المتتبع النبيه ــ عراقياً كان او غيره ــ لا يغفل .. والنزيه لا ينكر، كيف استنفر حزب البعث المخلوع كل امكاناته في تدمير العراق وفي التصدي للوضع السياسي الجديد ، مراهناً بذلك على موقف كل من النظام السوري والسعودي والقطري ، ليس في توفير كل انواع الدعم اللوجسني له ، لا بل في المشاركة الفعلية في مؤامرة كبرى ، تساندها بحزم معظم عشائر المنطقة الغربية من العراق ، لتشكيل قوة ضاربة وبكل الوسائل والمقاييس ، لإفشال الفرص المتاحة لتاسيس نظام سياسي جديد في بلاد الرافدين . تجلت ردود فعل هذه القوى المعادية ، في مؤامرة كبيرة ، وفق مشاريع متعددة لتدمير البلاد بكل ما تيسر لها من الطرق والوسائل . وبعد مرور عقد من السنين في التآمر دون كلل ، كان في مخاضها ولادة داعش .
ما يجري في وطننا ، ما كان ولم يكن محض صراعات داخلية بسبب التكتل او التكافل ، كحالة تفرضها الإنقسامات الطائفية او العنصرية فحسب . وإنما يتداخل معها وبقوة ، اجندات ونواية عدائية من لدن دول الجوار . ومن خلال هذا الوضع ، تجـد دول كبرى ، فرصها المناسبة لإمرار مراميها وما يتوالم مع مصالحها .
ليس بسهولة على منصف ، نكران استمرار الهجوم على العراق بكل الوسائل المدمرة ، ويومياُ بلا انقطاع ، منذ قيام الوضع السياسي الجديد في البلد ... الوضع في العراق لا يحتاج الى كشف مسببيه ، ولا يحتاج الى مزيد من تسليط الأضواء على الواقفين وراءه.. لأنــه ليس ثمة شعب في العالم لا تمــر امام اعينه على شاشات الإعلام المرئي ، صور لأشلاء وبرك من الدماء لعشرات من الأبرياء يومياً وبلا توقف . والى جانب ذلك مشاهد من الأينية المنهارة او المحلات والعربات المدمرة. وليس هناك مؤسسة اعلامية ، لم تمرعليها اخبار هذه الهجمات الدموية والمدمرة التي تشارك في ادارتها وادامتها قوى متحالفة من الداخل والخارج ، وكذلك اخبار ساسة عراقيين متلبسين بالتآمرعلى سلامة الوطن ومنهم لائـذون بدول الجوار، عربية كانت اوغيرها .
والدول التي عليها صبغة التآمر ، لم تستطع دفع هذه التهمة عن نفسها بكل ما لديها من الوسائل ، لأن التشبث بالإصطفاف الطائفي هو رائدها الأول وكذلك هدفها في تقزيم العراق كدولة تستحق العقاب على مثالب نظامها السابق ، وكدولة نظام الحكم فيها ليس على السياق والمقاييس التي ترضى عليها هذه الدول . وكل الوسائل الدبلوماسية التي تم التشبث بها ، إن كان على صعيد المؤتمرات او التواصل في تقريب وجهات النظر في اعادة العلاقات ، لم يُكتبْ لها النجاح . لأن هذه الدول الضالع في اذية العراق ، كانت ولازالت تتنازعها الشكوك وضعف الثقة ، وبالتالي تتعثر كل الجهود المبذولة في هذا المسعى وتستحيل الى حبر على ورق .
إثــرَ سقوط النظام العراقي السابق ، كان انبثاق حكومة احزاب متعددة ، تحمل موازين جديدة واصطفافات سياسية مبنية على التنوع وفق مفهوم دستوري ، وضع نهاية تاريخية لحالات اغتصاب السلطة بالقوة ، وابطل مفعول الإستئثار بالحكم وانتهت عملية حصره في كتلة او حزب او عشيرة .. وحدث هذا رغم تعثر العملية السياسية القائمة على بناء دولة العراق . وبلا شك ،كان ولا زال احد اسباب هذا التعثر ، هي المؤامرة الكبرى التي تطرقنا اليها .
وبالإستناد على ما تقدم ذكره من مشاريع التآمر ، نرى بأن لا غرابه في مــا يكشفه ( ويكيليكس ) او اي جهة اعلامية اخرى عن اسرار يفرزها الوضع المتخبط في العراق وجواره .! إذ ليس هناك منطقة في العالم ، اكثر غنى من منطقة الشرق الأوسط في مشاريع التآمر والإقتتال وسفك الدماء ، وفي تقاطع على ارضها المصالح الدولية واجنداتها .