بعد سجال وتجاذبات سياسية وتدخلات أميريكية مفضوحة وعلنية ، وتصريحات ومواقف غير مسؤولة ، إبتدأها السيد نوري المالكي رئيس الوزراء بتصريح غير مسبوق ، يعتبر نقض السيد الهاشمي لقانون الانتخابات غير دستوريا ، والسيد رئيس الوزراء غير معني بذلك بحكم منصبه وليس انتمائه السياسي ، فالقضية بين مجلس الرئاسة والبرلمان ، وهو رئيسا للسلطة التنفيذية ، ولا يتيح له الدستور التدخل في هذا الشأن ، إلا إنه تناسى موقعه كما يبدو وأعلن عن نفسه رئيسا فقط لقائمة دولة ( القانون ) ، لأنه تصور نقض السيد الهاشمي سيحد من حجمه برلمانيا ، وأعقبه قادة كتل المحاصصة في مهاجمة نقض السيد الهاشمي واتهموه بمحاولة العرقلة لانه قدم نقضه في آخر يوم يتيح له الدستور النقض فيه ، إلا إنهم تناسوا عرقلتهم المستديمة لتشريع قانون الانتخابات وقوانين اخرى لاتقل أهمية عنه ، فلماذا لم يشرعوا قانون الانتخابات قبل ثلاث سنوات من الان ؟ اليس هو إستحقاقا دستوريا ؟ لكنهم يأمرون الناس بالمعروف وينسون أنفسهم .
وفي خطوة غير قانونية لجأ السيد رئيس الدائرة القانونية الى المحكمة الاتحادية في محاولة لافشال النقض ، والدستور لايبيح له ذلك فنص المادة 93 والتي تتحدث عن إختصاصات المحكمة الاتحادية العليا في الفقرة ثالثا يقول ( الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية والقرارات والانظمة والتعليمات والاجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الافراد وغيرهم حق الطعن المباشر لدى المحكمة . )
وتعديلات قانون الانتخابات مجرد مشروع لم يقر بعد ، إلا إنه تجاوز ذلك واستند الى هذه المادة فهل كان على علم بمضمونها؟ فتلك مصيبة، وإن لم يكن يعلم فالمصيبة أعظم ، والغريب أيضا إن المحكمة الاتحادية ردت على طلب السيد رئيس الدائرة القانونية عبر رئاسة البرلمان ، وكان الاجدى بها أن لا ترد وتعتبر ذلك ليس من إختصاصها ، فهل تم تسيس القضاء أيضا ؟؟ لكن البرلمان إلتأم أخيرا وناقش كعادته في جو من التشنج، نقض السيد الهاشمي وأقر تعديلات أكثر إجحافا من سابقاتها ، رغم إنه حاول أن ينصف العراقيين بالزيادة المتساوية للسكان ، لكنه لم ينظر كما يبدو بطلب السيد الهاشمي بتعديل الفقرة ثالثا من التعديلات السابقة والتي تبيح للكتل الكبيرة الاستحواذ على أصوات مليونية لعراقيين سوف لن يصوتوا لهم ، إعتمادا على ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات ، وعادوا الى الفقرة أولا ليعدلوها بما هو اكثر سوءا ، فأعطوا المقاعد التعويضية هبة للقوائم الفائزة بعد أن كانت في القانون السابق تعطى للقوائم التي لا تحصل على القاسم الانتخابي في المحافظات وتنال القاسم الوطني ، وتلك محاولة إقصاء إضافية لما تسير اليه الفقرة ثالثا من التعديلات ، ورغم ذلك إنسحبت قوى طائفية من البرلمان عند التصويت وبدأت مع إنسحابهم تصريحات تصب في نفس توجههم في إتهام الاخر وإبراز مواقفهم الاقصائية المحاصصية .
إن القوى الطائفية تعلن بإقرارها اليوم لهذه التعديلات عزمها على المضي في طريقها بإقصاء الاخر ، وتهميش القوى الديمقراطية ، وتعزيز مواقعها على مستوى محافظاتها التي تتصور إنها تنسجم طائفيا مع توجهاتها وصولا لهدفها الاسمى بتقسيم العراق على أساس طائفي ـ أثني ،وهي تسعى بذلك الى تحويل نهجها في التقاسم المحاصصي للسلطات الى مشروع تتحول فيه الدولة بحق الى دولة طائفية أثنية ، فهل سينطلي مشروعها هذا على أبناء الشعب الذي سبق وأن أفشل مشروعها هذا رغم الدماء التي سالت ؟ لا أتصور ذلك ، فقوى الشعب الحية والتي تمتلك مشروعا لكل الوطن ديمقراطيا ـ تقدميا سوف لن تسكت بالتأكيد ولن تترك الساحة فارغة ، وستعيد الى الاذهان صدى كل نضالاتها من اجل الوطن وإتحاد شعبه على أسس من العلم والتقدم ، وهي نفسها التي تثبت الايام صحة توجهها ومشروعها بجعل العراق دائرة انتخابية واحدة تضمن وصول صوت المواطن العراقي لمن إنتخب ، وهي نفسها التي تملك مشروع الدولة المدنية الديمقراطية البديل الامثل والحل الاكمل لكل مشاكل الاستعصاء السياسي التي ابتلى بها الوطن منذ سيطرة القوى المحاصصية على مقاليد الحكم ومحاولاتها المستميتة لاعادة الاستبداد كاسلوب انجح لمشاريعها في حكم العراق وبالتالي شله إقتصاديا وتنمويا وإجتماعيا في أقل تقدير إن لم يكن تقسيمه .
كتب بتأريخ : الإثنين 23-11-2009
عدد القراء : 2477
عدد التعليقات : 0