بدءا و توضيحا نقول إن كاتب هذه السطور قد كتب مقالات انتقادية عديدة في السنوات الماضية ضد فضائية " البغدادية " ــــ وهي موجودة في أرشيف صوت العراق ـــ عندما كانت هذه الفضائية تبدو في تلك السنوات الماضية و كأنها نسخة مقلدة لفضائية " الشرقية " و صوتا مشابها سياسة و إعلاما و توجيها ..
أو على الأقل ، على هذا النحو كان يبدو الأمرآنذاك ..
ولكن فضائية البغدادية وبعد انقطاع دام شهورا قد عادت ولكن بحلة جديدة نستطيع أن نسميها بحلة وطنية مميزة حقا ، إذ إنها وفي مضمار الحرب الإعلامية الضروس ــ ليس ضد الفساد فقط ــ إنما ضد عصابات داعش الإجرامية أيضا وقفت وقفة وطنية واضحة و صريحة ، و انحازت انحيازا واضحا ومطلقا إلى جانب الشعب العراقي في هذه الحرب الشعواء ، واصفة ولا زالت و بدون أي تردد أو اعتبار عصابات
داعش بالإرهابيين ، ناقلة الأخبار و مشاهد الحرب و المعارك ، بشكل إيجابي و جيد ، ليقوّي المعنويات ، و يرفع من قوة و زخم العزائم القتالية و الحماسات الوجدانية و الوطنية العالية و الشامخة !..
أي إن " البغدادية " تقوم ما تقوم به عادة الوسائل الإعلامية الوطنية في أزمنة الحروب والمعارك و المحن و الكوارث الوطنية منحازة و متضامنة مع محنة الشعب العراقي الحالية ..
و لهذا فأن " البغدادية " قد اكتسبت من جراء هذا الموقف الوطني الواضح ـــ زائدا الأهتمام بهموم الناس ـــ احترام غالبية العراقيين ما عدا أنصار المالكي المستائين ، منها لكونها تثير ملفات الفساد الحاصلة بين عهدي المالكي الكارثيين ..
غير إن هذا ليس هو قصدنا الأساسي في حقيقة الأمر من كتابة هذه المقالة ، إنما ما يعنينا هنا ، هو ذلك التبني المتواصل من قبل " البغدادية ـــ سيما ستوديو التاسعة " لملف مجزرة سبايكر و إثارتها بين حين و آخر ، مع إبراز معاناة و شكاوى أهالي الضحايا الذين حتى الآن لا يعرفون شيئا عن أبنائهم القتلى من ضحايا تلك المجزرة التاريخية المُريعة ، وهو نفس الموقف الذي اتخذه كاتب هذه السطور ، عندما تعهد بأنه سيعتبر قضية مجزرة سبايكر قضيته الشخصية و سوف يثيرها بين حين و آخر عبر سلسلة مقالات ـ( حتى الآن كتبنا ثلاثة مقالات وكلها منشورة في صوت العراق و هذه الحالية هي الرابعة من تلك السلسلة ) لحين كشف ملابسات هذه المجزرة و معاقبة مرتكبيها القتلة و تعويض أهالي الضحايا بما يستحقونه من حقوق و استحقاق ماديا و معنويا ..
بينما لاحظنا إن بعضا من مسئولين و أعلاميين محسوبين على عهد المالكي ـــ و كذلك أتباع لا زالوا معجبين بعظمة القائد الأوحد والعظيم المخضرم الأستاذ و الحاج نوري المالكي !!ــ حاولوا آنذاك تمييع مجزرة سبايكر و تآضليها و تحجيمها من خلال إنكار عملية حدوثها أولا ، ثم ذكر أرقام قليلة لعدد ضحايها ثانيا ، و ذلك بغية التغطية عليها ، لغاية في نفس يعقوب ..
بينما يحاول السيد أنور الحمداني من خلال برنامجه " ستديو التاسعة " إثارة هذا الموضوع بين حين و آخر ، مع تصوير معاناة الأمهات و الأباء المتفجعين والمعانين معاناة شديدة و فظيعة حتى الآن ، و حيث لا زالت الدموع الساخنة تجري من مآقيهم المتيبسة أو المنتفخة الحمراء من شدة البكاء و النحيب و الآنين الدائم على فلذة أكبادهم المغدورين بأجسادهم المفقودة و القتيلة المهملة في أماكن الجريمة المجهولة مع قتلة و سفاحين مجهولين ، ولكنهم في الوقت نفسه معروفين جيدا وبكل شروق ووضوح ،وهم يسرحون و يمرحون بدون حساب أو عقاب !!..
و بعد هذا فهل يستحق السيد أنور الحمداني شتيمة ، أم إنه بدلا من ذلك يستحق تقديرا و تثمينا ، و ذلك فقا لمعايير المنطق و المبدأ وروح التحضر ؟! ..
مع إن أنور الحمداني ليس " شيعيا " ولا محسوبا على المجلس الأعلى أو على التيار الصدري ، حتى نقول إنه يعادي المالكي بسبب التنافس على السلطة ..
بينما إن ثمة كثير من إعلاميين و كتّاب و ساسة شيعة لا زالوا يلزمون الصمت إزاء ضحايا مجزرة سبايكر، و كأنما أكثر من ثلاثة آلاف ذبابة أو بعوضة قد قُتلت غدرا !! ، و ليس أكثر من ثلاثة آلاف تلميذا يافعا و فتيا غضا ، قد قُتل على عجل و بشكل جماعي سريع على يد دواعش تكريت و أبناء عشائرها ، و رميت أجسادهم في النهر ، أو دُفنت بشكل جماعي في حفرة مجهولة عند ضواحي تكريت أو بين بواطنهاالمظلمة !..