في وقت يبحث العراقيون فيه عن اي ضوء مرتجى في نهايات الانفاق التي أدخلتهم المحاصصات الطائفية فيها ، يأتي الاحتلال الايراني لبئر فكة النفطي ليزيد من حلكة الظلام الذي يلف الوطن وأهله ، ويعطي في عين الوقت تكثيفا لصورة الواقع العراقي المزري وعلى كل الاصعدة .
فقد كشف احتلال البئر هشاشة الموقف الامني والدفاعي العراقي على الحدود ، مثلما هو عليه في داخل المدن ، فالاحتلال حدث ولم يطلق اي جندي عراقي حتى ولا رصاصة تحذير ، ولم يشر أي من المسؤولين عن موقف القوات العراقية ودورها اثناء عملية الاحتلال ، فهل كانت هناك قوات عراقية ؟ هل انسحبت ؟ هل تم أسرها ؟ هل قاتلت ؟ ام إن قادتها تواطؤا وسهلوا عملية الاحتلال ؟ ام ماذا حدث بالضبط ؟ لم يقل احد شيئا عن هذا . يبدو لي إن أي جواب عن هذه الاسئلة سوف لن يحصل عليه أحد ٌ.
على الصعيد السياسي ظهرت التقسيمات الطائفية واضحة فأنبرى سياسيون ونواب ممن لا يُحسبون موالين لايران لمهاجمة الاحتلال والتذكير بعراقية البئر النفطي وإن إيران تتدخل بالشأن العراقي وتزيد النار حطبا كل ما سنحت لها فرصة ، وإنها لا تريد الخير للعراق وشعبه وإنها وإنها وإنها الى اخره من التصريحات الرنانة الجوفاء التي لا تسمن ولاتغني عن جوع ، بالمقابل فأن الحكومة ورئيسها لم تقل سوى انها تستنكر الاحتلال وتطالب بالانسحاب وتدعو الجارة المسلمة الشقيقة الودودة ايران الى سحب قواتها ، وعقد مجلس الامن الوطني إجتماعا لم يستطع حتى المتحدث الرسمي بأسم الحكومة أن ينقل مادار فيه ، والخارجية تستدعي السفير الايراني في بغداد والسفير العراقي في ايران يلتقي الخارجية الايرانية و.... و.... و... وكل ماحدث ليس اكثر من هواء في شبك . لكني لم أرَ حماسة بعض النواب والسياسيين الذين لا يتوانون عن اطلاق التصريحات الرنانة والاتصال بالمحكمة الدستورية وعقد الندوات التلفزيونية والمؤتمرات الصحفية ويشتمون ويهددون ، ويلوحون بعودة البعث المقبور ، مع كل اشارة من قريب أو بعيد تهدد مواقعهم في السلطة أو حتى تقلل من بعض إمتيازاتهم ، أما ماحصل في الفكة فلا يعنيهم كما يبدو ، أو إن الاحراج أخذهم ولا يستطيعوا أن يفعلوا أو يقولوا شيئا .
والاكثر غرابة هنا الموقف الاميركي ، فالعراق مازال تحت البند السابع ، ومازالت القوات الاميركية تحتل العراق وملزمة بموجب الشرعية الدولية حماية ارض العراق ، ولا أظن إن عديدها غير كافٍ لردء العدوان ،وايضا التزام المسؤولين الاميركان بدءا من باراك اوباما ومرورا باركان حكمه وفي أكثر من مناسبة بالتزامهم بحماية العراق والحفاظ على أمنه ، لكن ما صرح به احد المسؤولين الاميركان بإعتبار ماحدث شأنا بين جارتين !! يستدعي التوقف مليا لمراجعة الموقف من السياسة الاميركية ووعودها والتصرف بجدية إزاء إحتمالات المستقبل وكيف سيكون عليه حال العراق سواءا بوجود القوات الاميركية أو بغيابها . وعلى المروجين للمشروع الاميركي في العراق تملي الموقف جديا إن كانت لديهم بقايا من الوطنية .
يبقى التساؤول الاهم ماهي غاية ايران من احتلال البئر النفطي في الفكة ؟ كما يبدو فإن الجارة المسلمة إيران تريد أن توصل أكثر من رسالة الى دول الاقليم أو المجتمع الدولي تؤكد من خلالها قوتها ودورها الاهم في كل التطورات الحاصلة وعزمها أن تفعل ماتقول وفي هذا اشارة ضمنية لملفها النووي ، وتؤكد ايضا قدرتها على خوض أكثر من حرب وفي أكثر من جهة وفي وقت واحد ، إنها تريد أن تقول كما إنها زعزعت الوضع في لبنان وإسرائيل وغزة واليمن فإنها مازالت قادرة على خلق الازمات وإحراج حتى أقرب السياسيين منها . لكن الرسالة الاهم التي أرادت إيران توصيلها كانت للعراقيين تحديدا ، فإنها تريد أن تقول إنها هي اللاعب الرئيسي في العراق وليس غيرها ، ومثلما تتدخل في الشأن السياسي وتؤثر على هذه الجهة أو تلك وتشكل تحالفات وتلغي اخرى ، وكما تدرب وتدعم المليشيات المسلحة ،ومثلما تغزو بضائعها التالفة الاسواق العراقية ، وكما تأوي المجرمين المطلوبين من قبل العدالة العراقية ولا تأبه لأي مطالبة بتسليمهم ـ رغم إن ذلك لم يحدث لحد الان ـ فإنها تريد أن تقول إنها قادرة على إقتطاع أي جزء من الاراضي العراقية وكما تشاء وإن ثروات العراق ليست ملكا لاهله ، وإنها في نفس الوقت تذكر أتباعها من الساسة العراقيين وحتى المؤثر منهم في الحكم بأنها لا تأبه لوجودهم ولا قيمة لهم عندها حتى وإن قدموا كل ما تشاء من أسباب المعونة والتغلغل في كل مفاصل الحياة العراقية ، بالمختصر تريد أن تقول إنها هي إيران نفسها إيران كسرى والدولة الصفوية . فهل يعي ساسة العراق المنساقين خلف المشروع الايراني لهذا ؟ وهل ستسجل اللجنة التي أمر السيد رئيس الوزراء بتشكيلها قبل ثلاث سنوات لمعرفة التدخل الايراني وحجمه في العراق ولم يصدر عنها اي شئ الى اليوم ـ هذا إن تم تشكيلها في حينه ـ أقول هل ستسجل هذا تدخلا إيرانيا سافرا في العراق أم إنه مجرد مزاح ؟؟ فيا للمهزلة ويا لضحالة المتنفذين في حكم وطننا العراق اليوم .
كتب بتأريخ : الإثنين 21-12-2009
عدد القراء : 2760
عدد التعليقات : 0