الاغتصاب .. من أمير الشعراء الى أمراء داعش ..!!
بقلم : علي فهد ياسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

قبل مائة عام وبالتحديد في العام ( 1914 ) , كتب الشاعر أحمد شوقي قصيدة ( سلوا قلبي ) , التي أختارتها أم كلثوم ضمن مجموعة من قصائد المديح الديني التي مثلت الضلع الثالث في مثلث تراثها الغنائي , مع اللونين العاطفي والوطني , والتي أنجز لحنها الموسيقار الكبير رياض السنباطي في العام ( 1945 ) .

النظرة الفاحصة لنص القصيدة تُبرز اشكالاً خطيراً في أحد أبياتها المتضمن مفردة (الاغتصاب ) التي يُشير بها الشاعر الى الفتوحات الأسلامية بوضوح لايقبل التأويل , والبيت المقصود هنا هو :

( وعلمنا بناء المجد حتى       أخذنا امرة الأرض اغتصابا ) ! , ويُلحقه مباشرةً ببيت آخر هو: (ومانيلُ المطالب بالتمني      ولكن تؤخذُ الدُنيا غلابـــــــــا ) , ليدعم تبنيه لمفهوم ( الاغتصاب ) في البيت السابق وشرعنته للأستحواذ على السلطة في البلدان التي طالتها جيوش الفتح الاسلامي , ليس هذا فقط , أنما يؤكد على أن ( الاغتصاب ) هو أعلى درجات بناء المجد وليس مجداً عادياً ! , وهذا يُفترض أنه يتعارض مع المفهوم السائد والمعتمد في جميع كتب التفاسير للفتوحات الاسلامية ولمناهج الاديان التي تؤكد على أنها جاءت ( رحمةُ للعالمين )! , ناهيك عن مضامينها المتعارضة مع كل مايتعلق بـ ( الاغتصاب ) كيفما كان نوعه ومصدره ومواقع استخدامه والنتائج المترتبة عنه والاطراف التي تنفذه , مهما كانت تبريراتها وتخريجاتها لأسبابه .

الأمر الأخطر في هذا الشأن , هو أن هذه القصيدة لو كان كتبها شاعر مغمور لأعتبرنا أن مضمون البيت الذي نعنيه هو تفسيره الخاص , وهو بكل الأحوال محدود التأثيرتبعاً لمحدودية الشاعر , لكننا هنا أمام شاعر يحمل لقب ( أمير الشعراء ) في الشعر العربي , والمطربة التي غنتها هي ( سيدة الغناء العربي وكوكب الشرق فيه ) وملحنها هو أحد أهم أعمدة التلحين في تراث غناء العرب , ولو كانت هذه القصيدة باقية في دواوين أحمد شوقي دون أن تُغنى , لبقيت محدودة التأثير على القادرين على القراءة أولاً , والمهتمين منهم بقراءة شعر شوقي تحديداً ثانياً , وهم بالتأكيد لايمثلون نسبةً تُذكر , لكنها حين تحولت الى واحدة من أغاني أُم كلثوم التي تعتمدها محطات الاذاعة والتلفزيون العربية في المناسبات الدينية والأعياد والمناسبات الخاصة , فأنها وصلت الى جميع العرب , وحازت على الأعجاب والحماسة المنقطعة النظير, رغم أشكالية التفسيرالخاطئ الذي تبناه شاعرها لواحده من أهم ركائزالتأريخ الاسلامي .

لقد تغاضت القيادات الدينية على أختلاف مشاربها وتشعباتها في الوطن العربي وعموم البلاد الأسلامية عن ذلك , مثلما تغاضت عنه القيادات السياسية طوال قرن من الزمان , دون تفسير واضح , بالرغم من تأثيراته المضرة على أصول الدين ومفهومه المعارض للاغتصاب بكل أشكاله , وكأنها موافقة على رأي ( أمير الشعراء ) في ذلك , ولم ينبري قائد من كلا الطرفين الى رفض هذا المفهوم واسقاط دلالاته بعد مائة عام على تبنيه والترويج له علناً بالحماسة المنقطعة النظير التي نشاهدها في حفلات أم كلثوم الصاخبة لهذه الأغنية , ولهذا البيت الشعري تحديداً , وأذا كان السياسيون يلعبون على الحبال الداعمة لمناهجهم كما هو معروف , فعلى ماذا يلعب القادة الدينيون في هذا الأمر الخطير الذي لايتوافق مع أصل معتقداتهم وواجباتهم المكلفين بأدائها بأمانه يُفترض أنها لاتقبل التحريف ؟ ! .

أذا كان الأغتصاب هو أعلى مراحل المجد كما يتبناه ( أمير شعراء العرب ) وتتغنى به ( سيدة الغناء العربي ) , فعلام كل هذا الضجيج على أفعال عصابات الأجرام الداعشية التي تعيث بأرض العراق وسوريا فساداً وتعتمد الاغتصاب منهجاً ؟ , اليست تطبق بأفعالها البربرية هذه مابشر به شوقي وغنته أم كلثوم وصفق له جمهور العرب وصمت عنه الساسة وقيادات دينية  كانت ولازالت تسبح بحمدهم ؟ , وأذا كان هذا التفسير مقبولاً لأن أمير الشعراء كان صاغه قبل قرن ولم يعترض عليه أحد , فعلى ماذا نعترض على أغتصاب عصابات الصهيونية أرض فلسطين ؟ , وهل كان يعني أمير شعرائنا أن الاغتصاب مسموحاً للعرب والمسلمين دون سواهم من البشرية , التي لايمثل المسلمون منها الا الخمس ؟ .

المفارقة الأكثر ألماً في تأريخنا العربي ( المجيد ) , أن سيدة غنائنا العربي وكوكب شرقنا , قدمت هذه الأغنية في حفلِ بهيج في الثاني من حزيران عام 1967 , وكانت أعادت هذا البيت الشعري ( الفضيحة ) أكثر من مرة تلبيةً لطلب جمهورها ( النوعي ) , قبل أن تجتاح عصابات الصهيونية العالمية الأراضي العربية في ( حرب الخامس من حزيران عام 1967 ) , وتسيطرعلى خمسة أضعاف ماكانت تحتله من أرض فلسطين , وهي هنا ربما كانت تنفذ ما كتبه ( أمير شعرائنا ) وغنته ( سيدة طربنا ) وصفق له جمهورنا العربي !.

هذه الأُغنية التي تحولت الى واحدة من محطات الغناء الصوفي على خارطة عريضة من الوطن العربي والأسلامي , كان أعاد أدائها ببراعة كثير من المطربين العرب في بلدانِ شتى , تقرباً وتنفيذاً لرغبات جمهورهم , فقد أبدعت فيها ( تطريباً )  أسماء معروفة وأختارتها للشهرة أسماء أُخرى , منهم ( نجاح سلام وسوزان عطية وسمية بعلبكي وفؤاد الزيادي وغيرهم كثيرون ) , لكنني سأختار منهم مؤدياً طفلاً من تنزانيا أسمه ( رمضان ) للدلالة على حجم وقوة تأثير الأُغنية خارج الوطن العربي , وسأترك مع المقال ( عنوان الكتروني ) للاستماع اليه وللاستماع الى البيت الشعري الذي أعنيه .

لقد أوجعنا قادتنا السياسيون والدينيون بأدائهم الملتبس طوال القرن الماضي , ولأن شعوبنا تسير خلف قادتها عمياء , فأن التبصر بأحوالنا ونتائجها يتطلب قادةً نوعيون ينتشلون الشعوب من مستنقع القطيع الذي نحن فيه طوال القرن الماضي مهما كانت النتائج والتضحيات

يمكن الاستماع للاغنية بصوت الطفل التنزاني على هذا اللنك

http://www.youtube.com/watch?v=3eLhfA6X2hU

  كتب بتأريخ :  الأحد 12-10-2014     عدد القراء :  3300       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced