خطاب القصر .. الرئيس يفضح نفسه ..!
بقلم : علي فهد ياسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

أطلق الرئيس التركي ( أردوكان ) حزمة جديدة من اعلانات التسويق السياسي لشخصه وحزبه ، في مسعى لتحسين صورته داخل تركيا وخارجها ، بعد سقوط أوراق التوت التي كانت تحجب دوره السلبي في الأحداث الداخلية والأقليمية ، خلافاً للشعارات البراقة التي حصد منها أصوات الناخبين الاتراك ليرتقي منصب الرئاسة في العاشر من أب الماضي ، وضمًن ذلك في خطابه يوم الأربعاء الماضي من ( قصره المثير للجدل ) ، بمناسبة توزيع جوائز تكريم لعدد من المثقفين والفنانين الأتراك ، جمع فيه ( أحجار ) الاتهامات الموجهة اليه ليرميها على حلفائه وخصومه ، في مفارقة مثيرة للسخرية ، توضح تجاوزه مستوى الأتزان المطلوب في موقعه الرسمي ، مثلما تشير الى تجاوزه حدود المكابرة التي طبعت سلوكه السياسي طوال تأريخه .

لقد أتهم ( أردوكان ) الغرب بأنهم ( لايهتمون بضحايا الأحداث في سوريا ) ، دون أن يشير الى دور نظامه ودوره هو شخصياً في أحداث المنطقة العربية وليس في سوريا فقط ، ودون أن يعترف بعلاقته وعلاقة نظامه بالمنظمات الأرهابية المرتبطة بالتنظيم الدولي لـ ( الأخوان المسلمين ) الذي تستضيف حكومته مقره الرئيسي في تركيا ، والذي تتسبب أذرعه العسكرية بالدمار الذي يتعرض له العراق وليبيا ومصر وسوريا وباقي بلدان المنطقة ، من خلال أعتمادها الأراضي التركية للتجمع والتدريب والدعم اللوجستي اضافة الى التجهيز والنقل ومعالجة الجرحى ، مثلما تفعل ( اسرائيل ) التي تتبادل معها حكومته التمثيل الدبلوماسي والتنسيق السياسي والمخابراتي على أعلى المستويات .

الأتهام الآخر الذي وجهه ( أردوكان ) لحلفائه الغربيين هو أنهم ( لايقدمون لتركيا شيئاً ملموساً ! ) ، وهنا لايوضح معنى مفهومه لـ ( الملموس ) الذي يقصده ، فالغرب ضم تركيا الى حلف الناتو الذي وفر له ولحكومته ولبلده اسناداً ودعماً عسكرياً وأقتصادياً وسياسياً غير مسبوق منذ عقود ، على الرغم من السجل غير المقبول لملف حقوق الأنسان لحكومات تركيا المتعاقبة قبل وبعد وصول حزبه الى سدة الحكم ، خاصة المساندة المستمرة لحكام تركيا منذ عقود ضد الحقوق الانسانية المشروعة للشعب الكردي ، خلافاً لكل الخطابات السياسية والأعلامية للغرب حول منظومة حقوق الانسان ، ناهيك عن أطلاق يد الحكومة التركية في التدخل غير المقبول في أحداث المنطقة .

ولم يكتفي ( أردوكان ) بمهاجمة حلفائه الغربيين في خطاب القصر ، بل شمل منظمة الامم المتحده وتفرعاتها الاممية ومجلس الامن الدولي ، مشككاً بـ ( مهنيتها وموضوعية قراراتها ) ومتناسياً دور حكومته في ( طبخ ) قرارات خطيرة لهذه المنظمات الدولية ، ساهم تنفيذها الجائر في التداعيات المتواصلة للاحداث في المنطقة والعالم ، ليعترف في سياق انفعاله السياسي هذا أخيراً ، بأن ( النظام الدولي غير العادل يفتح الطريق العام للظلم والاستبدال ) ، لكنه مرة أخرى لم يوضح ، ظلم من ؟ وأستبداد من ؟ ، ومن هم الضحايا ؟ .

لقد ختم ( أردوكان ) سلسلة اعلاناته التسويقية الجديدة بسهام الى معارضيه في الداخل ، حين رد على أنتقاداتهم في تشييد قصره بنفس خطاب دكتاتور العراق المقبور ، بأن القصر هو ( قصر الشعب التركي الذي شيده بأمكاناته !) ، ومرة أخرى يخالف ( حاكم تركيا ) المنطق في تفسيره للغايات الحقيقية لخطواته ، فأذا كانت أمكانات الشعب التركي التي يقصدها وفرت تشييد القصر الذي يقول أنه قصر الشعب ، لماذا لم توفر تلك الامكانات مساكن لائقة للفقراء الاتراك الذين يعيشون بين جدران الطين وأسقف القش في الريف التركي ؟ ، ولماذا تعيش أكثر من عائلة في مسكن متواضع في المدن والقصبات التركية ؟ ، اليس الأولى بالرئيس أن توفر حكومته مساكناً تحترم أنسانية شعبه قبل أن يشيد قصراً باذخاً لنفسه ؟ .

لازال الحكام الذين على شاكلة ( أردوغان ) وحدهم الذين يشيدون القصور الرئاسية في العالم ، وهم فقط حكام البلدان التي يرزح الكثير من مواطنيها تحت خطوط الفقر ، وهؤلاء الحكام يعرفون تماماً أن مستلزمات الحكم العادل وشروطه لاتستوجب قصوراً لهم ، ويعرفون أن طواقم حكومات ورؤساء الدول التي تعيش شعوبها بأمان ورخاء ، يسكنون في بيوتهم الخاصة وليس في قصور مشيدة من المال العام ، ومهما حاول الرئيس قلب الحقائق في خطبه وأعلاناته لن يستطيع اقناع نفسه أصلاً ، فكيف يتصور أنه قادر على اقناع مواطنيه في زمنِ ليس له رداء؟!.

الأمر الآخر في موضوعة خطاب ( أردوكان ) اضافة الى المكان ( القصر ) هو المناسبة ، التي هي توزيع ( جوائز ) على عدد من المثقفين والفنانيين ، وهو الأكثر أهميةً من المكان لأن خطاب التسويق يحتاج الى رافعة أعلامية نوعية تسند مضامينه ، وقد أعتاد الحكام من أمثاله على ( ترويض ) قطاعات كبيرة من هذه الشريحة المهمة التي يُفترض أنها تمثل ضمير الأمة لأغراضهم السياسية ، فقد سبقه الى ذلك جميع الطغاة والمتسلطون على مدى تأريخ البشرية ، مع أن البعض من هذه الشريحة التي يكرمها الحكام لايتوافق منهجهم ومنتوجهم الثقافي بالمطلق مع أهداف الحكام وفلسفتهم السياسية ، لكن ( حشرهم ) في المناسبة هو أحد أساليب منظومة الحكم المستعدة دائماً على المساومة من أجل الوصول الى أهدافها المرسومة .

قد يكون ( أردوكان ) موجوعاً من رئيس الأورغواي ( خوسيه موخيكا ) ، الذي قدرت ( ثروته ) في العام 2010 بـ ( 1800 ) دولار فقط ، والذي رفض استخدام قصر الرئاسة خلال فترة حكمه ، والذي تبرع بـ ( 90 % ) من راتبه الى الفقراء ، والذي صرح مؤخراً بانه ( يفكر جدياً بدراسة العرض الذي قدمه أحد الاثرياء العرب لشراء سيارته الفولكس فاكن موديل ( 87 ) بمبلغ مليون دولار ، ليتبرع بالمبلغ لبرنامج حكومي لبناء مساكن للفقراء ) ، ونحن نطمأنه ونتمنى له الشفاء ، لأنه ليس وحيداً في شعوره ( الانساني ) هذا ، بل أن الغالبية من حكام العالم الذين يحكمون بنفس منهجه يشاركونه المصاب ، لكنهم لايجازفون مثله في خطاب ناري ضد حلفائهم ومعارضيهم مثلما فعل ، ليس لانهم أفضل منه ، ولكن لأنهم يعرفون حجومهم !.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 05-12-2014     عدد القراء :  2037       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced