أتصل بي صديق قائلا : يعرضون الآن برنامجا على " السومرية بعنوان "رايحين مشوار راحين " وهو برنامج تلفزيوني تعرضه " السومرية " على شكل زيارات إلى معلم تاريخي من معالم العراق الحضارية لاستنطاق التاريخ التليد و الماضي المجيد و تداعيات الزمن العنيد ، و لا سيما التاريخ الثقافي و التراثي و الفني الشعبي منه ، و قد أثارت عندي مشاهدتي للبرنامج المذكور شجونا و حنينا جارفا و ذكريات حميمة و زاخرة أتية من دهاليز الماضي السحيق ، سيما أثناء استماعنا إلى روايات و أحاديث شهود عيان قد عاصروا ذلك الماضي الغابر و عايشوه و تعايشوا معه ـــ على مرارته و خيبته و عذاباته و بعض إيجابياته أيضا ــ كصورة زاخرة من حنين فياض ــ و تفاعلوا معها كأشخاص كان لهم حضورهم و مساهمتهم في نشر الثقافة وقيم التمدن و خدمتها لعقود طويلة من الزمن ..
و ضمن هؤلاء الأشخاص الذين كان لهم حضورهم الفعّال و المتواصل ، صاحب مكتبة النهضة العربية ــ الواقعة في شارع السعدون من جهة ساحة التحرير ــ الراحل هاشم عذافة الذي كان معروفا و محبوبا من قبل عشرات كتّاب و شعراء و نقاد ، و الذي كان له في بدايات السبيعينات " كوشكا " مقابل حديقة الأمة من جهة ساحة الطيران ، و كنا نتردد عليه ــ بشكل شبه يومي ــ لشراء أحدث الكتب المطبوعة و التي تكون قد وصلت إليه لتوا من إحدى دور النشر البيروتية أو المصرية !، و أثناء ترددي هناك تعرفت على شقيقه الأصغر علي عذافة أيضا ، ثم أصبحنا أصدقاء حميمين بحكم ترددي الدائم إلى هناك ، و قد كان الراحل هاشم عذافة نشطا و مثابرا و كادحا حقيقيا هو و شقيقه علي ، حيث كانا يعملان في بيع الكتب حتى الساعة التاسعة مساء وهما يحرصان على توفير أغلب الكتب من روايات و مجاميع شعرية وكتب نقدية و فكرية و فلسفية و اجتماعية آخرى ، وقد تمكن الراحل هاشم عذافة ــــ بعد سنوات طويلة من كد و كدح و تعب دائم بين برد الشتاء القارس و حرارة الصيف اللاهب في وسط الكوشك المكشوف و المفتوح أبدا على مر الفصول المختلفة ـــ نقول لقد تمكن فيما بعد من شراء مكتبة النهضة العربية الواقعة في بداية شارع السعدون والمواجهة لحديقة الأمة ، حيث يتشامخ نصب الحرية بكل عنفوان وإباء بأبطاله المتمردين و المحطمين لقيودهم و قضبان سجونهم توقا للحرية !..
ولكن سرعان ما أصبحت مكتبة النهضة العربية ملتقى كبار شعراء و كتّاب و نقاد و مفكرين بارزين ومعروفين كالجواهري و البياتي و عبد الرحمن الطهمازي و غيرهم ، وهم يترددون عليها ، حيث ربطتهم علاقات صداقة حميمية مع المرحوم هاشم عذافة الذي كان بطبعه بشوشا و كريما و طيبا و لطيفا جدا ، حتى كادت مكتبة النهضة العربية أن تتحول إلى شيء أشبه بملتقى ثقافي يومي و نشط فعّال ، و ذلك من كثرة تردد عشرات الكتّاب و الأدباء عليها نشدانا للكتب و الثقافة ..
و كنت ُ قد تعرفت آنذاك وفي مكتبة النهضة العربية على عدد ليس قليل من هؤلاء الشعراء و الكتّاب الكبار و تشرفت بمعرفتهم كأديب شاب و مبتدئ و متعطش للثقافة و المعارف المختلفة ، و حيث كنا أنئذ نلتهم الكتب التهاما ، وبكل نهم و شهية لا تعرف للشبع هوادة و كان مبعث افتخار لنا أن نتعرف على شاعر أو أديب كبير و معروف أو مشهور !..
و عليه يمكن القول أن الأخوة عذافة أي الراحل هاشم عذافة ــ سابقا ــ و السيد علي عذافة ــ الذي يدير مكتبة النهضة العربية حاليا كمالك و مدير لها في نفس الوقت ــ نقول إنهما قد قدما خدمة جليلة وطيبة رائعة للثقافة العراقية ، وما إصرار السيد علي عذافة على التمسك بالمكتبة ومواصلة بيع الكتب الثقافية و الفكرية و الأدبية حتى الآن و مساعدة بعض الكتّاب على طبع كتبهم دعما لهم ـــ على الرغم من إن تجارة الكتب لم تّعد مربحة مثلما كانت ، بل إنها تتعرض لخسارة بين حين و آخر بسبب الإقبال الضئيل على شراء الكتب في هذه الأيام بسبب القرصنة الإنترنتية وكذلك الإقبال الزائد على ترهات الفيس بوك على حساب إهمال المطالعة ـــ إلا دليلا و إصرارا على مواصلة تقديم هذه الخدمة الكريمة للثقافية العراقية الأصيلة ، وهو الأمر الذي يستدعي تقديم الشكر و العرفان لهما و اعترافا و تقديرا و دعما من قبل وزارة الثقافة العراقية ..
www.alsumaria.tv/.../مشوار-رايحين-مشوار-شارع-السعدون...
\"رايحين مشوار\" *إلى مكتبة النهضة العربية في السعدون و الحنين الجارف إلى الماضي الزاخرــــ
