جرّاح تجميل للكاتب التركي الساخر عزيز نسين
بقلم : عادل حبه
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

في أحد الأيام توجه أحد المواطنين إلى عيادة جراحة التجميل، وطلب من الطبيب أن يقوم بعملية تجميل لوجهه، على أن يكون أحد نصفيه مبتسماً على الدوام، والنصف الآخر في حالة بكاء شديد. سأله الطبيب عن السر وراء هذا الطلب العجيب؟؟. عندها بادر المراجع إلى رواية قصته.

في يوم من الأيام ذهبت إلى دعوة ضيافة أقامتها الدائرة بمناسبة عيد ميلاد كمال آتاتورك زعيم تركية. وقام الجميع بتبادل الأحاديث والضحكات وتناول الشراب والحلويات والفواكه. وقمت بدوري بتناول قدح من النبيذ وتوجهت نحو أحد المناضد وجلست لوحدي هناك. لقد وضع المضيفون مزهرية وزهرة جميلة على كل منضدة بمناسبة عيد ميلاد آتاتورك. كما وضع شمعدان غرست فيه شمعة جميلة بالمناسبة. وما أن بدء تأثير النبيذ، وبدأت النشوة تدب في أوصالي، حتى اقتربت من بعيد فراشة جميلة وبدأت تحوم وتدور حول الشمعدان. أخذت أحدق في منظر الفراشة وهي ترقص بشكل جميل، وتدور حول شُعلة الشمعة إلى أن طالت شعلة الشمعة جناح الفراشة واحترقت. وقتها استذكرت قصة الشمع والزهرة والفراشة. بدء النبيذ يفعل فعله، وبحالة لا إرادية ترقرقت الدموع من عيناي حزناً على مصير الفراشة .

مرت تلك الليلة بسلام، وفي الليلة التالية استدعاني حرس الدائرة، وأبلغوني بوحوب الذهاب إلى مديرية الأمن التركية لتقديم بعض التوضيحات. ومن الطبيعي أن ينتابني الخوف والرعشة وذهبت إلى المكان. وما أن عرفت نفسي حتى شرع المحقق بتوجيه الصفعات يميناً ويساراً، دون أن يوضح سببها. واكتفى المحقق بالقول.... احمق ..ابن العاهرة .. لقد طغى على الجميع السرور والحبور في حفلة عيد ميلاد آتاتورك، فلماذا كنت تجهش بالبكاء والنواح؟. وأخرج المحقق صورة لي التقطها أحد مراسلي الصحف ونشرها في صحيفته، حيث كنت أجهش في البكاء على مصير الفراشة، مما دفع مديرية الأمن التركية إلى استدعائي والتحقيق معي. خلاصة القول، كلما حاولت أن أشرح له الدافع وراء هذا البكاء، إلاّ أن المحقق لم يصدق أية كلمة من حديثي. وأكتفى المحقق بالقول أن بكاءك والحزن في وليمة عيد ميلاد آتاتورك كان له دوافع سياسية!!.

وفي النهاية، وبعد اصراري والتماسي وطلب العفو عن ذنبي، وبعد تقديم تعهد ثبت في الاضبارة، تم إطلاق سراحي. مرت هذه الحادثة بسلام إلى أن جرى حادث وفاة ابن عم كمال آتاتورك اثر سكتة قلبية أودت بحياته. وقامت الإدارة بمجلس فاتحة على روح المرحوم. وتوجهت، أن إبن الخائبة، بالذهاب إلى الفاتحة لتقديم فروض العزاء. وما أن وضعت أقدامي على المكان حتى بدأ وجع الرأس. اقترب مني النادل المسؤول عن تقديم القهوة وضيافة المدعوين، وكانت ربطته غير معقودة بشكل ملائم وبدت عقدة الرباط عوجاء بحيث كان هيكل وقيافة النادل في حالة تثير الضحك. أجبرت نفسي بالقوة على تفادي الضحك، وسعيت إلى أن أظهر بمظهر الحزين والبائس.

وفي الزاوية الأخرى من المجلس، وقف أحد الأشخاص خلف الميكرفون وشرع بتعداد مناقب المرحوم وحسناته وحبه للخير والإحسان، مع بضع كلمات خونفشارية وبألفاظ حافلة بالأخطاء بحيث أصبحت على قاب وقوسين من الضحك، ولكنني سيطرت على اعصابي وتظاهرت بالحزن والبؤس.

وفي خلال الحديث عن حسنات المرحوم، حصل تماس في أسلاك الميكرفون مما أدى إلى قطع البث بين حين وآخر، وتداخلت كلمات المتحدث بحيث أصبح حديثه مثيراً للسخرية والضحك. لا أدري كل شىء بدا مضحكاً في تلك الليلة، بحيث أضحى حتى النظر إلى ركيزة الحائط تثير الضحك لدي. ولكنني وبعد كدس من المتاعب استطعت السيطرة على مشاعري كي لا أقع في مشكلة.

وفي اليوم التالي وعندما توجهت إلى الإدارة، لمحت شخصين متنمرين بانتظاري، وسرعان ما جرجروني إلى مديرية الأمن التركية العامة. وتكرر التحقيق السابق معي، يرافقه قدراً من الضرب والشتم ثم سقطت طريحاً في وسط الغرفة. شرع المحقق بالحديث مذكراً بأنني قد ذرفت الدموع في المرة السابقة بسبب احتراق الفراشة!!، والآن ماذا تقول يا أحمق عن سبب ضحكك في مجلس الفاتحة؟؟. فكرت كلياً بما حدث في تلك الليلة حيث سيطرت على مشاعري كما أتذكر. ولكن ما أن رأيت الصورة التي التقطها مراسلو الصحف حتى تبين إنني كنت على خطأ. فقد أظهرت التصاوير مظاهر ضحكات مليحة على وجهي عندما كان المتحدث أمام الميكرفون يعدد حسنات المرحوم.

خلاصة القول، لا أريد أن إثير الوجع لديكم ، فبعد فصل من الضرب وبعد استخدام بطل المشروبات، وقعت في دائرة الكر والعر، وحاولت أن أشرح للمحقق تفاصيل ما جرى. كنت محظوظاً، فقد بدا المحقق أنساناً معقولاً، وأغلق القضية بتقديم تعهد. وطلب مني أن أراقب حركاتي وتصرفاتي. وبعد إطلاق سراحي قال المحقق... أقول لك من منطلق الصداقة، إنني على يقين بأنك برئ ولكن الحظ المنكود هو الذي أوقعك في هذا الفخ. ولكن تذكر أن لك اضبارتين في الأمن التركية، وإذا ما حصل وأن نُظمت اضبارة أخرى لك بقضايا سياسية لا سامح الله، فإنك ستقع في ورطة لا يستطيع حتى الشمر إخراجك منها، وسترسل حيث تستخدم الخيزرانات العربية.

ولهذا رأيت أن الحل الأمثل هو أن ألوذ بكم حضرة الطبيب من أجل أن تقوم بعمل جراحي تجميلي لوجهي، بحيث يبدو نصفه الأول في حالة ضحك دائم، والنصف الثاني في حالة بكاء دائم. وبذلك استطيع أن أغطي النصف الضاحك بالمنديل عند ذهابي إلى مجالس الفاتحة، وبالعكس عندما أذهب إلى حفلات البهجة والسرور كي لا أتعرض إلى أية شبهة سياسية ومشكلة.

  كتب بتأريخ :  الأحد 30-11-2014     عدد القراء :  2718       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced