جانب مما يجري على المسرح السياسي في العراق، خصوصا في هذه الفترة التي يتصاعد فيها الحماس و التنافس تحضيرا للانتخابات النيابية القادمة،لا يمكنه الا ان يذكرنا بالقول المأثور؛ الهزيمة يتيمة و للنصر آباء كُثُر. يجري هذا رغم ان الهزائم؛ من تضحيات كبيرة في الارواح و الممتلكات ومن هموم و صعوبات معيشة و حياتية تقصم الظهر و تقصر العمرهي الغالبة عندنا. اما النجاحات، و لا اقول الانتصارات، فماتزال محدودة و يكاد كثيرون ممن تثقل عليهم متطلبات المعيشة بوطأتها لا يشعرون بها. و ما يكاد المواطن يحس بطعم الامان و الاستقرار حتى يتحرك الظلاميون و محترفو الجريمة السياسية،عشاق القتل الجماعي بكل تلاوينهم، لينفثوا سمومهم الشريرة و احقداهم الرخيصة في تفجير محتشد سكاني او مسجد او مدرسة او سوق شعبي ، موقعين في كل مرة خسائر فادحة في ارواح و ممتلكات المواطنين و مؤسسات الدولة، كما حصل في تفجيري الاربعاء و الاحد الداميين و غيرهما. رغم هول الخسائر التي الحقتهمتا جريمتي الاربعاء و الاحد الداميين لا احد يستطيع ان ينكر ما شهدته البلاد من استقرار نسبي في الاوضاع العامة و توجه البلاد نحو التطبيع التدريجي لحياة ابنائها في مختلف الميادين في عموم مدن البلاد خلال عامي 2008 و 2009. و هو ما منحنا فسحة جديدة من الامل و التامل فيما هو آت. و بدلا من ان ندع كل مواطن يشعر ان له حصة فيما تحقق من نجاح و استقرارو انه محور كل الذي تحقق و أداته، و نستثير فيه النخوة و الهمة و روح المواطنة، راحت قوى سياسية و جهات اعلامية، مع بدء التنافس في مضمار الانتخابات القادمة، و دون وجه حق، تسعى لتجيير الانتصارات التي حققها العراق في مواجهة فلول الارهاب و الخراب لصالحها او لصالح قادة محددين دون سواهم !!. هذه الرغبة بالاستحواذ على النجاحات دفعت اطرافا ممن تشعر ان لها حصة فيها و لا تريد ان ترحل لجهة او قادة بعينهم ، دفعتها لاخذ الحيطة و الحذر و مراجعة حساباتها كي لا تسجل مكاسب جديدة لمن جيروا النجاح لصالحهم، حتى و ان قاد الامر الى تحويل الحكومة و البرلمان الى حكومة و برلمان تمشية اعمال لا غير!. و يفسر هذا جانبا من حالة المراوحة التي تعيشها اغلب مؤسسات الدولة هذه الايام. و لان الهزيمة يتيمة، لذلك سجلت احداث الاحد الدامي و بشكل ملفت للنظر العديد من الاتهامات و الاتهامات المضادة و التراشقات الاعلامية المتبادلة بين جهات حكومية و سياسية، مدنية و عسكرية و امنية مختلفة، كما سجلت تداعيات الاحداث اعلى رصيد من الانتقادات الحادة الموجهة ضد اطراف بذاتها في الحكومة الحالية. و طالب البعض بدعوة القائد العام للقوات المسلحة الى البرلمان لمناقشة الوضع الامني ، و ذهب فريق ثان الى المطالبة باقالة وزير الداخلية و آمر قوات عمليات بغداد و قادة عسكريين و امنيين آخرين. و لم يتردد فريق ثالث من المتنفذين في العملية السياسية الحالية عن النأي بنفسه عن اية مسؤولية و اغتنام الفرصة للنيل من الخصوم و كيل الاتهامات لهم. هذا عدا ما قامت به فضائيات معروفة بعدائها لكل ما هو خير في العراق من مسعى للاصطياد في المياه العكرة و خلط للاوراق، من خلال توجيه الهجوم على مسؤولين في الدولة، الذين لا يمكن اعفاء العديد منهم من المسؤولية باي حال من الاحوال. و لم تكلف هذه الفضائيات نفسها عناء الاشارة الى مسؤولية القتلة و المجرمين و ادانتهم، من باب ذر الرماد في العيون على اقل تقدير، بل حرصت بشكل واضح ومقصود على التمويه و التغطية عليهم. هذا الخلط و الالتباس و المسعى للاستحواذ على المكاسب و التنصل من المسؤوليات من قبل الاطراف المتصدية للمسؤولية في الحكومة و الدولة مؤذ و مضر بالجميع وقبل كل شيء مؤذ للمواطن المغلوب على امره، الذي يحق له اكثر من غيره، لصبره و جلده و معاناته، الادعاء بالحصة الاكبر في أبوة كل النجاحات التي تحققت على غربان الظلام في السنتين الاخيرتين. عمال النظافة المنتشرون في شوارع العاصمة منذ الصباح الباكر و اشقاؤهم عمال" المساطر"، شغيلة افران الخبز و الباعة الجوالون للنفط و الغاز و الخضر، حراس منشآت و خطوط الكهرباء و النفط و المنشآت الحكومية الاخرى، المراة؛ربة بيت و طالبة و عاملة و موظفة ،الجنود و الشرطة و الضباط الميدانيين و مقاتلي الصحوة الذين انحازوا الى جانب المسيرة السياسية، هؤلاء جميعا ممن تحدى غربان الموت و واصل التحدي لمزاولة حياته اليومية في تلك الايام السود، كل هؤلاء الجنود المجهولين، الذين تصدوا بصدور عارية للموت من اجل ان تستمر الحياة، و معهم شهداؤنا الابرار المغدورين منهم او الذين واجهوا فلول الارهابيين و لاحقوهم بشجاعة نادرة ، هؤلاء من يحق لهم قبل غيرهم الادعاء بأبوة النجاحات الامنية، و هم الآباء الشرعيين لانتصارات العراق، و لسنا بحاجة الى فحص "الكودات" الجينية او الحمض النووي للتاكد من هذه الحقيقة الساطعة. نقول ذلك دون ان نبخس حق احد من المسؤولين النزيهين الذين ينضحون عرقا من اجل العراق و الساهرين على امنه واستقراره، أو نطمس الادوار المشرفة للقوى و الاطراف و الجهات السياسية الصادقة و الحريصة على مستقبل البلاد واستمرار مسيرتها صوب دولة المواطنة و القانون الديمقراطية .
كتب بتأريخ : الأحد 01-11-2009
عدد القراء : 3021
عدد التعليقات : 0