قراءة في كتاب ... القسم الثاني
بقلم : د. صادق إطيمش
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تصدَر الفصل الرابع عنوان وددت لو ان السيد الكاتب ارفقه ببعض الإيضاحات التي قد تسهل استيعابه لدى القارئ الأوربي الذي تعوَّد على سماعه كمصطلح ثابت لا غبار عليه. وهذا هو الواقع في الثقافة الأوربية التي استعمل السيد الكاتب إحدى لغاتها الهامة، اللغة الألمانية، في كتابه هذا. وبما ان الكاتب من كُتاب اللغة العربية ايضاً، ومن المثقفين المطلعين على مصطلحات اللغة العربية، فقد كان الأفضل لو شرح حيثيات هذا المصطلح وما قد يترتب عليه من إلتباس حتى لدى القارئ الألماني الذي كتب له الكاتب. المصطلح هذا هو:" العداء للسامية "، العبارة المنتشرة في الثقافة الأوربية التي يتبادر إلى ذهن قارءها الأوربي بانها تعني العداء لليهود. ولم يكتف السيد الكاتب بترك هذا المصطلح دون شرحه والتطرق إلى تاريخ نشأته، بل انه استعمله ايضاً كظاهرة عربية حينما اطلق عليه :" العداء العربي للسامية "، كإشارة إلى الموقف من اليهود في المجتمعات العربية والإسلامية. لقد نحى السيد الكاتب هذا المنحى ووضع نفسه، من جراء ذلك، في نفس الموقف الذي يتصدى له والمتمثل بالحركات السلفية الجهادية وخطابها المتخلف في هذا الموضوع الذي ينم عن شوفينية دينية وقومية في آن واحد.

هذا المصطلح هو اوربي بحت ولا يمكن ترجمته إلى اللغة العربية دون شرحه بما يعنيه العربي، وخاصة المسلم، حينما يتحدث عن اليهودي كإنسان وعن دينه كرسالة سماوية اقرها واعترف بها الإسلام. لقد أُستعُمِل هذا المصطلح بالحروف اللاتينية ونصُّها " العداء للسامية " لأول مرة من قِبَل الباحث الألماني " فيلهلم مار " لوصف موجة العداء لليهود في اوربا في القرون الوسطى، وذلك في مقالة " معاداة السامية " في الموسوعة البريطانية (راجع ويكيبيديا للإطلاع اكثر على هذا الموضوع). وبالرغم من إنتماء العرب والآشوريين وغيرهم إلى السامية، فإن معاداتهم لا توصف كمعاداة للسامية. وكنت اتوقع من السيد الكاتب، باعتباره ينتمي إلى الثقافة العربية ايضاً، ان يسعى لتحليل هذا المصطلح إلى جذوره التاريخية واعطاء الصورة الحقيقية لمفردات الثقافة العربية في هذا المجال، لكي لا يختلط على القارئ الأوربي، وهنا الألماني، شمول الأقوام السامية بهذا العداء المعني به العداء لليهود حصراً في الفكر الأوربي. كثيراً ما نواجه في نقاشاتنا حول هذا الموضوع إتهاماً يوجهه الإنسان الغربي إلى العرب بشكل خاص بانهم يحملون العداء للسامية، حيث يعتقد هذا الإنسان الغربي بأن العرب يضمرون العداء لليهود، خاصة إذا ما جرى الحديث حول القضية الفلسطينية. وهنا لابد لنا من الخوض في بعض تفاصيل هذه النقاشات وتبيان ما يدور بخلد بعض العرب في اوربا، وحتى في المجتمعات العربية، حول الموقف من اليهود ودينهم من جهة، ومن الصهيونية ودولتها اسرائيل من جهة اخرى.

لقد ادى قيام دولة اسرائيل على الأراضي الفلسطينية وكل ما ترتب على حركات الإستيطان ووعود الغرب لليهود التي سبقت نشوء هذه الدولة الدينية الصهيونية، إلى ان يتخذ بعض العرب موقفاً سلبياً من الإنسان اليهودي ودينه بشكل عام، دون التوغل في حيثيات وخصائص هذا الإنسان والتزامه بدينه، ودون التمييز بين الحركة الصهيونية كحركة سيادينية ايضاً، شأنها شأن الإسلام السياسي، وبين الديانة اليهودية كديانة توحيدية شكلت الأساس لنشأة الأديان التوحيدية التي اعقبتها بإسم المسيحية والإسلام. وحينما عمل الفكر العربي التقدمي على الفصل بين الصهيونية واليهودية، ودعى إلى الوقوف بحزم وثبات ضد المخططات الصهيونية المرتبطة بالسياسة الإستعمارية ومحاولاتها التأسيس لدولة توظف الدين اليهودي لأغراضها السياسية، تماماً كما يوظف الإسلام السياسي الدين الإسلامي لأهدافه السياسية الساعية إلى قيام الدولة الدينية الإسلامية، تبنت بعض القوى الأخرى على الساحة العربية نفس المصطلح الذي اوجده الغرب لتحويل العداء للصهيونية وكأنه عداء لليهودية والدين اليهودي. وظل هذ الفهم سائداً حتى ايامنا هذه حينما اصبح الفكر العربي الديني او السياسي المتخلف ينظر إلى اليهودي المشارك له في الوطن على انه عدو له ينبغي التخلص منه وهدر دمه وإباحة خصوصياته، واضعاً ذلك ضمن اول اولياته الدينية او القومية. وحينما نستعمل مصطلح الإسلاميين في نقدنا لخطاب الإسلام السياسي وفكره المتخلف لنميز بين هذه المجموعة من مستغلي الدين وبين المسلمين الذيت لا يسيرون على هذا النهج، فإن الأمر يبدو مشابهاً حينما نميز بين الصهاينة ، إخوة الإسلاميين في استغلال الدين، وبين اليهود الذين لا علاقة لهم بذلك. اي ان ليس كل مسلم هو إسلامي او حسب ما يسميه البعض اسلاموي ، كما انه ليس كل يهودي صهيوني.

ومما اثار عجبي اكثر هو تبني السيد الكاتب لفكرة الدولة الديمقراطية التي اسستها الحركة الصهيونية على ارض فلسطين، مشيراً إلى نجاح هذه الحركة، التي اراها شخصياً كحركة سيادينية عنصرية إستعمارية، في تبني الديمقراطية، ومتساءلاً عن فشل العرب في تحقيق ذلك. لقد إقتفى السيد الكاتب هنا المفهوم الشائع للديمقراطية المتمثل بإجراء الإنتخابات في هذا البلد او ذاك لكي نسمي نظام الحكم فيه ديمقراطياً، غافلاً مع الأسف الشديد، كغيره من الكثير من المثقفين، عن ان المفهوم العلمي الحقيقي للديمقراطية له حيثيات وابعاد اخرى كثيرة غير البعد السياسي الذي تعكسه الإنتخابات. وحينما لا تتحقق الأبعاد الديمقراطية الإجتماعية والإقتصادية والثقافية إلى جانب البعد السياسي، فإن الديمقراطية التي تنشأ هنا وهناك ستكون عرجاء غير قادرة على السير بمجتمع تلك الدولة نحو تحقيق العدالة الإجتماعية وما يرافقها من الرفاه والسلم.. والتاريخ الحديث يقدم لنا الأمثلة الكثيرة على هذه الديمقراطيات العرجاء التي لا تشمل الدولة الصهيونية الدينية فقط، بل والدولة الإسلامية التركية والدولة الإسلامية الإيرانية والدولة الإسلامية السودانية التي يتحقق فيها الوجه السياسي للديمقراطية من خلال إجراء الإنتخابات، بغض النظر عن طبيعة سير هذه الإنتخابات، إلا ان التمييز والتهميش والإقصاء والملاحقات والسجون وكل وسائل التسلط الدكتاتوري الأخرى تظل ملازمة لسياسة هذه الدولة. فالدولة الدينية لا يمكن ان تكون إلا دولة دكتاتورية، مهما كان الدين الذي تتبناه. لذلك حينما يؤكد العلمانيون على فصل الدين عن الدولة، فإنهم يؤكدون في نفس الوقت على الطريق الأنجع لترسيخ الديمقراطية السليمة في المجتمع. ومن هذا المنطلق الديني البحت الخاطئ الذي انطلق منه العرب في مواجهة الحركة الصهيونية واستيطانها في فلسطين، تبلورت العلاقة التي تطرق إليها السيد الكاتب بين المفتي والدكتاتور، بين الحسيني وهتلر. ومن هذا المنطلق ايضاً تجلى ما عبر عنه الكاتب بصدق حينما وضع عنواناً في هذا الفصل يشير إلى " الغرباء في وطنهم " متناولاً حالة الإقباط المصريين في وطنهم ومحاولات فكر الإسلام السياسي متمثلاً بتنظيم الإخوان المسلمين الإرهابي تجريدهم من هذه المواطنة التي ربطتهم بوطنهم مصر قبل ان يكون هناك اي اثر يشير إلى الدين الإسلامي في هذا البلد العميق الجذور في الحضارة الإنسانية التي ساهم بها الإقباط المصريون. وكذلك من هذا المنطلق ايضاً يجري تطبيق المناهج التعليمية في كثير من مؤسسات التعليم على مختلف مراحلها في المجتمعات الإسلامية والتي تتضمن العداء لغير المسلم وإباحة التعامل معه بكل وسائل العنف والإحتقار والعزل الإجتماعي. وقد اشار الكاتب إلى إلى بعض هذه البرامج التعليمية في المجتمعات الإسلامية التي يتحكم فيها المفتي اكثر من السياسي. وذكر كمثل على ذلك الوهابية كأكثر المذاهب الإسلامية تطرفاً وتخلفاً وما يحققه هذا المذهب ما يعتبره " إصلاحات دينية " تعيد المجتمع إلى اصول الدين التي ابتعد عنها، حسب رأي فقهاء التخلف الوهابي.

اتفق مع الكاتب تماماً فيما ذهب إليه في الفصل الخامس من الكتاب حول الأسباب التي ادت إلى الإنتكاسات في المجتمعات العربية والإسلامية التي اهملت العلم والتلاقح الفكري بين الحضارات ولجأت إلى العيش على احلام الماضي التي عاشتها في القرون السالفة. كما اتفق معه تماماً في محاولات فقهاء الإسلام السياسي وامثالهم من مؤرخي الإسلاميين بحجب الحقائق التاريخية في المفاصل المختلفة من التاريخ الإسلامي عن مسلمي اليوم الذين اصبحوا العوبة بأيدي مزوري التاريخ هؤلاء. إلا انني لا اتفق معه حول ما تفضل به بأن الغزو المغولي لم يجد له مكاناً في كتب التاريخ العربي الإسلامي، وذلك بسبب دخول المغول في الإسلام بعدئذ. لا اريد الزعم بانني مطلع على مناهج دروس التاريخ في هذه الكتب، إلا ان الذي اعلمه جيداً هو ان كتب التاريخ في المنهج التعليمي العراقي تناولت موضوع هذا الغزو وقدمته كمادة تدريسية في المدارس العراقية. وبهذه المناسبة ارغب بتصحيح ما جاء به الكاتب، وقد يكون غلطة مطبعية، بأن الكتب التي اخلى المغول مكتبات بغداد منها عام 1258 م قد اتلفوها من خلال رميها في نهر دجلة وليس في نهر الفرات، كما ذكر الكاتب، إذ ان بغداد تقع على نهر دجلة وليس على نهر الفرات. وما اشبه مغول اليوم الدواعش بمغول امس. إذ قامت عصابات الدولة الإسلامية بعد احتلالها لمدينة الموصل بإخلاء مكتبات المدينة، وخاصة مكتبة الجامعة، من الكتب التي اعتبروها لا تصب في اوحال سيل ثقافتهم الفكرية السوداء.

الفصول الخمسة الأخيرة التي تضمنها الكتاب عالجت مواضيع مختلفة تتعلق بقضايا الجهاد والمغريات التي يربطها الفقهاء به لكسب الشباب إلى تبني العمليات الإرهابية وتنفيذها وكل ما يترتب على هذه التعليمات من مواقف تجاه الآخر وتجاه التطور العلمي والتقنية الحديثة، حيث وصف الكاتب اطروحات الفقهاء هذه كونها تؤدي إلى انفصام الشخصية في المجتمعات الإسلامية التي تسير حسب مبدأ الإنتقائية في تعاملها مع مكتسبات العلم الحديث وتوظيفها في الحياة اليومية لإنسان القرن الحادي والعشرين. ومن الطبيعي ان يرتبط بهذا الموضوع ايضاً التأكيد على الجانب الجنسي في الجهاد الذي تطور لدى الحركات السلفية التكفيرية ليشمل ليس الثواب الجنسي في حوريات الحياة الأخرى للرجال، بل والثواب الجنسي لنساء هذه الدنيا ايضاً فيما سماه الفقه الجديد للإسلام السياسي بجهاد النكاح الذي تمارسه المرأة المسلمة الملتزمة بتعاليم هذا الفقه مع المجاهدين.

وفي الحقيقة لا يسعنا إلا ان نتفق مع ما جاء به الكاتب في هذه الفصول التي تشير بوضوح إلى ما تعانيه المجتمعات الإسلامية من امراض دينية تفاقمت عبر القرون التي لعب فيها فقهاء الكذب والتزييف والعنف والتكفير والتهجير وكل الالقاب الأخرى التي اكتسبوها باسم الدين، ادواراً اجرامية ساهمت في هيمنة واستمرار التخلف الذي تعاني منه هذه المجتمعات إذا ما قورن سيرها نحو الحداثة والعلم والتمدن بغيرها من المجتمعات التي لا يلعب فيها الفقيه الديني ولا كل خزعبلاته واكاذيبه واستغباءه للناس الذين تنقصهم المعارف العامة والذين يرتبطون بدينهم إرتباطاً فطرياً عاطفياً اكثر مما هو ايمانياً عقائدياً، اي دور ثقافي يؤثر سلبياً على تطور المجتمع.

الموضوع الأخير الذي قد نختلف به مع السيد الكاتب والذي تناوله في الفصل العاشر من مؤلفه هذا هو وقوعه في فخ بعض المستشرقين الذين بلوروا مصطلح " الصراع بين الإسلام والغرب " حينما استعمل هذا المصطلح ايضاً، دون ان يدقق جيداً في محتواه. ومن نفس هذا المصطلح جرى في تسعينات القرن الماضي اشتقاق نظرية صموئيل هنجنتون التي تنطلق من صراع الحضارات، حيث اعتبر مستعملو مصطلح الصراع بين الإسلام والغرب مفردات التباعد الحضاري والفكري والصراع السياسي الناجم عن السيطرة الإستعمارية التي مارسها الغرب تجاه الكثير من الشعوب ومن ضمنها شعوب المجتمعات الإسلامية، باعتبارها تشكل صراعاً مع الدين فقط، وليس بين المُضطَهِدين والمُضطَهَدين في المجتمعات الإسلامية التي نالت ما نالت من السيطرة الإستعمارية الإستغلالية، ومن ثم من تحكم وهيمنة ما يسمى بالحكومات الوطنية التي واصلت قمعها لهذه الشعوب من خلال الأنظمة الدكتاتورية التي اصبحت تتحكم بشؤون البلاد والعباد وسلب الخيرات وإشاعة الفقر والجهل تلبية لما يخطط لها اسيادها الذين تولوا المحافظة على العروش والكروش " الوطنية " هذه.

لا يمكننا علمياً إستعمال مصطلح الصراع بين الإسلام والغرب، إذ اننا والحالة هذه نضع حدين غير متجانسين لمعادلة الصراع هذه. وكما اشرت في القسم الأول من هذا المقال إلى العوامل التي ادت إلى تطور المسيحية في الغرب بحيث اصبحت مقاييس الحياة بالنسبة للغرب بما فيها المقاييس الدينية لا تتأثر بعامل واحد، كتأثر المجتمعات الإسلامية بالعامل الديني بشكل اساسي، بل بعوامل كثيرة اخرى لا يلعب الدين فيها إلا دوراً ثانوياً، إن لم يكن معدوماً في كثير من الأحيان ومقتصراً على المناسبات الدينية المهمة فقط. بالإضافة إلى ذلك فإننا لا نستطيع ان نتجاهل عشرات الملايين من المسلمين الغربيين الذين ولدوا وتربوا في الغرب، إضافة إلى المهاجرين منهم، والذين ينهج الكثير منهم نهجاً اسلامياً، وإيمانياً في كثير من الأحيان، يختلف عن ذاك النهج المنغلق الذي يمارسه المسلم في المجتمعات الإسلامية التقليدية، حتى ان بعض المفكرين انطلقوا من إمكانية ان يساهم ما سموه " اويرو إسلام " اي الإسلام الاوربي، بحركة اصلاحية دينية يواجه بها التوجه الإسلامي المتخلف لدى الإسلام السلفي الجهادي التكفيري الإجرامي.

بصورة عامة يشكل الكتاب هذا، من وجهة نظري، مساهمة ثقافية هامة تُعري الإسلام السياسي ورواده وكل ما يتمخض عنه من حركات ارهابية وجرائم بحق الإنسانية تستوجب شحذ الهمم في كل المجتمعات، اسلامية وغير اسلامية، للوقوف بوجه جرائمه هذه التي لا تشكل خطراً على المسلمين في ديارهم وحسب، بل وعلى المجتمعات اجمع في العالم كله.

  كتب بتأريخ :  الأربعاء 24-06-2015     عدد القراء :  2088       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced