كلما اقترب موعد الانتخابات ..
ونحن نعرف تلك الأصوات التي ينهبها "الكبار" لاقصاء "الصغار" وحرمانهم من حقهم ومن تمثيلهم لملايين ..
ونحن نعرف أصواتاً لبعض "ممثلي الشعب" ترتفع من أجل مكاسب شخصية أو سياسية ضيقة، وتخفت، وأحياناً تصمت، إذا ما دعت الحاجة الى ذلك، وهم يستأنسون بخذلان ملايين ممن منحوهم الأصوات، وندموا على منحها ولكن بعد فوات الأوان ..
ونحن نعرف تلك الأصوات التي تتعالى صخباً مطالبة بطرد المحتلين، وبينها منطلقة من أفواه من هم أكثر تشبثاً ببقاء المحتلين الذين يحمون امتيازات الصخّابين ..
ولكننا نعرف، أيضاً، أصوات المحتجين من ضحايا الاضطهاد والساعين الى الحقيقة ..
ونحن نعرف أصوات النساء التي يحاول "بطرياركيون" إسكاتها لأنهم يخشون عواقبها ..
ونحن، بالطبع، نعرف أصوات أولئك الذين يستنكفون من بيع أصواتهم لأنها الضمير الحي ..
هل تتذكرون "صوت الموسيقى"، ذلك الفيلم الجميل الذي تألقت فيه جولي أندروز ؟
شتان بين "ملاّيات" عراقيات يستأجرهن "سياسيون"، وجولي أندروز التي تغني للانسان بفن رفيع، فتنعش الروح والأمل !



طريق الشعب - 27/10/ 2009

  كتب بتأريخ :  الإثنين 26-10-2009     عدد القراء :  2622       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced