إبتسمتُ وقلتُ لها : أنا اتذكر صورة الخوف من الشرطي في بلادنا
بقلم : وئام ملا سلمان
العودة الى صفحة المقالات

لكل من يقيم تحت جلده شرطي السلطة والسطوة ، لا شرطي القانون

لقد طلبت مني صديقتي العراقية أن أرافقها إلى مركز الشرطة كي تحصل على جواز سفر سويدي بعد أن تم منحها الجنسية السويدية حيث استوفت الشروط القانونية ومن الطريف أن صديقتي هذه لم تتذكر أنها قد قدمت على الجنسية إلا بعد فترة طويلة وحينما تم الإتصال  بالجهات المختصة كان الرد  من أن الموافقة قد تمت منذ شهور . وإلتقيت صديقتي في المحطة المركزية كي ننجز الأمر في مركز الشرطة  المتخصص بانجاز هكذا معاملات ، والذي حصلتُ على زمن حركة قطار الأنفاق صوبه والمنطقة التي يقع فيها ورقم البناية بالتحديد عبر الإنترنيت ، وما هي الا دقائق لا تتجاوز العشر ونحن أمام سيدة البوليس الجميلة والشفيفة والتي لم تطلب سوى الهوية الشخصية  ورسم نقدي رمزي للجواز ولم تسأل عن الكتاب الرسمي الذي تم بموجبه منح الجنسية لهذه السيدة وإكتفت باخذ صورة وتوقيع وبصمات سبابتي الكفين وسؤال أهم من هذه الاشياء كلها ، هو إذا كانت السيدة تريد الإحتفاظ بكلمة عراق التي تلازم  بغداد في الجواز أم الإكتفاء بكلمة بغداد فقط  فكان رد السيدة التي تنتمي إلى واحد من أعرق المكونات العراقية هو إبقاء كلمة عراق بالتأكيد،  وإنتهى الأمر كله بعد أن تركت رقم هاتفي النقال لدى سيدة البوليس تلبية  لطلبها  كي تتصل بي حال إنجاز الجواز لإستلامه حيث أن صاحبتي  لا تجيد اللغة السويدية ، وكان السقف الزمني لاستلام الجواز خمسة أيام .

إنتهى الحديث عن السيدة وجوازها السويدي وسيبدأ الحديث عن جوازي العراقي الذي فقدته في عمان حينما كنت وأولادي في طريقنا إلى هامة الكون ، وما قد مر بي في عمان لا أعتقده يختلف عما مر به الكثير وبعيداً عن تراجيديا الدوار الثامن وكوابيسه الذي لازمتني حقبة طويلة من الزمن ، وما حصل لي في أروقة مخابراته من تحقيقات وإتهامات ودموع وأشجان تمكنت وعن طريق الامم المتحدة أن أحصل على جواز سفر كان مصيره صندوق البريد ليعود إلى جنيف سالماً غانما،ولجوازي العراقي المفقود في عمان  حكاية لا يمكن لخيال شهرزاد أن يبرع فيها وقد حصلت عليه بعد كتابنا وكتابكم ورشاً بالدولار الامريكي قبل دخول الامريكان للعراق ( جمع رشوة ) كي يكون رسمياً لأن المحرم الذي رافقني رفض رفضاً قاطعاً أن يكون معي وأنا اغادر العراق بأوراق غير رسمية ، واستلمت جوازي وفررت به وأولادي  من فم الجحيم لأفقده وكل أوراقي وأوراق أولادي الرسمية في عمان ولكن من حسن الحظ أن فقدانه كان بعد إجراء اللقاء في السفارة السويدية وترك  مستنسخات منها لديهم ، ولانني فقدت كل هذه المستمسكات صار حرياً بي أن أحصل على بدائل لها من العراق بعد زيارتي له وأن تكون خطوتي الأولى من الصفر وفي سفرتي الأولى للعراق ما كان الأمر مهماً بالنسبة لي حيث اللقاء بالأهل هو الهاجس الأول والأخير ولكن بعد مرور أكثر من أربع سنوات فكرت أن أسافر إلى العراق وأن أحصل على أوراقي وأوراق أولادي الثبوتية ، ومن مكتب  المختار حتى الجنسية العامة في بغداد  كانت الخطى تتنقل وعدت بخفي حنين ولم أحصل إلا على هويات الأحوال المدنية وللشهادة أقول أن هويتي كانت من دون مقابل أما ابني وابنتي فقد دفعت ثمن هوياتهم  بالدولار الأمريكي وأنا شاكرة لمن ساعدوني ( لم أكتب ساعدتني أو ساعدني للتمويه وأرجو الله أن يقبل طاعاتهم وصلاتهم )  في الحصول عليها لأنني واعدت إبنتي أن أحصل لها على هوية الأحوال المدنية العراقية الحديثة بناءاً على رغبتها في حيازتها  .

ولأنني دخلت العراق بجواز سفر أوربي ( محترم)  فمن الواجب مراجعة دائرة الإقامة كي يدمغ الجواز بختم الإقامة وهكذا فعلت حقاً ، وطبعاً أنا كنت ملتزمة كأي نجفية بالعباءة إضافة إلى( ربطة حجاب ) الزامية  للرأس تحتها ( طبعاً هذه موضة جديدة حيث قضينا أعمارنا في النجف والعباءة لا غيرها وداخل حرم الدائرة هناك حرية مطلقة أن ترتدي الموظفة الحجاب أو أن تكون  من دونه ) ولكن الأمر لم يرق للسيد رائد الإقامة حيث ظهرت شعيرات من هنا وهناك فما كان منه إلا أن صرخ بي ( غطي شعرج) أقسم بالعراق ولا من قسم اغلظ عندي من هذا القسم،  هكذا قال لي ولم يكن مني سوى الصمت لا خوفاً ولكن تجنباً للمشاكل حيث كان إبن أخي يقف خارج غرفة الحاج الرائد في إنتظاري . عدت إلى البيت وكل ما بي يستعر كيف لم أقتص لي منه تقية من تفاقم ما لا يحمد عقباه ليس علي ولكن خوفا على من كان برفقتي .

ولم يتوقف هذا الردع في عقل الحاج الرائد فقط بل إمتد إلى عقول المعرفة الأخرى حيث عرض لي أحد الاخوة متفضلاً  يد المساعدة ولأنني أريد أن أطارد الزمن شكرته ورافقني معاً إلى دائرة الجنسية في مكتب السيد المدير وأنا في حالة استدارة لفتح حقيبتي اليدوية لأخرج منها أوراقي  ظهرت شعيرات من رأسي الملعون فما كان من الأخ الدكتور إلا أن يوشوشني بعجالة ( أم محسد ضمي شعرج) يا إلهي قلت في سري هل من المعقول أن يكون هذا الرجل الذي كان في يوم ما ماركسياً قد أذعن بالكامل لهذه الإرادات المريضة!! وحاورته لاحقاً عن موقفه وبين لي أن حال المدينة كله هكذا ولابد من إحترام ما يؤمنون به ، ولله الحمد لم أحصل على أية نتيجة من اللقاء هذا.

أما الردع الإيماني الثالث فكان عند معاملة هويات الأحوال المدنية حيث يستلزم الأمر صوراً شخصية ولأنني أنا وإبنتي عورات ولا يمكن لنا أن نظهر شعر رؤوسنا أمام الرجال فكانت الطامة الكبرى حول الصور ولماذا نحن حاسرات الرؤوس سافرات كافرات ، وقد حاولت السيدة التي كانت تعمل في الجنسية منذ أكثر من ثلاثة عقود والتي أعرفها من خلال المدرسة والوظيفة  أن تقنعه من أننا نعيش خارج العراق فما كان مني إلا أن أنتفض عليه بالآية القرآنية : ولا تزر وازرة وزر أخرى ، فحدق بي بنظرة شجب ولم ينبس بننت شفة .

أما شهادة الجنسية التي لم أحصل عليها رغم كل المرفقات التي لدي من شهادات جنسية لأخوتي وأخواتي وأبي أيضاً والذي هو من مواليد بغداد اصلاً وشهادة جنسيته التي تحمل مواليده 1891 ولكن كل جهودي ذهبت سدى والأكثر وجعاً  من كل هذا موقف كاتب العرائض الذي كان غاية في التوتر النفسي والاخلاقي والذي هو لا ينفصل عن إفرازات المرحلة وكل تاريخ العراق الإجتماعي  الحديث الذي أربكته النظم السياسية والإقتصادية  ، هذا الرجل الذي صاح بي ورمى بوجهي  الملف الذي كنت أريد فتحه في بدء اجراءات معاملة شهادة الجنسية وحينما كان يكتب إسمي وإسم والدي إنتبهت عليه  ، وإذا به  يكتب إسم أبي مبتوراً جاعلاً من نصفه الثاني إسماً لجدي،  وحيث أن إسم والدي مركب من كلمتين تحملها كل وثائقنا الرسمية ( سلمان فائق) فكان لزاما ً عليه لفت نظره إلى الخطأ الحاصل تجنباً لحصول ما يعرقل من سير المعاملة ، وتحملت غضبته إكراما لعيون شهادة الجنسية ولكن ولله كبير الحمد والثناء على هذه النعمة وبعد التي واللتيا ووصولي إلى شباك غرفة الملفات القديمة والتي شعرت وأنا أقف بقربه كأن لدي مواجهة مع سجين أو موقوف ، وكانت مفاجأة مذهلة قادها الحظ  لي وهي أن ملفي محترق ضمن مليونين ملف منذ عام 1998 ولا ينفع مع هذا الأمر هويات أخوتي ولا أبي البغدادي العريق النسب النجفي العيش والعمل والموت ، وكان القول الفصل هو أن أجلب لهم نسخة من شهادة جنسيتي العراقية والتي تحتفظ  دائرة الهجرة  بنسخة لها ، وعدت إلى السويد وبالفعل كاتبت دائرة الهجرة لأن طلب أوراق رسمية بهذا المستوى لا يمكن الحصول عليها عبر الهاتف وإنما يجب أن تكون بطلب رسمي يحمل إمضاء الشخص نفسه ولم يمر يومان حتى وصلتني دفعة كاملة من الأوراق الرسمية تتضمن حتى نسخاً لجواز سفري المفقود والذي حصلت أنا وأولادي على بديل له سنة 1999 من السفارة العراقية في ستوكهولم يوم كان المرور في شارع السفارة أمراً محالاً  لنا ،  ولأنني كنت بحاجة ماسة له كي أسافر  خارج السويد ، فقد حقق لي هذه الفرصة سماسرة يتعاملون معها لم أرَ وجوههم ولكن عن طريق إبن سيدة عراقية أعرفها والظاهر أنها كانت حلقة تستغل وضع العراقيين وحاجتهم للجوازات تنسق بالإتفاق مع كادر السفارة يومها وقد دفعتُ مبلغاً كبيراً في واحدة من محطات المترو إذ كان اللقاء بتلك السيدة التي لا أذكر حتى ظلها تاركة برفقتها ورقة تحمل معلومات عن الإسم والميلاد لكل منا ، وقد وصلني إشعار بريدي مسجل  بعد ايام لإستلام الجوازات من محل سويدي في حينا الذي نقيم فيه وقد استلمته بالفعل وكان مرفقاً وللأمانة أقول ببطاقة صغيرة عليها عبارة (مع تحيات السفارة العراقية في ستوكهولم ).

ان كل فوضى السطور التي كتبتها واستدرار الذكريات حفزتني عليها الدقائق القلائل التي بقيتها في دائرة البوليس وأنا استرجع ما عانيته جراء الحصول على الأوراق الرسمية وما يعاني منه الإنسان العراقي أينما كان ليس بأقل مما مر بي وربما أكثر ضراوة وقسوة ،  ولكنني فقط أردت أن أزيح بعضاً من التوجع بهذه السطور وأن أقول أن كل هذا الذي أكتبه قد
حصل لي قبل عام بالتحديد حيث تواجدي في العراق ولهاثي في أروقة الدوائر والوزارات متنقلة بين النجف وبغداد ولم أتمكن من إنجاز أي شيء من ملف إعادة الخدمة سوى تهكم المسؤول في الدائرة القانونية بوزارة الهجرة وأنا ابين له سبب مغادرتنا للعراق وسبب تركي لوظيفتي  والذي تكرم علي لاحقاً بقنينة ماء بعد بكاء لم يكن ضعفاً وإنما توجعاً وغضباً مما أرى وأسمع  وأمام الروتين القاتل والفساد الإداري الأشد فتكاً حيث تركت ملفي في وزارة البلديات بعد أن واعدتني وزارة الهجرة أن ترسل لهم كتابا طلبوه مني في وزارة البلديات  ولم توافق الموظفة الكفوءة ( هاجر والتي هي أصغر من عمر إبنتي وعمري الوظيفي هكذا قلت لها بعد أن تركتني واقفة عند حد طاولتها ، جالسة هي قرب موظفة أخرى لتتكرم علي بسؤال بارد ( شنو عندج) ليكون ردي من أنني أنتظر الموظفة هاجر فقالت أنا هاجر وأبلغتها ما هو مطلوب ولم تفعل أكثر من ان اعطتني قصاصة ورقية لا يتجاوز طولها 3 سنتمترات أحتفظ بها للذكرى مع كافة الأوراق الأخرى التي عدت بها من وطني الحبيب ، وعلى هذه الورقة الصفراء رقم الهاتف الذي سيتفضل من يجلس بقربه من الرد على تساؤلي حول نتيجة معاملتي وقد  سبب لي رقم الهاتف الموقر ازمة  نفسية وها هو عام يمر بالتمام والكمال ولم يرد احد علي !

تركت  السطور التي كتبتها  ولم  أرسلها للنشر  ، وعدت  للتو  وبعد نهارين لأبلغكم أن رسالة وصلتني اليوم من دائرة الشرطة تناشدنا بالحضور لإستلام الجواز السويدي حتى قبل مرور الخمسة أيام وبالمناسبة اليوم هو يوم عطلة رسمية ومعاملة الجواز كان تقديمها يوم الخميس وسنذهب يوم الإثنين لإستلامه ، ولم أخبر السيدة صاحبة الشأن حتى اللحظة  من أن الجواز جاهز  للتسليم  .

حلم (وردي) شخصي من أن أحصل على شهادة جنسية عراقية وبأقل عناء وكلفة كي أتمم ما لدي من متعلقات بالعراق متوقفة على  بركات شهادة الجنسية ، وحلم الأحلام أن أرى العراق آمناً مستقراً  بمواطنين يعيشون على أرضه بكرامة  متساويين بالحقوق والواجبات ، وأن  أشعر بالزهو بعراقيتي أمام موقف كهذا الذي مررت به مع سيدة البوليس الحسناء وهي ترى إبتسامتي العريضة على وجهي ليكون تعليقي معها : إبتسمت لأنني تذكرت صورة الخوف من الشرطي في بلادنا.

  كتب بتأريخ :  الأحد 22-11-2009     عدد القراء :  2647       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced