العنف ضد المرأة...!؟(*)
بقلم : باقر الفضلي
العودة الى صفحة المقالات

إذا كان هناك من ينوي التحدث عن العنف ضد المرأة، ففي تقديري أن خير من يتحدث عن هذا الجانب من الإضطهاد الذي تعاني منه المرأة بإعتبارها كائن إنساني في المجتمع، هو المرأة نفسها، وذلك لسببين:

أولهما؛ أنها هي من يقع عليها ذلك العنف شخصياً، سواء على صعيد الجسد أم على الصعيد النفسي، وبمعنى آخر ما نسميه الروحي، وما يترتب على ذلك من تداعيات مؤلمة بالنسبة للمرأة، وعلى مستويات مختلفة، إبتداءا من علاقاتها داخل الإسرة، أو مع الجيران في السكن، وكذلك علاقاتها مع مجتمع العمل الصغير، إذا ما كانت أمرأة عاملة، وبمعنى أوسع علاقاتها على صعيد المجتمع وعلاقاتها مع الأهل والأقارب والمعارف والأصدقاء..الخ وفي هذا السبب يدخل أيضاً عامل مهم في تحديد دور المرأة في التصدي لعملية العنف ومواجهتها بالشكل المناسب، والمقصود هنا، هو خصوصية المرأة ككائن إنساني وما تتمتع به من خصائص تتميز بها وحدها بإعتبارها عنصر فاعل في بناء المجتمع.   

وثانيهماً؛ أن موضوعة العنف الموجهة ضد المرأة، هي ذات أبعاد مختلفة، منها ما يتعلق بطبيعة العنف نفسه وأشكاله من جهة، ومصادر العنف والآلية التي ينفذ بواسطتها من جهة أخرى. وفي هذا الجانب يكون دور المرأة على الصعيد الفردي والإجتماعي، أكثر أهمية بمشاركتها المباشرة وفقاً لطبيعة الظروف الإجتماعية والإقتصادية والسياسية التي تعيش في ظلها المرأة، وهي اقرب الى ذلك من غيرها في تحديد تلك الأبعاد والأشكال والمصادر، حتى بأشكالها البدائية..!

وبإلاضافة لما تقدم، يأتي هنا دور المجتمع، ومن ضمنه المرأة بإعتبارها تمثل نصف هذا المجتمع، في تحديد مسارات وإتجاهات عملية النضال ضد العنف، إعتماداً لما أشرنا اليه في ما تقدم وهنا يمكن الحديث عن بعضها بإختصار:

يتميز دور المجتمع هنا في مستوى الوعي العام الذي يرقى اليه، والذي ينعكس أساساً في مستوى وعيه القانوني ، حيث يتجلى ذلك في طبيعة المفاهيم والسنن القانونية التي تسود المجتمع في اللحظة المعينة، ومن خلال منظومة التشريعات وطبيعة النظام القانوني السائدة في البلاد، يمكن ملاحظة مستويات تطور حالة (المساواة) المفترضة في المجتمع المعين بين المرأة والرجل بإعتبارهما طرفي المعادلة، وكفتي (ميزان العدالة) الحقيقي المعبر عن مصداقية النظام السياسي والإجتماعي السائد في المجتمع المذكور..!

والتأسيس وفق القاعدة المذكورة في أعلاه، والتي هي في حقيقتها تمثل نتيجة لمخاض قد يكون طويلاً وربما وفي نفس الوقت، عسيراً وأحياناً عسيراً للغاية، أقول إن التأسيس المذكور، يعتمد بالأساس على مستوى من التطور الإقتصادي والمعرفي والتعليمي والثقافي والإجتماعي مقروناً بمستوى من التطور السياسي المتوافق مع الجميع، وكلها مرتبطة في علاقات سببية لا إنقطاع لجذورها، وبمعنى آخر إن مستوى تطور الوعي القانوني في المجتمع يعتمد أصلاً على طبيعة ظروف مسار تطور العملية الإقتصادية – الإجتماعية برمتها، والتي لا يمكن إختزالها بمجرد التقنين لقوانين وتشريعات فوقية، يمكن أن تصب في مصلحة المرأة كأحد طرفي المعادلة كما بينت أعلاه، وإن كانت مع ذلك تعتبر من الإسهامات المساعدة في التعجيل بتثوير مسار التطور العام لتلك العملية، إلا أنها من الناحية الثانية لا يمكن أن تكون بديلاً وحيداً للركون اليها في تحسين أوضاع المرأة، وتقليص دائرة العنف حولها، طالما أن العوامل الأساسية لهذا التطوير لم ترتق الى نفس المستويات الموضوعية التي تشكل القاعدة الأساسية لوصول الى تلك النتيجة المتوخاة، وهذا ما أشرت اليه في تطور الواقع الإقتصادي – الإجتماعي للمجتمع المعين، وما يصاحبه من تغيرات جوهرية في مستوى الموروث الثقافي والتراثي بمعنى أدق لذلك الموروث، الذي يرتبط بمجل العادات والتقاليد والأعراف التي تتحكم بنمط التفكير السائد في المجتمع، والتي بمجملها تشكل كوابح فعالة أمام المجتمع للتقدم بإتجاه تأسيس منظومة تشريعية قانونية – وهي أساس هنا -  ترسخ الآلية والضوابط القانونية التي تتحكم في حالة التوازن المفترض تثبيتها في المجتمع (بنصفيه)، والتي من خلالها تجد المرأة ما يمكن أن يضعها في حماية، حتى لو كانت نسبية، ولكنها متطورة، وتمتلك قاعدة إجتماعية واسعة، تكون فيها أقرب الى ثقافة عامة لسائر أفراد المجتمع، وتمتلك كل أسبابها الإجتماعية والإقتصادية والسياسية..!

ولغرض المقارنة الفعلية والملموسة على حقيقة بعض الأفكار التي أشرت اليها فيما تقدم، يمكن المرء أن يضرب مثلاً حياً بقانون الأحوال الشخصية العراقي، الذي تم تشريعه عام/ 1958  كأحد منجزات ثورة 14/تموز، وما إنتهى اليه بعد تغييرات عام/2003 ؛ ولعل المادة/41 تمثل مثلاً ملموساً كيف أن التغييرات التشريعية الفوقية إن لم تكن مدعمة بقاعدة إقتصادية - إجتماعية، تحولها الى ثقافة إجتماعية راسخة على صعيد المجتمع، فإن أمر ديمومتها يبقى محفوفاً بخطر إزالتها أو تحريفها في أفضل الأحوال، والمثل الذي سقته أعلاه دليل حاسم على ذلك، لأن عوامل النقض والإرتداد والرفض، هي الأخرى تعمل وبشدة من أجل إعاقة أي توجه للمجتمع للتغيير..!؟(1)

من خلال هذه الملاحظات العابرة والمختصرة، يمكن القول بأن نضال المرأة خصوصاً والمجتمع بشكل عام، من أجل كبح عوامل وأسباب العنف التي تتعرض لها المرأة، يبدأ في تقديري من خلال تفهم ما أشرت اليه بتواضع فيما تقدم، ومن هنا يبدو دور المنظمات النسوية وتوحدها أكثر أهمية في هذا المجال، حيث يمكنها أن تشكل أدوات ضغط فاعلة على المجتمع، وأداة تحفيز لمشاركة أكبر بين النساء في القطاعات المتخلفة بين أوساط السكان والتي يشكل إنتشار الأمية في أوساط تلك القطاعات، كابحاً إضافياً أمام المرأة للإنخراط في ذلك النضال، وهنا تلعب طبيعة السياسية التعليمية دوراً غاية في الأهمية في تحفيز الأوساط النسوية عموماً للسير بألإتجاه الذي يعجل على سبيل المثال، بالضغط على سلطات الدولة ومؤسساتها المختلفة بالإلتزام بالإتفاقيات الدولية ومنها: ( اتفاقية كوبنهاجن أو السيداو "CEDAW"اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة ) التي تصادف اليوم مرور الذكرى الثلاثين على إعتمادها من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة..!

  كتب بتأريخ :  الأحد 20-12-2009     عدد القراء :  2242       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced