تأملات في جريمة قتل الدكتور محمد بديوي
بقلم : سلم علي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أثارت الجريمة النكراء التي راح ضحيتها امس الأكاديمي والاعلامي د. محمد بديوي استنكاراً واسعاً من اوساط الرأي العام ومطالبة مشروعة بإنزال القصاص العادل بمرتكب هذه الجريمة، التي نفّذت بدم بارد في وضح النهار، وهو أحد منتسبي لواء الحماية الرئاسي في بغداد.

واذا كانت هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها التي ترتكب بحق اكاديميين واعلاميين، ومواطنين ابرياء، في عراقنا المستباح، سواءً على ايدي ارهابيين او ميليشيات او قتلة محترفين مأجورين او افراد حمايات لمسؤولين كبار او محليين أقل شأناً، فانها تستحق التأمل في ردود الافعال التي صدرت عن مسؤولين في الدولة معنيين بالتعامل مع هذه الجريمة البشعة.

وفي هذا الصدد، يتبادر الى الذهن على الفور، وعلى شكل ملاحظات سريعة ما يلي:

أولاً، بيان المكتب الرئاسي الذي جاء فيه، بعد ادانة الجريمة، ان "الفعل يتنافى مع جميع القيم التي تربى عليها أفراد اللواء الرئاسي وحرصوا من خلالها طيلة سنوات عملهم في بغداد على العمل المهني الملتزم باحترام الانسان كقيمة عليا".

فاذا كان افراد اللواء الرئاسي تربوا حقاً على هذه "القيم" التي تحترم الانسان "كقيمة عليا"، فكيف أمكن اذاً لأحدهم ان يطلق النار بدم بارد، ولسبب لا يتعدى "مشادة كلامية" مع الضحية؟ .. واين كان بقية افراد هذا اللواء الرئاسي، وخصوصاً من يشرف عليهم من ضباطه، ممن كانوا يتواجدون في مكان الجريمة؟ ولماذا لم يتدخل أحد منهم لوقف الاعتداء على الدكتور بديوي قبل ان يتطور الى اطلاق النار عليه أمام أعينهم؟

لذا لا يمكن قبول التبرير الضمني في البيان الرئاسي الذي يسعى الى إقناع الرأي العام بأن ما حدث لم يكن سوى حادث معزول وتصرف فردي يتناقض مع "القيم" التي تربى عليها افراد اللواء الرئاسي. وكان يفترض بالبيان، ورئاسة الجمهورية ذاتها، ان لا تكتفي بإدانة الجريمة بل ان تعلن وتتعهد بالتعاون مع "لجنة تحقيق وطنية مستقلة" تتولى البحث في أسباب الجريمة. وان يشمل هذا التحقيق الجهات المسؤولة عن اللواء الرئاسي، وطريقة تدريبه، والتدقيق في سجل عمله على مدى السنوات المنصرمة منذ ان تولى مهامه، وأية انتهاكات وتجاوزات يحتمل انها ارتكبت ولكن جرى التغاضي عنها او تجاهلها، وصولاً الى استنتاجات ختامية وتوصيات، تعلن الى الرأي العام وتقدم الى السلطات التشريعية والتنفيذية لتطبيق اجراءات فعلية تضمن عدم تكرار مثل هذه الجرائم مستقبلاً.

ثانياً، كان ملفتاً بشكل خاص الطريقة التي تعامل بها رئيس الوزراء نوري المالكي مع الجريمة، وتوجهه الى مكانها، وتغطية ذلك من قبل قناة تلفزيون "العراقية". فقد أعلن من هناك، وهو محاط بأفراد حمايته بأنه "ولي الدم"! .. وان "الدم بالدم"، متعهداً باعتقال الجاني. ويثير هذا المشهد المشحون تساؤلات جدية عما آلت اليه الدولة العراقية من وضع بائس في ظل حكم المحاصصة والفساد. فملاحقة مرتكبي الجريمة بهذه الطريقة، وعندما يأخذ رئيس الوزراء هذه المهمة بشكل مباشر وفوراً على عاتقه، واطلاق مثل هذه العبارات التي تعتمد إثارة المشاعر، انما هي اعتراف صريح من قبله بغياب هيبة الدولة، وعجز اجهزتها الأمنية والقضائية عن النهوض بمهمتها الأساسية في توفير مقومات الأمن والعدالة للمواطنين. كما يمكن اعتبارها محاولة للتستر على هذا العجز الفاضح ومسؤوليته المباشرة عنه بحكم المسؤوليات التي يتولاها.

ولابد ان يكون رد فعل رئيس الوزراء قد اثار ايضاً تساؤلات مشروعة لدى المواطنين عن سبب غياب مثل هذا الموقف في ما جرى ويجري يومياً من جرائم قتل وانتهاكات مروعة للمواطنين في بغداد وبقية المحافظات يروح ضحيتها العشرات من الأبرياء. ناهيك عن بقاء العديد من ملفات جرائم الاغتيال البشعة التي طالت مواطنين ابرياء، ومن بينهم العشرات من المثقفين والاعلاميين والاكاديميين، مفتوحة دون حسم او ملاحقة جدية للجناة ومن يقف وراءهم، ورغم توفر أدلة ومعطيات.

ولا يمكن للمراقب الاّ ان يلمس، مرة أخرى، وفي ظل مشاعر الغضب العارم على هذه الجريمة النكراء، محاولة توظيف هذه المشاعر لتحقيق مآرب وغايات سياسية اصبحت مفضوحة مع التوجه لخوض معركة انتخابية شرسة جرى التمهيد لها بحملات التسقيط السياسي والتشهير المتبادل بين الكتل التي تتقاسم الحكم وفق قاعدة المحاصصة وتريد الحفاظ على مواقعها وتعزيزها بأي ثمن.

ثالثاً، تثير هذه الجريمة مرة اخرى موضوع وجود "جيش" من حمايات "الرئاسات الثلاث" والوزراء وكبار المسؤولين واعضاء البرلمان والمحافظين وغيرهم. هذه "الحمايات الخاصة" تحولت عملياً الى ما يشبه ميليشيات تهين المواطنين وتعتدي على كرامتهم، وتتمتع بالحصانة وتتصرف خارج القانون وفوقه، دون ان تحرك الحكومة والقائمون عليها ساكناً. ويضاف ذلك الى ما يعانيه المواطنون يومياً في نقاط السيطرات من تجاوزات وانتهاكات. وقد تحولت مناطق رئيسية في بغداد الى أشبه بكانتونات تخضع لسطوة مسؤولين ورجال اعمال كبار ينعمون بالحظوة والدعم المكشوف من اصحاب القرار. ان هذا الوضع الشاذ والمشين هو أحد تجليات دولة المحاصصة، دولة اللاقانون والفساد.

ان الجريمة البشعة الأخيرة، جريمة اغتيال الدكتور محمد بديوي، التي تضاف الى سلسلة جرائم وانتهاكات لحقوق الانسان والمواطن العراقي، هي وصمة عار في جبين النظام السياسي الحالي، نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، ومؤشر الى الحال المزرية التي بلغتها الأوضاع في ظل سياسات الحكام الذين يذروفون دموع التماسيح ويتظاهرون بالتعاطف مع مشاعر السخط والغضب الصادقة التي تعم الشارع العراقي بهدف احتوائها، فيما يواصلون سياسات التسلط والفساد وافتعال الأزمات وإدامة حال عدم الاستقرار وإبقاء الدولة ومؤسساتها ضعيفة ومهترئة كي يديموا حكمهم الفاسد.

  كتب بتأريخ :  الأحد 23-03-2014     عدد القراء :  3660       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced