زمن صالح الكويتي
بقلم : علي حسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

مر صالح الكويتي في رحلاته الاغترابية الطويلة بمحطات كثيرة أولها الكويت التي ولد فيها لأب عراقي ، والبصرة التي زارها عازفا للعود ، وبغداد التي قرر الاستقرار فيها نهائيا منذ عام 1922 ثم اسرائيل التي نفي اليها مرغما عام 1951. في بغداد قرر ان لايجامل او يتملق وان لايخدع ، وعندما قرأ له صديقه الشاعر عبد الكريم العلاف قصيدة، قال له ان هذه نغمات اكثر منها كلمات فقرر ان يلحنها فخرجت الى النور أولى اغنياته "وين رايح وين " بصوت مطربة جاءت من الشام اطلقت على نفسها اسم زكية جورج، هام بها شعراء بغداد، وكان اشهر عشاقها الشاعر كمال نصرت الذي كان يرسل اليها القصائد الطويلة والقصيرة.

أنتِ بالفــــــــــــن كبيرة من سليمى من منيرة

أنتِ بالســن صغيرة أنتِ بالفــــــن كبيـــــــرة

ولم تحرك هذه القصائد ساكنا عند مطربتنا لأنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة، لكن زكية جورج وجدت في صالح الكويتي ضالتها ووجد فيها هواه فقرر ان يجعل منها اشهر مطربات بغداد تتسابق شركات اوديون وبيضفون على كسب رضاها، وتسحر شاعر الهند طاغور الذي ما ان راها حتى كتب كلمات "يابلبل غني لجيرانك" التي تحولت بفضل عود صالح الكويتي الى واحدة من اشهر اغنيات ذلك الزمان ، ويفاجأ الكويتي ذات يوم برغبة زكية جورج في السفر الى البصرة ، فهناك جمهور كبير ينتظر اطلالتها قالت له: " انه شهر واحد فقط وستعود " لكنها لم تف بالوعد وآثرت البقاء على العودة لتشعل نار الشوق والغيرة في قلبه، وتنفجر شحنة أشواقه ومشاعره بسيل من الأغنيات التي لن ينساها أهالي بغداد:

هذا مو إنصاف منك غيبتك هلكد تطول

وبعدها

الهجر موعادة غريبة... لا ولامنكم عجيبة

ولابأس في ان تغني هذه الأغاني غريمتها سليمة مراد:

مليان كلبي حجي المن اكولن واشتكي

ولم يكتف بذلك بل ارسل لها أغنيته الشهيرة " انا من اكولن اه واتذكر ايامي " لتصبح هذه الأغنية واحدة من اشهر أغنيات ذلك الزمن، ويغلبها الحنين فتعود الى بغداد لتجد في انتظارها العاشق الولهان ومعه كيس مليء بالأغاني "ما ظل صبر، كلبي انجوه، ياحافر البير " وغيرها كثير.

وكان صالح الكويتي مثل احمد رامي الذي طار حبا بأم كلثوم:

سمعت غناءها فاذا بكائي من الدنيا تردد في الغناء

واخشى ان يخامرني هواها والقى في محبتها عزائي

بالامس أعادني كتاب صالح الكويتي "نغم الزمن الجميل"، الى تلك الايام التي عاشت فيها بغداد ومدن العراق عصر الغناء والطرب، قبل ان يستفحل فيها مرض " الهمرتوفوبيا " وهو المرض الذي يصيب الظلاميين فيكرهون كل شيء يتعلق بالموسيقى والغناء وماجاورهما، حتى وجدنا مجالس محافطات ترفع شعار "لا للغناء" ، ويخرج علينا ذات يوم رئيس لجنة الثقافة والاعلام البرلمانية علي الشلاه ليقول: "من الظلم ان تصور مدينة الحلة كحاضنة للغناء". ففي عرف أحزابنا السياسية، الموسيقى حرام لأنها تثير الغرائز، وسرقة المال العام حلال، لأنها تنعش النفوس والجيوب، والغناء رجس من عمل الشيطان، والقتل على الهوية أول بشائر الإصلاح ، والفرح مهنة أصحاب الدنيا، ونحن نريد أن نؤسس لثقافة الآخرة، زينة المرأة غواية، وزواجها في سن التاسعة إنجاز يضاف الى سلسلة الإنجازات العظيمة التي تحققت خلال ولاية مختار العصر ، الضحك طريق إلى جهنم ، وخطب الجعفري طريقنا الى مستقبل زاهر !

في كتابها "الموسيقى في العراق" ، تقول الباحثة شهرزاد قاسم: " إن لدى العراقيين منذ القدم ميلا إلى الموسيقى والغناء اللذين ازدهرا في كثير من الفترات، وأن أفلاطون كان يفضل الموسيقى الآتية من بلاد النهرين على موسيقى بلاده، ويصفها بأنها خير نموذج للموسيقى الكاملة التي يجتمع فيها التعبير عن الحقيقة والفضيلة والجمال وحلاوة النغم ".

ظل صالح الكويتي مغرما بما يغني ، يعتقد ان اللحن والشعر سيصنعان بلداً يكون ملكاً للجميع، و مجتمعاً آمناً لا تقيد حركته خطب وشعارات زائفة، ولا يحرس استقراره ساسة يتربصون به كل ليلة، ديمقراطية، تنحاز للمواطن لا للطائفة، وتنحاز للبلاد لا للحزب والعشيرة.، عاش أسير أحلامه، متنقلا في الألوان، من "ذوب وتفطر" الى "عمي يباع الورد "، ومن " ياحافر البير ،" الى،"يعنيد يايابا "، لينتهي غريبا يئن على بلاد تنكر أبناءها لانهم لايمارسون الخديعة، ولا يحملون صور قادتها، ولا يهتفون في الساحات " بالروح بالدم ".

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-03-2014     عدد القراء :  4713       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced