موقف الحكومة المصرية من منزلق التشدد السلفي
بقلم : فاضل پـولا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

على خلفية قيام وزارة التعليم المصرية في اصدار كتابها بعنوان ( القيم والأخلاق ) كبديل جديد  لمنهاج ( التربية الإسلامية  ) المقرور في المدارس ، اصبح من المزمع الشروع بهذه الخطوة بداية العام الدراسي المقبل . إنها بادرة جريئة قدَّرت القيادة المصرية مدى اهميتها التنويرية في مستقبل الشباب المصري ، لكي يبصر طريقه في تثبيت قيم التمدن والحداثة اللتين عرفتها الأجيال المصرية ، منذ الربع الإخير من القرن التاسع عشر . حيث كانت مصر الدولة العربية السباقة في التعلق باسباب التحضر والسير قدماً في التشرب بقيم ، كان لها الأثر في تمييز الشعب المصري عن جميع شعوب العربية والشرق اوسطية . حيث كانت مصر في طليعة دول المنطقة في ميدان التحضر ، لِما حوته من اسبابه ومقوماته ، وتعاملت معها بجد ، حتى نالت امتيازها في هذا المضمار .

تأثرت مصر بثقافة الغرب وبصورة خاصة بالثقافة الفرنسية ، واقتبست من معارفها ، من الفكر والعلوم والفنون وعوائد التمدن وغيرها . وتجسدت نتائج ذلك التأثر منذ بداية القرن العشرين في مجالات عديدة ، ومنها دخول السينما لأول مرة ، والشروع في انتاج الأفلام وظهور الممثلين من كلا الجنسين ، وانتشار العدسات وآلات التصوير وتأسيس محطة الإذاعة وتطور الموسيقى ومدارسها .. الى آخره . بالإضافة الى المدارس العلمية .

وفي الربع الأول من القرن العشرين ، بدا تمّيز مصر في المنطقة  بمظاهر التمدن في نشاطها السينمائي والعلمي والمدرسي ، وتوجهت اليها الأنظار ، لكثرة متعلميها واساتذتها ومفكريها وكتابها وموسيقيين ومخرجين سينمائيين ، بالأضافة الى ممثلين ومغنيين من كلا الجنسين . وهكذا اصبحت مصر عروس الدول العربية قاطبة . فهي قمينة أن تكون متألقة وليس منكفئة ، امام تيارات دينية اصولية متشددة ، تكشف عن انيابها كالذئاب لتنهش بكل المعالم  الحضارية التي كانت دائماً عنوان مصر وزهوها .

لنقف اليوم باعتزاز امام نهوض الشعب المصري ووقفته الجريئة في تبديد آمال القوى الظلامية التي عملت ولا زالت في مسخ كل تلك المعالم الحضارية التي تمثل تاريخأ حديثاً ومؤثلاً لهذا الشعب المنتمي اصلاً الى عراقة ، يشهد بعظمتها العالم اجمع . وهذه هي معالمها التي ينبهر لها حتى علماء الأوركولوجيا العاملين الذين لا زالوا لحد هذا اليوم يجدّون في الكشف والبحث والتنقيب عن الكنوز الحضارية المدفونة في ارض مصر .

كان التيار السلفي المتمثل في حزب الأخوان المسلمين دائماً في المرصاد لإستلام السلطة في هذا البلد ومسخ كل معالمه الحضارية ، ومن ثم اخضاعه لقيم بالية عفا عليها الزمن . وكان هذا الحزب الذي تأسس على يد ( حسن البنا ) سنة 1929 يتحيَّن الفرص للظهور كقوة مؤثرة في الشارع المصري .

ظهر نشاطه في هذا الإتجاه منذ سنة 1943 لما اقدم الحزب على  تشكيل جهاز سري اشبه بنظام عسكري تحت قيادة مباشرة من رئيس الحزب ( حسن البنا ) وفي عام 1948 طالت يد هذا الجهاز قاضي الإستئناف ( أحمد الخازندار ) منفذاً تصفيته .

وبعد استلام عبد الناصر السلطة قام بحل جميع الأحزاب السياسية ما عدا تنظيم الأخوان المسلمين الذي اطلق سراح جميع سجنائه من ضمن المطلوق سراحهم ، وقربه اليه كتنظيم ديني دعوي .

واستغل الأخوان ذلك التقارب بينهم وبين عبد الناصر ، حتى سيطر عليهم الوهم  بأنهم اصبحوا في موقع مؤثر يُمَـكَّنهم من التدخل في قرارات السلطة ، مما دفع  بهم الى فرض شروطهم تنص على عدم اصدار اي قانون او قرار الاّ بعد عرضه على مكتب الإرشاد التابع للإخوان .

ثم طالبوا مجلس قيادة الثورة بفرض الحجاب على النساء ، وغلق دور السينما والمسارح وتحريم المغنى والموسيقى ، واحلال محلها التراتيل الدينية ، كما هو الحال في إيران حالياً.

وبعد وقوف عبد الناصر بشدة تجاه المنحى الذي اراده الإخوان ، تحرك السيد قطب ــ احد اوائل منظري السلفية الجهادية ــ في نشر مقالات الطعن والتهديد . وعلــى ذلك الصعيد العدائــي توصل الإخوان الى التورط فــي محاولة فاشلة ، لإغتيــال الرئيس المصــري جمال عبــد الناصــر في عام 1954 وصاحبت تلك المحالة ، صدامات دامية بين عصابات الإخوان والشباب المؤيد للثورة وزعيمها . نجا عبد الناصر وهو باصابة خفيفة ، وراح يضيِّق الخناق على الأخوان الذين لم تفتْ في عضدهم اجراءات السجن والملاحقة ، لا بل زاد من مواقفهم العدائية ، مما تتطلب من السلطات المصرية الحمل عليهم وكسر شوكتهم ، في تنفيذ حكم الإعدام بأكبر محرضيهم من سيد قطب وستة من اتباعه ، وذلك في سنة 1966 . وبعد وفاة عبد الناصر ،حل محله انور السادات الذي تساهل نوعاً ما مع الإخوان بقصد استمالتهم واتقاء شرهم ، لكنه كان بذلك غافلاً عن اطماعهم في استلام السلطة ، انتهزوا فرصتهم في خذلانه والتنكيل به . وفي 1981 تم تصفيته على يدهم .

وفي العقد التاسع من القرن المنصرم ، نشط الأخوان بشكل محسوس في استهداف القيادات وقتل المئات من ابناء الشعب المصري ، لفرض تطبيق الشريعة الإسلامية . ومن كوادرها اللامعة ايمن الضواهري الذي خلف ابن لادن في تزعم الجهاد الإسلامي ، ولا زالت القاعدة تنشط على ضوئه ومنهجه .

فالقوى الظلامية التي لعبت دور المتآمــر على مدى عهــود ، لفرض التعتيم علــى مصر وشعبهــا ، باتت كل محاولاتها تصطدم بمقاومة القوى المصرية المتنورة الرافضة لطمس مظاهر التقدم والتمدن التي عرفها الشعب المصري منذ تسعة عقود . وشعب مصر ، اثبت حبه لحياة تظللها المنجزات الحضارية التي تقوِّم مسار التاريخ لكل الأمم ، وتنقذها من براثن النكوص الى الوراء ومن الظلامية والتخلف .

فاليوم يأتي تشخيص الحكومة المصرية الدئوبة والغيورة ، للداء الذي يشلُّ افكار الناس ويبعد عنها فهم الحياة . ووضعت يدها على الدواء ، بقيادة عبد الفتاح سيسي . وشخصت من فهم مدى ضرورة تجفيف ينابيع الفكر الذي يُعد المُموِّن الأساس في تغذية افكار النشيء بالتشدد الديني لإدامة وتقوية هذا التيار المدمر ، والمهدد لمقومات المدنية والروابط الإنسانية بين الأمم . كما يصبُّ هذا التصدي في مجرى شل لنشاط القوى التي انتشل منهــا الشعب المصري مقاليــد الحكم  بعد فشلها في ادارة شؤون الدولة ، بسبب تعكزها على مفهوم سلفي متشدد ، يعود بمصر وتاريخها الى حقبٍ ظلماء على شاكلة  قندهار الأفغانية .. النموذج الضلامي الذي بات يُضرب به المثل .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 16-12-2014     عدد القراء :  2031       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced