الإرهـــاب سلاحه الخوف وسماده الظلم
بقلم : انتصار الميالي
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يشير الإرهاب إلى منهج حكم أو إلى طريقة عمل مباشر يرمي إلى إثارة "الرهبة" أي إلى إيجاد مناخ من الخوف والرعب والهلع بين السكان ويشير الإرهاب في الأعم إلى تقنية عمل عنفية تستعملها مجموعات سرية ضد مدنيين بهدف تسليط الضوء على اغراض أو مطالب سياسية معينة. إن خاصية الستراتيجية الإرهابية هي إتاحتها الفرصة عبر أبسط الوسائل التقنية للاحتيال على وسائل الردع العسكري ذي الامكانات التقنية الأكثر تطورا وإفشالها.

فبينما تدعي الحكومات انها تمتلك أقوى الجيوش واحدث الأسلحة التي تحصن الوطن وتحميه، يزرع سلاح الإرهابيين الخوف والعنف والموت في قلوب مدنهم حتى. فالإرهاب يقلب رأسا على عقب دفاع المجتمعات الحديثة بحيث تظهر أقوى الأسلحة غير ذات جدوى ولا نفع منها في أيدي صنّاع القرار السياسيين والعسكريين.

لا يستحق الإرهاب أية مجاملة إذ أن مناهجه إجرامية لايجوز التعاطف معها مما يستوجب إدانة العنف الإرهابي اشدّ الإدانة ولابد من عزله عن أشكال العنف الأخرى ويعتبر العمل الإرهابي جريمة كبرى لا جدال فيها ، في الحين نفسه هناك من يرى انها أعمال عنف "شرعية" ففي مواجهة العنف تظهر الآراء العامة على حد سواء سخطا انتقائيا يصل إلى ابتذال أشكال العنف الأخرى لأن الإرهاب يقتل الأبرياء قطعا كما تفعل الحروب وهو "خارج على القانون" ومن الوهم كل الوهم الادعاء ان العنف من مقتضيات الحق والحكم بأنه ردة فعل ولاسيما ماتدعيه الأصوليات الدينية التي تبرّر الإرهاب، ويظل الخطاب الذي يدين الإرهاب اقل قوة واقل تماسكا في مواجهته إذا كان عبر أشكال أخرى من العمل العنفي ليست اقل قتلا وإجرامية وهنا ممكن ان نسميه " إرهاب دولة " وهو الآخر لا يستحق أية مجاملة.

تؤكد اللغة الخطابية المناوئة للإرهاب جهرا أن الإرهاب يتنكر للقيم الرفيعة وللحضارة التي تستوجب احترام الحياة الإنسانية، وللدفاع عن هذه القيم تحديدا يعني أولاً احترامها واختيار الوسائل المنطقية للدفاع عنها. الانتصار على الإرهاب يعني العمل بأكبر حذر ممكن بالحرص على عدم نفي القيم التي تؤسس لاحترام الحياة، الانتصار يعني أولاً رفض الانصياع لمنطق عنف الارهاب الذي يبرر القتل، لذا فإن الدفاع عن البلاد يعني أولاً رفض التعرض لعدوى هذه الايدولوجيا والمقصود هو مواجهة العنف بالعنف ، ويعني هنا الإقلاع عن العمليات العسكرية التي حتما قتل الأبرياء ابرز نتائجها ، وتجازف الحكومات الديمقراطية بأن تقترف السيئات نفسها التي تأخذها هي على الإرهابيين، ناهيكم أنها بذلك لا تنفك تخصب التربة التي يقتات عليها الإرهاب لينمو في حين يتحدى الإرهاب الحكومات الديمقراطية راميا إلى زعزعتها، وينبغي عليها محاربته وفقا لستراتيجية منسجمة مع قيمها الخاصة ومعاييرها، من دون اقتباس أي شيء من تخرصات الإرهابيين، بينما ينبغي عليها أن تدافع عن نفسها بالنزول بعزم إلى الميدان الحقيقي الذي هو ميدانها هي- ميدان القانون- وان ترفض الانقياد إلى ميدان الاعتباط الذي ينفي القانون.

الإرهاب عدو شرس يختلف عن الحرب في ستراتيجيته، فالحرب هو تبادل للأعمال العنفية التي يقررها ويشرع فيها كلُ من الخصمين، وعليه ليس هناك أي عمل لصناع القرار الخصوم أن يقوموا به في مواجهة الإرهابيين، فصناع القرار يجدون أنفسهم عاجزين فعلا عن رد الصاع بالصاع إلى خصم لا وجه له يتوارى، ومن يدعي ان الانتصار على الإرهاب بالحرب إنما يضلل نفسه، إن المجتمعات الديمقراطية ليس لها الحق في الدفاع عن نفسها دفاعا شديد الحزم ضد الإرهاب فقط، بل عليها واجب الدفاع عن نفسها ضده أيضا. غير أن هذا الحق وهذا الواجب حالما يتم الاعتراف بهما في سياق الدفاع المشروع يبقى السؤال الحقيقي هو معرفة الوسائل المشروعة والفعالة لهذا الدفاع، فطبيعة الإرهاب نفسها تقضي بمكافحته، لا بأعمال حربية، بل بتدابير أمنية، وينبغي العمل بهذه التدابير مع اجتناب وقوع أي ثغرات أمنية، واحترام معايير القانون احتراما صارما، ولا يجوز تعبئة كافة الجهود للدخول في حرب مع الشبكات الإرهابية . ولهذا الغرض ليست الجيوش هي التي ينبغي تعبئتها، بل أجهزة الاستخبارات إذ ينبغي عليها التقصي عن مواقع الارهاب واكتشاف مكامنه ومطاردة من يحميه ويحتضنه واعتقال عناصر الشبكات ومحاكمتهم حالما يتم التعرف إليهم من غير لبس أو مساومة.

إذاً للانتصار على الإرهاب يجدر الاجتهاد في فهم أسبابه وأهدافه وينبغي تحليل أسباب العمل بذريعة خادعة،ومجرد السعي لفهم الإرهاب قد يعني سلفا الأخذ في تبريره، وتظهر الوقائع أن السخط غير ذي جدوى. وإلا بماذا نفسر سبب قرار بعض الناس التضحية بحياتهم والذهاب إلى أقصى تخوم العنف المدمر القاتل؟؟ فلاستئصال الإرهاب واجتثاث أصوله لابد من الاجتهاد في فهم طبيعة الجذور التاريخية والسوسيولوجية والأيديولوجية والسياسية التي تغذيه. إذ أن الإرهاب قد يكون لا عقلانيا وبذلك يحكم على نفسه بالا يكون سوى فعل عدمي تحركه إرادة التدمير ورغبة القتل وبهذا يكون الإرهاب من الأساس انتهاكا يتم عن جهل مطبق بالخير والشر ومن الغلط جعل العدمية خاصية كل فعل إرهابي.

في الواقع يستلهم الإرهاب ككل ستراتيجية لعمل عنفي دوافع عقلانية في الغالب الأعم ، ويراد به أن يكون هو الآخر وسيلة لاستمرار السياسة فهو يمتلك تماسكه الأيديولوجي الخاص ومنطقه الستراتيجي الخاص وعقلانيته السياسية الخاصة. من هنا لا يفيدنا التشهير بلا أخلاقيته الجوهرية عبر الاعتراف بالبعد السياسي للإرهاب فقط ، إذ تجد الحكومات تذهب للتفتيش عن الحل السياسي الذي يطالب به. إن الطريقة الأكثر فاعلية لمحاربة الإرهاب هي حرمان منفّذيه الأسباب التي يتذرعون بها لتبريره. لذا يكون في الإمكان إضعاف القاعدة الشعبية التي يحتاج إليها الإرهاب أضعافا طويل الأمد. فالإرهاب كثيرا ما يتأصل في تربة سمادها الظلم والإذلال والإحباط والبؤس وفقدان الأمل، إن الوسيلة الوحيدة لإيقاف الأعمال الإرهابية هي حرمان منفذيها الأسباب السياسية التي يتذرعون بها لتبريرها. اذاً للانتصار على الإرهاب ليست الحرب هي التي يجب القيام بها، بل العدل هو الذي ينبغي بناؤه.

عندما ندرج الإرهاب في خانة النزاع سياسي، اذا نحن نتقبل رهاناته الواضحة ليصبح من الضروري على الأرجح التفاوض مع الإرهابيين، وهنا يؤكد المنطق السائد انه " لا تفاوُض مع الإرهابيين "! ولكن فيما يتعدى الأقوال هناك الوقائع. فما أكثر الحكومات التي اضطرت إلى مناقضة أقوالها للاعتراف بالوقائع، أي إلى إسكات سخطها للقبول بالتفاوض...!!

جملة من الأسباب جعلتني اطرق هذا الباب، الأول هو مايحدث في العراق الان من احداث ارهابية تخترق أمن البلد كله وتهدد الملايين من الأبرياء نتيجة غياب العقل السياسي الحكيم والعادل والقبول والاذعان للتفاوض مع الارهاب مما خلق له البيئة الآمنة التي تغذيه وتمده بالقوة ، والثاني هو ضعف دور الأجهزة العسكرية والاستخباراتية في متابعة القضية وإهمالها تماما ككل القضايا المماثلة، والثالث هو الدور السيئ لبعض وسائل الاعلام في تأجيج الصراع ورفع مستوى السخط بين أبناء الوطن الواحد واهمالها لرصد الانتهاكات التي يتعرض لها الأبرياء، فيما انشغلت في بث الخطاب الطائفي المقيت،والرابع هو الابتعاد عما هو جوهري والتعامل مع القضايا المحورية بسطحية تفقدها لدورها الحقيقي،علينا ان نفكر بعقلانية كلاٌ من موقعه السياسي والمدني والاجتماعي وان نعمل معا على أحياء ضمير من حولنا لنواجه تحدي الإرهاب رغم أشكاله الشرسة بصلابة وارادة قوية موحدة ،وتحديد موقفهم منه وآلية التعامل معه،وفضحهم له دون التذرع بحجج تبعدنا عن دورنا وتضعف من إرادتنا في مواجهة هذا الخطر الذي من شأنه أن يدمر بلادا وينهي حياة الأبرياء مما يدعونا لأن نطالب الدولة بعدم التنصل عن التزاماتها بالقضاء عليه عبر الخطط التكتيكية والطرق السليمة بما يضمن توفير الحياة الآمنة والسلامة لكل العراقيين.

  كتب بتأريخ :  السبت 28-06-2014     عدد القراء :  2922       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced