ارثيك وانت غائب عن العيون ....... واحييك وانت ساكن القلوب
بقلم : فاضل پـولا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

آلمني جداً رحيل الصديق العزيز عبد الرحيم اسحق قبل أن يرى صدور منجزه الكتابي الثاني المدبج بمذكراته على مدى عمره الطويل . خطفه المنون وهو لم يزل يتمتع بروح شبابية وثابة وبطموحات يسعى اليها وكأن المستقبل امامه طريق معبد . بهذه الهمة كان يعمل  هذا الإنسان الذي كان يواجه عوادي الزمن ومصائبه بروح شبابية عصية على مكاره الحياة وتقلباتها . رحل ابو سعد وخلف في اثره كل معالم النقاء والطيبة والتواضع وحب الناس . وسيبقى خالداً في قلوب كل من عايشه وعرفه  . وأن الديباجة ادناه وضعتها كتقديم لكتابه المدفوع للطبع .

الهمة والإصرار

مــن شـــيمة الأبـــــرار

في غمرة تَوقُّلِهِ لسفوح تسعينية العمر ، استجاب لهمته الشبابية في التصدي لعمل شاق من خلل تسليطه اضواءاً من ذهنه النير ، على احداث خبيئة في ثنيات غابر الأيام وفي مطاوي المواضي البعيدة ... الأحداث التي احنت هاماتها امام قلمه ليسطرها مجلية في سِفْرِه ( كتابه) الذي اراده كشافاً لوقائع حافلة بمعتركات وملمات ومتغييرات .. . شاهدها وعايشها في مراحل متوالية من حياتية . ذلك هو المحامي عبد الرحيم اسحق المولود في القوش سنة 1919 والمتربي في كنف عائلة فلاحية . يستهل رحلته الذهنية المسطرة على سفره هذا ، بما يتعلق في نشأته في مسقط رأسه  ، متطرقاً الى نمط حياة الفلاحة في صباه ، ايام التلمذة في المرحلة الإبتدائية التي يذكر بأنها كانت تتقاطع مع ظروفه العائلية احياناً .

ثم يتابع مسيرة شبابه في فترة الدراسة المتوسطة والثانوية في مدينة الموصل ، وينقل كل ما تسعفه الذاكرة عن تلك المرحلة ، وهكذا عن المرحلة اللاحقة في بغداد ، لما باشر التدريس كمعلم في مدرسة ( القديس يوسف ) ومن ثم التوظيف في بنك ....... ومن هناك انتقل الى مدينة كركوك واستقر فيها ، يعمل موظفاً في شركة النفط ، مستدرجاً بالمناصب الوظيفية حتى شغل منصب مسئول شعبة ، اي كادر وظيفي متقدم .

في رحلته الذهنية هذه ، جاهد الكاتب في التقاط كل ما امكن من صور ، لها دلالاتها في حياة الشعب العراقي وفي حياته هو شخصياً ، على مدى حقب تاريخية ، لها امتدادها من منتصف العقد الرابع من القرن الماضي والى نهايته .

في جولته القلمية في تسطير الأحداث المهمة ، يضع مؤشراته بدقة على بداية الأربعينات من القرن العشرين ، حيث بداية مسلسل الأحداث التي وعاها ونشط في غمارها . إذ يروي عن بداية نشاطه السياسي ، بعد انخراطه في صفوف الحركة الوطنية العراقية ( الحزب الشيوعي العراقي ) سنة 1943 واتخاذه من النضال الوطني والطبقي طريقاً حياتياً له . ومن خلاله ، عرف معنى التضحية والتفاني من اجل الحرية والعدالة وكل المضامين الإنسانية في الحياة الحرة الكريمة .

ويسطر امثلة عن الإيثار والتضحية في دور ريادي له ولرفاقه في الدفاع عــن حقوق الطبقة العاملة ، من خلال الإضراب التاريخي لعمال شركات النفـط الأجنبية فــي كركوك  (اضراب ﮔاورباغي) سنة 1948

يتأنى بتناوله صوراً مهمة من تداعيات الأربعينات على شعوب العالم اجمع ، بسبب اشتعال الحرب العالمية الثانية ، حيث ينقل نكبات وكوارث تلك الحرب الطاحنة وانعكاساتها على الساحة العراقية ، التي تجسدت في محاولة انقلابية عسكرية فاشلة في مايو 1941 وفــي الحرب العربيــة الإسرائيلية سنة 1948 التي كان العـراق طرفــاً فيهــا . وكان من افرازاتها ، انتفاضة الشعب العراقي في نفس السنة . وعلى اثرها اجهزت السلطة العراقية على الحزب الشيوعي العراقي ، فــي ضربة موجعــة وانتقامية هدفت الى التخلص مـن قيادتــه ، بالإعدام والسجون ، ومــن ثــم الملاحقــات بكـل وســع ، لتصفية عناصر الحزب .

وينتقل الكاتب مع الأحداث بتودة ،  ينتقي ماهو مهم في الساحة العراقية حتى يأتي الى ثورة تموز الوطنية التقدمية سنة 1958 وهنا ، تتشابك الأحداث وهو في وسطها كادراً سياسياً ونقابياً مدفوعاً بمنتهى الهمة والنزاهة في الدفاع عن حقوق العمال . وقد ورد  في سرده الدقيق لمجريات الأمور ، عن دوره مع رفاقه ، وسط الظروف المتداخلة وتطوراتها  ، ويؤطر صورة جلية عن اهتمامهم البالغ بالمنجزات الوطنية التي جرت على يد حكومة الثورة ، بدعم كامل من القوى الوطنية كافة ، مشيراً بذلك الى الدور المتميّز للحزب الشيوعي العراقي ، في دعم تلك المنجزات ، وفي التصدي لإصطفاف القوى الرجعية والمحلية والإقليمية والعالمية ، وفضح دورها التآمري في اسقاط الحكم الوطني والإجهاز على ثورة  تموز الوطنية ومكتسبات الشعب التقدمية . ثم جسم للقاريء  دور النقابات واتحادها ، وحصرياً دور نقابة النفط وقيادتها التي كان هو من نشطائها ، إذ يجسم دورها التاريخي في انتزاع حقوق العمال العادلة والمشروعة ، وذلك عبر مفاوضات جانبية عسيرة مع شركات النفط الأجنبية ، المعروفة آنذاك بتزمتها وبدورها الشائن ، في التآمرعلى ثورة الشعب العراقي . وبيَّنَ الملابسات الجانبية التي رافقت تلك المفاوضات ، كنتيجة لإفتراءات ادارة شركات النفط وبطانتها ، لجلب انتباه الزعيم عبد الكريم واثارته بوسيلة ماكرة ، تصور له ، بان الجانب العراقي المفاوض معها مثير للمشاكل ، وأن كل ما يصبو اليه ، هو تمرير مخطط لعملية ابتزازية ، جرياُ وراء السمعة الطيبة واثبات الوجود ، وبالتالي ، خلق خصومات بين العمال والشركة. ويبن الكاتب كيف خيّب الوفد النقابي امل وفد الشركة ، واسقط في يده بانتزاع حقوق العمال كاملة غير منقوصة .

وينبري لتنزيه موقف الحزب الشيوعي من ثورة 14/تموز/1958 في معرض الدفاع عنها وعن مكاسبها ، وفضحه المشاريع التآمرية على تلك الثورة وقيادتها . ويقف عند حدثين مهمين وقعا سنة 1959 وكانا من صنع القوى الرجعية ، وبدعم خارجي ، أُريدَ بهما زعزعة النظام الوطني ثم الإجهاز عليه ، وهما العصيان العسكري في مدينة الموصل الذي انطوى على مؤامرة كبيرة بقيادة ( الشواف ) وما ترتب عليها من الصدامات الدموية وزعزعة السلم الأهلي بفقدان الأمن والإقتتال في الشوارع . واحداث كركوك الدموية التي كان يمعن الكاتب في نقل وقائعها بحيادية تامة ، مفنداً كل الإفتراءات والفبركات المروّجة من قبل قوى التامر آنذاك ، من اعداء الثورة ودوائر شركات النفط الأجنبية وعملائها . ثم يطرح نفسه ــ كشاهد على العصر ــ خير من يسطيع اجلاء صورة الحقيقة في نفي اي دور للحزب الشيوعي في تلك الأحداث حسبما شيعته الجهات الرجعية الباغية ، لتأليب قيادة الثورة وعلى رأسها الزعيم عبد الكريم قاسم لمخاصمة الشيوعيين . ويشرح بحرفية ، حيثيات تلك الوقيعة ، كونه في لب الأحداث التي وصفها بأنها ، من تدبير رؤوس الرجعية بصنفيها المحلي والخارجي وبدعم وتخطيط من ارجاس شركات النفط الإستعمارية .  والنتيجة كانت توصُّل القوى المتربصة بالثورة ، الى احداث شرخ كبير بين الحزب والزعيم الذي حمّل الشيوعيين مسئولية الأحداث في الموصل وكركوك ، واطلق العنان للرجيعة المحلية في الأصعدة الرسمية والشارع ، للإنتقام منهم عن طريق الإغتيالات على يد فلول الرجعية المنفلتة والإعتقال ، ومقاضاتهم تحت التهم الملفقة في المحاكم العرفية العسكرية . والنتيجة كانت مئات من ضحايا القتل غدراً ، كما حصل في الموصل ، وآلاف الشيوعيين ممن تم القاؤهم في السجون والمعتقلات ، واعداد منهم صدر بحقهم حكم بالإعدام .

وهكذا انحسر نفوذ الحزب الشيوعي الأمين على ثورة تموز والغيور في الدفاع عنها وعن قادتها ، وخلا الجو للرجعية بكل فصائلها ، لإمرار محاولات الإطاحة بالنظام المغرر به ، ليكون لقمة سائغة للمتآمرين في انقلاب شباط 1963

ويؤكد الكاتب دوره المشهود  له من اهالي كركوك ، في انقاذه الكثير من العوائل من براثن الغوغاء ، وبمساعدة رفاقه النقابيين . ويذكر في هذا الشأن ، يوم اصطحابه مخفوراً الى كركوك من قبل الجهات الحكومية والطواف به في جنبات المدينة بسيارة ومنها يذاع اسمه عبر مكبرات الصوت ، بغية إشعار الأهالي بوجوده ، والطلب من كل فرد منهم له شهادة ضده ، الحضور للإدلاء بها . بيـدَ أنـه يشير الى ما حصل ، كـان العكس . حيث اقبل العديد من الناس يشهدون بمواقفه الإنسانية واخلاقه ونزاهته.

يفتح الكاتب صفحة النازلات الكبرى وكوارثها ومآسيها التي دشنتها زمرة انقلابية صبيحة الرابع عشر من آذار 1963 يوم استيقظ الشعب العراقي على صوت مذياع قبيح ومشئوم ، يُنبىء عن قيام اعداء الثورة بانقلاب عسكري للإطاحة بالنظام الجمهوري الفتي . ويصف بدقة كل ما حاط بتلك المؤامرة ، ابتداءاً بكتلها المعروفة كمحور اول في معاداة الثورة : من حزب البعث والقوميين العرب المتعصبين والناصريين مع فئات وشرائح عراقية مضروبة المصالح ، كالأقطاعيين ورجال العهد الملكي ، بالإضافة الى شركات النفط الأجنبية وعملائها . أما المحور الثاني كان من وراء الحدود ، والمتكون من : دول الجوار ــ العربية منها وغير العربية ــ بالتعاون مع دوائر اجنبية . وكتحصيل حاصل ، كان الإنقلاب من مؤامرة تراصفت فيها قوى محلية واقليمية ودولية . ويشير الكاتب في هذا الخصوص الى معلومة ، لهج بها في ما بعد ، احد اقطاب البعث ، مفيداً بأن الأنقلابيين اتوا بقطار امريكي .

وفي خضَّم تلك الهجمة البربرية الدموية ، وجد صاحب هذا السفر نفسة في لجج الفوضى الإرهابية التي عمت الشارع العراقي على يد ازلام البعث المكرسين ليل نهار لتصفية عناصر الحزب الشيوعي ، ابتداءا من القيادة  ونزولاً للقاعدة والأنصار والمؤيدين . يصف الكاتب بدقة محاولاته في التخلص من تلك الحملة الدموية ، وذلك في التخفي في احدى المدارس وثم الإنتقال من بيت الى آخر بمساعدة معارفه . واخيراً القي عليه القبض على الحدود السورية وهنا ، يروي ماتعرض له من اساليب التعذيب في دائرة الأمن ، ومن ثم باحالته الى المحكمة التي قضت بالحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات .

ويدخل في مفردات هذه الأحداث ، ينقل عنها صوراً دراماتيكية عما شاهده من فضائح وظلم بحق الأبرياء من معارفه المناضلين وعما دلت عليه خسة من حَكمَ العراق من البعث والقوميين . ويتواصل في سرد ونضد الأحداث التي عايشها في كل المعتركات منذ مقتبل شبابه وحتى هذه الأيام من تسعينيات عمره .

  كتب بتأريخ :  السبت 27-06-2015     عدد القراء :  2154       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced