فوبيا البعث من جديد...استشعار عن بعد !!!
بقلم : د.عامر صالح
العودة الى صفحة المقالات

" من خشي أن يكون له أعداء لا يكون له أصدقاء "
                                          زينون
نشرت في مقال مطول سابق على صفحات الانترنيت موسوما: " فوبيا السياسة وإشكالية البعث بين الاجتثاث والامتصاص" , وقد عالجت فيه موضوعة" البعث واجتثاثه" ضمن رؤية سايكوـ سياسية,وإذ تثار اليوم مجددا مسألة الخوف من البعث وعودته, يمكن للمرء أن يؤكد هنا أن الصعوبات الميدانية في معالجة ظاهرة البعث في العراق و ما آل أليه " قانون اجتثاث البعث " في الممارسة العملية,ناتج ليست فقط من تراكمات النظام السابق باعتباره الحاضنة الرئيسية لهذه الظاهرة السياسية والنفسية,بل إلى مجمل السياسيات التي أعقبت سقوط النظام بما فيها سياسات المحاصصة الطائفية والأثنية التي لم تدع النسيج الاجتماعي أن يقف واضحا ومتحديا لهذه الظاهرة كما ينبغي وبحجم تأثيرها الاجتماعي ( وخاصة في ظل ضعف ألأحزاب الطليعية المعارضة وعدم مقدرتها على احتواء حدث التغير والناتج من قساواة الديكتاتورية وبطشها),بل أغرق المجتمع بكامله في بحر  من الاقتتال الطائفي والعرقي,وخسر شعبنا نشوة النصر الأولى بعد سقوط الصنم,حيث من منا كان يعتقد أن البعث سيعود بأي شكل من الأشكال " على الأقل كانطباع أولي " عندما كان يرى شعبنا منتفضا على شاشات التلفاز والفضائيات ليزيل آثار الدكتاتورية !!!.

أن الصراعات السياسية الشرسة والمسلحة والاحتراب الاجتماعي ـ الطائفي والأثني ما بعد السقوط وفرت ظروفا ملائمة لاختفاء " ظاهرة البعث في العراق" خلف الكواليس وتحولها إلى خزانات وقود قابلة للاشتعال على خلفية توظيف معاناة الناس الاقتصادية والاجتماعية والتردي المستمر لظروف الحياة المعيشية وانتشار مزيدا من الفقر والبطالة,طبعا وعلى خلفية تصدع المنظومة القيمية لشرائح اجتماعية واسعة من شعبنا تجسدها اللامبالاة السياسية والاجتماعية وعدم الاكتراث بما يحدث من انهيار اجتماعي واقتصادي,وهو قائم على خلفية الإحباط والقنوط المتواصل أوجدتها أزمة النظام السابق وكرستها سوء إدارة البلاد حاليا ابتداء من إدارة المحافظات إلى السلطة التشريعية المتمثلة في البرلمان والى رئاسة الجمهورية والى مختلف مفاصل الدولة حيث الفساد المستشري بمختلف مظاهره السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية.

وتخلق " ظاهرة البعث وعودته " هلعا مستمرا لدى أوساط كثيرة من أبناء شعبنا وفي صفوف بعض من الكتاب والمثقفين فيه,وهو قلق مشروع في بعض من وجوهه ,وخاصة عندما نستحضر في الذاكرة كل ما جرى من ويلات وحروب وأباده جماعية وتدمير للبنية التحتية الاقتصادية والاجتماعية,و لكن من جانب آخر قد يكون هذا الخوف غير مشروعا ويحمل زخما مخادعا قائم على تصور سابق لإمكانيات نظام " صدام ",وهي حالة إسقاط سايكولجي نرى فيها أن إمكانيات المجاميع السياسية ذات الأصول البعثية بنفس إمكانيات النظام السابق وحجمه,وهو أمر مجافي للحقيقة والواقع,حيث إن أمكانية النظام السابق تشكلت بطريقة تراكمية خلال ثلاثون عاما تمكن فيها من مصادرة الدولة كاملة وتحويلها إلى دولة الحزب الواحد,وتشكلت بنفس الوقت العشرات من الأجهزة القمعية والمخابراتية الخاصة والقادرة على الفتك والإرهاب والقمع والمطاردة والإبادة, وهي غير موجودة الآن كمستلزم لإدامة الخوف والهلع لدى الناس,أنني أرى في ذلك نمطا من تأثير الهالة للنظام السابق على طرائق تفكيرنا.وبودي الإشارة هنا أن الكثير من منتمي حزب البعث سابقا وشرائحه بمختلف درجاتهم الحزبية انضوت تحت ألوية الأحزاب الدينية بشكل خاص وغير الدينية ,وهي لا ترغب مطلقا بعودة الأوضاع السابقة تحت قيادة " البعث ",حيث الاستفادة أكثر بكثير من ظروف النظام السابق والامتيازات غير المشروعة على قدم وساق,فعلام هذا الانتماء إلى حزب البعث ,فهل لديهم قضية وطنية تستحق التضحيات !!!!!.

أما التصريحات النارية التي  يطلقها بعض مسئولي الأحزاب السياسية ذات "الأصول البعثية" ,بأنهم سوف يحصلون في الانتخابات البرلمانية القادمة على 40 مقعدا أو أكثر,فأن كانت هذه هي قراءة صحيحة ومنضبطة ومتزنة,فنقول بجرأة إن هذا خيار بعض من شرائح مجتمعنا وهذه هي صناديق اقتراعه القادمة,ونؤكد بهذا الخصوص أن لحظات الانتخاب وإدلاء الصوت هي ليست لحظات عقلية أو فكرية محضة ناتجة من تفكير متأني طويل الأمد لتنضيج الاختيار,بل أن المزاج الشخصي والانفعال الشديد وردود الأفعال والشللية والمغريات تشكل جزء كبيرا من سلوك الناخب,وخاصة في التجارب الديمقراطية الهشة التي تنعدم فيها الاصطفافات الذهنية ـ العقلية الواضحة والقائمة على أرضية اصطفافات سياسية غير واضحة المعالم,وفي ظروف انعدام الاستقرار الأمني والسياسي وانعدام وضوح الرؤى التي تدفع المواطن إلى مختلف الخيارات التي لا تحمد عقباها " فمن آتى بالحامض في المرة السابقة يأتي بقاطع الحموضة هذه المرة ",وألا فلنأتي بشعب أخر من خارج الحدود يضمن لنا التصويت في الانتخابات القادمة,خارج أطار دراسة الظروف الموضوعية لتحسين أداء الناس الاقتصادي والاجتماعي الذي ينعكس بدوره على مختلف أنشطة الإنسان العقلية بما فيها الاتجاه نحو الانتخابات.

وفي هذا السياق أشير إلى ملامح ما جرى في دول أوربا الشرقية عندما تحولت نظمها صوب الاقتصاد الحر وتبني الديمقراطية التعددية كأسلوب لتداول الحكم(رغم أن الحالة غير قابلة للمقارنة مع العراق في بعض من وجوهها,إلا إن المثل يقال ولا يقاس),فأن الأحزاب الحاكمة السابقة استلمت زمام الأمور ثانية لدورة انتخابية أو دورتين على التوالي كما جرى لبولندا,وحصل هذا عبر صناديق الاقتراع والانتخابات الحرة النزيهة حسب اعترافات المنظمات الدولية ذات العلاقة( وكان يحرسها الشيوعيون واليساريون قبل غيرهم),ثم استمر تداول السلطة سلميا بين اليسار واليمين وبين هذا وذاك,والاختلاف بيننا وبينهم هو أن ظروف الأمن والاستقرار والتحسن المضطرد كان سمة مميزة لهم,وقبل كل شيء هو القناعة المتأصلة  لدى الجميع بالديمقراطية كطريقة لإدارة الحكم وليست كطريقة للخداع والإقصاء,وقد ساعد ذلك لديهم على وضع كل كيان سياسي في  حجمه الصحيح وموقعه المناسب في أطار عملية سياسية تنمو وتتطور نحو الأحسن رغم صعوبة الإمكانيات المادية والمالية وفقر الثروات قياسا بالعراق !!!.

أن المشكلة لدينا تتمثل في إفرازات النظام السابق الاجتماعية والأخلاقية والقيمية المتمثلة في ضعف روح المواطنة والولاء للوطن باعتباره مصلحة عليا,والتي كرستها بوضوح سياسات المحاصصة الطائفية,والتي لا تحتاج إلى مزيدا من العناء لإماطة اللثام عنها ووضع اليد عليها,وأشير هنا فقط إلى إن الفساد ينتشر على نطاق واسع بين الأحزاب الحاكمة التي احتلت مكان النظام السابق,فهل يجوز لنا إلقاء اللوم على كل ما يحصل في رقبة النظام السابق وبعثه !!!!

ونقول ختاما أن شعبنا ينبذ الديكتاتورية والاستحواذ,ولكنه لا يمتلك أذرعا للدفاع عن النظام الديمقراطي,وأن النهوض بالحياة العامة وأحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة لتوسيع نطاق الخدمات العامة والارتقاء بمستوى المواطن تزامنا مع محاربة الفساد على نطاق واسع باعتباره وجه من وجوه الإرهاب وحاضنة له وتعزيز مكانة القانون والقضاء العادل في حياة المجتمع والدولة,وهي مداخل لازمة لرسم ملامح الثقة بالنظام السياسي الجديد والولاء وهي اذرع شعبنا الضاربة في الدفاع عنه,أنها مقدمات لازمة على طريق نشوء منظومة قيمية واخلاقية ايجابية ذات طابع يليق بمكانة الإنسان العراقي كمواطن في دولة ديمقراطية حقه,وسوف تسهم هذه الاتجاهات بخلق مزاج ايجابي لدى المواطن والناخب العراقي,وبالتالي سوف يسهم المواطن عبر صناديق الاقتراع أن يضع كل كيان سياسي في مكانه المناسب وبحجمه الحقيقي في المجتمع,وعند ذلك فأن الفصيل أو الكتلة السياسية التي حصلت في الانتخابات السابقة على أكثر من100 مقعد أو من يتمنى أن  يحصل في الانتخابات القادمة 40 مقعدا,سوف يأخذ اقل أو أكثر من ذلك في الانتخابات التي تليها استنادا إلى تحسين كرامة العيش والانتماء إلى الوطن..عندها يكون المواطن العراقي كائنا انتخابيا حيا !!!!!!.

  كتب بتأريخ :  السبت 21-11-2009     عدد القراء :  2433       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced