اقتحام السماء .. تأملات في الحراك الشعبي (9) احتدام الصراع .. عرقلة الاصلاح .. تحولات المشهد السياسي
بقلم : رضا الظاهر
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

بينما تشهد البلاد تفاقماً في الأزمة الاجتماعية، ويشهد الوضع السياسي تزايداً في التعقيد، يشهد الحراك الشعبي تطورات هامة بحاجة الى مزيد من القاء الضوء والتحليل.

ووسط هذه التحولات في الحراك وارتباطها بالتحولات في المشهد السياسي تكتسب موضوعة عرقلة الاصلاح أهمية استثنائية، وهي تعكس جوهر الصراع المحتدم، بتجلياته السياسية والاجتماعية، واحتمالاته المفتوحة على أكثر من مآل.

ومن الطبيعي أن عملية الاصلاح تتعارض مع امتيازات ومصالح قوى وشخصيات متنفذة غير مستعدة للتنازل عن سلطتها، وبالتالي فان الاصلاح يجابه مقاومة عنيدة من قبل هذه القوى "القديمة" التي تدافع عن مواقعها.

وهذه المقاومة هي تعبير عن الصراع، الذي هو أساس التطور، وهو، على الدوام، شيء غير ثابت، ومرتبط بتطور الأزمات الاجتماعية والسياسية وسواها. ومن الطبيعي القول إن الأزمة الاجتماعية والسياسية في بلادنا، المرتبطة بمعاناة الناس المريرة في سائر ميادين الحياة، هي التي تؤدي الى عواقب اشتداد الصراع الذي لا يمكن حله إلا بالتغيير.

والتغيير يعني، جوهرياً، ولادة جديد، وهي عملية عسيرة ومعقدة تتم، عادة، في ظل تشبث القديم، الذي تسنده الثقافة السائدة، بمواقعه، وتوق الجديد الى أن يمد جذوره الفتية ويشق طريقه عبر صعوبات تخلقها عرقلة النظام القديم الذي لا يدافع عن وجوده حسب، وانما يواصل هجومه على الجديد، في سياق الصراع بين قوى تنتمي الى الماضي وتدافع عنه حفاظاً على امتيازاتها، وقوى تنتمي الى المستقبل، ساعية الى الاطاحة بالقديم المتخلف، وبناء الجديد المتقدم، المنفتح على الاغتناء والتطور.

مطالب واضحة .. وارتياب متسع

ومن نافل القول إن مطالب المتظاهرين والمعتصمين باتت في غاية الوضوح، فقد أعلنوها منذ انطلاقة الحراك الشعبي في 31 تموز الماضي، وخلال الأشهر الثمانية المنصرمة خضعت للتدقيق والاختبار والاغتناء، مثلما خضعت أساليب الحراك السلمي للتطوير.

وتتمثل هذه المطالب، بايجاز شديد، في إنهاء نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، واصلاح النظام السياسي، بما في ذلك القضائي والانتخابي، والقضاء على الارهاب وتحقيق السلم الأهلي، ومكافحة الفساد ومحاسبة المفسدين واستعادة الأموال المنهوبة، وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين وتحسين مستوى معيشتهم.

وهذه المطالب الواضحة ترتبط، على نحو لا ينفصم، بعملية الاصلاح التي يحتدم الصراع بشأنها. وهناك من يرتاب، عن وجه حق، برغبة الطبقة السياسية الحاكمة في اجراء اصلاح حقيقي، ليس لأن "التوازن" السياسي والاجتماعي لا يسمح بمثل هذه الهزّة في المجتمع، وليس لأن قوى الاعاقة تمتلك الكثير من الأسلحة التي تشهرها بوجه الاصلاح، وتستخدمها دفاعاً عن امتيازاتها المهددة بالضياع.

الارتياب يتجه نحو جدية القائمين على الاصلاح، الذين لم يقدموا، من الناحية العملية، حتى الآن، ما هو أكثر من الوعود، والذين يرى محللون، ومتظاهرون ومعتصمون من باب أولى، أنهم عاجزون عن تجاوز "الواقع"، لأنهم بذلك سيتجرعون كأس السم، وأن الاصلاح "الجزئي"، الذي باتوا يروجون له ويبررونه، لن يكون سوى وجه آخر من أوجه المحاصصة، فيما لن يكون "دعاة الاصلاح" سوى ضحايا لهذا النظام المقيت، وقد ألحق هزيمة بهم.

لقد بات من الجلي أن هناك طيفاً واسعاً من القوى التي تمتلك مواقع نفوذ قوية في السلطة والقوات المسلحة والمليشيات، ولديها قدرات وموارد مالية هائلة ووسائل اعلام وفضائيات وصلات خارجية. وتتقدمها، بالطبع، منظومات الفساد في الدولة وخارجها.

وتتوحد كل هذه القوى، رغم تناقضاتها، في ميدان دفاعها عن سلطتها التي يهددها الاصلاح الحقيقي والحراك الشعبي الثوري، الأمر الذي يجعل من عملية الاصلاح معركة سياسية واجتماعية بامتياز، تتطلب، من بين أمور أخرى، عملاً سياسياً هائلاً، يهدف الى الاخلال بميزان القوى السياسي والاجتماعي القائم لكي تترجح الكفة لصالح قوى الاصلاح.

ومن باب القصور في النظرة، بل الخطأ الفادح، الاكتفاء بالتعامل مع الاصلاح باعتباره عملية ادارية تكنوقراطية، فهذا ما يصب، من الناحية العملية، في طاحونة عرقلة الاصلاح، ويقلص من فرص نجاحه، وهو ما تسعى اليه قوى الاعاقة.

وبايجاز يمكننا أن نحدد القوى المعرقلة للاصلاح باعتبارها قوى تتناقض مصالحها مع أهداف الحراك الذي طرح قضية الفاسدين وربطها بمواقع في الدولة. أي أن القوى المعرقلة هي قوى اجتماعية واقتصادية تشكل جزءاً اساسياً من منظومة الفساد والمتواطئين من الفاسدين والمفسدين داخل وخارج الدولة.

ومن الجلي أن جبهة الاعاقة المناهضة للاصلاح تضم قوى وشخصيات متنفذة من الطبقة االسياسية الحاكمة وفق مبدأ أو منهج المحاصصة الطائفية والاثنية بين "الشيعة والسنة والأكراد"، وهي الطبقة التي يهدد الاصلاح الحقيقي امتيازاتها. ويقف مع هؤلاء بعض قادة المليشيات و"التشكيلات" الذين تعاظمت طموحاتهم السياسية ومصالحم المالية، وأولئك المتشبثون بالمحاصصة ممن يدعون تأييد الاصلاح، وهم، في الجوهر، معارضون ومعرقلون، ينتظرون من الاصلاح صفقة تمنحهم مواقع أكبر عبر اعادة اقتسام الغنيمة. وهناك في كردستان ربط لتأييد الاصلاح بالوضع الداخلي في الاقليم، حيث الخلاف السياسي المتعاظم، وصراع الامتيازات، والوضع المعقد بين الاقليم والسلطة الاتحادية، وفيه يستخدم الصراع "القومي" وسيلة للتغطية على الصراع الاجتماعي. ناهيكم عن عناصر الجهاز البيروقراطي من المتورطين في الفساد، والذين يخشون التغيير والتحديث.

خصوم يتحالفون .. وطريق شاق

وبهدف افراغ حزم الاصلاح وعرقلة تنفيذها وخلق أجواء مضادة استثمرت قوى الاعاقة تلكؤ وتردد رئيس الوزراء في المضي قدماً بعملية الاصلاح، وما يرتبط بذلك من ضرورة تشكيل جبهة داعمة وفريق عمل فعال وآليات عملية. وقد ترافق هذا التلكؤ والتردد مع غياب الشفافية، إذ لم يجر الكشف عن فريق عمله وخبرائه ولجانه "السرية". وهو ما يتعارض مع التوجه الجاد نحو اجراء اصلاح حقيقي، ويلغي المساءلة أمام الناس، وينطوي على استهانة بذكائهم.

وكان المعرقلون على دجة كبيرة من الخبث إذ عبأوا الفئات الوسطى ضد قرار سلّم الرواتب الجديد، الذي يعبر، ضمن عناصر أخرى، عن الأزمة المالية والمعاشية المتفاقمة، وكانت تلك بدا ية تصعيد ضد العبادي وتوجهاته.

ولا ريب أن الطريق نحو الاصلاح طريق شاق ومعقد، بل مركب. وبالتالي لابد من رؤية واضحة لعوامل الاعاقة وتشخيصها على نحو دقيق. فالذين تضررت مصالحهم كثر، والذين انتفعوا من سوء الادارة السابق وسلوك الحكام ونمط تفكيرهم المتخلف، ومن غياب الستراتيجية الواضحة واللامبالاة بمصالح الشعب ليسوا قلة. وقد اغتنوا على حساب بؤس وشقاء الملايين، وخراب البلد ونهب ثرواته.

وهؤلاء يسعون، وخصوصاً بعد أن استفاقوا واستوعبوا الصدمة الأولى، الى تنظيم صفوفهم، وتنسيق العلاقات والأفعال في ما بينهم، وهم، كما هو معلوم، في مواقع رسمية واقتصادية واجتماعية واعلامية مؤثرة، ومن كتل مختلفة، يعملون على بناء تحالفات جديدة من شأنها أن تضع العقبات أمام عملية الاصلاح تمهيداً لافشالها والانقضاض عليها.

ويحيط بهؤلاء غير قليل من المنتفعين، وبينهم أصحاب بنوك ممن يستثمرون "مزاد العملة"، وتجار ومقاولون ورجال مال وأعمال ومضاربون ومهربون وعصابات جريمة منظمة ومافيات ومالكو فضائيات يبحثون عن صفقات. ويملك هؤلاء، شأن أقرانهم من الفاسدين، غير قليل من عناصر الاعاقة والخريب.

وهناك، أيضاً، الطامحون ذوو المواقع العسكرية والأمنية ممن يسعون الى توظيف مراكز قوتهم للحصول على مواقع سياسية. وما عاد هؤلاء يتورعون عن الحديث عن تغيير السلطة واسقاطها عبر ما يسمى بتشكيل حكومة انقاذ وطني، أو الزعم بأن الحكومة غير مؤهلة دستورياً للبقاء لأنها خرقت الدستور، أو الدعوة الى انتخابات مبكرة. وكل هؤلاء يطمحون الى استغلال فرصة السعي لاصلاح الحكومة بغرض توظيفها لصالح مشاريعهم ومخططاتهم.

أما المعرقلون من خارج العملية السياسية فيتمثلون، بالطبع، بقوى (داعش)، والبعث بتفرعاته الصدامية، ناهيكم عن مساهمين في فعاليات "مشبوهة"، بينها فعالية الدوحة على سبيل المثال لا الحصر.

ويتعين علينا أن لانغفل دور الوصوليين، المطبّلين والمزمّرين، الساعين الى دفع الحراك الشعبي باتجاه التطرف وروح العدمية. ويقف معهم، من الناحية العملية، بعض المتخاذلين من ذوي القناعات المهتزة والأكتاف الرخوة، وقصيري النظر ممن يتصورون أن الصراع هو مجرد جولة أو جولتين، وعندما تتبين الحقيقة ينقطع النفَس ويسود الجزع. هذا ناهيكم عن المساومين الذين يسيل لعابهم ما أن يجري اللويح لهم بالمكاسب والامتيازات والعطايا والهبات.

ومن أجل استكمال صورة القوى المعرقلة لابد من الاشارة الى أن "الايرانيين" يشعرون بالقلق من تطورات الاصلاح، وعدم الحماس لازاحة أو مساءلة أو معاقبة بعض أقرب حلفائهم من الحكام السابقين. ومن ناحية ثانية فانهم على غير وفاق مع مرجعية النجف، لا فقهياً حسب، وانما سياسياً أيضاً.

أما الأميركان، المؤيدون، على العموم، للعبادي والاصلاح ، فمواقفهم تبدو متناقضة، إذ هناك كتلة مؤثرة من صانعي القرار لا تدعم الاصلاح، وخصوصاً في الكونغرس. وتتبنى القوة الأكثر تأثيراً وجهة تقسيم العراق (ليس مشروع بايدن فقط، وانما، أيضاً، مشاريع باتريوس وأوديرنو...)، أي أنهم لا يريدون الاصلاح بالمعنى الذي نريد.

ويجب أن لا يغيب عن بالنا أن غالبية دول الخليج، التي لديها امتدادات وتأثيرات في العراق، مناوئة لعملية الاصلاح. ولا تنظر دول الجوار، عموماً، بارتياح للاصلاح لأنها لا ترغب في عراق مستقر، معافى، قادر على تقديم نموذج لدولة مدنية ديمقراطية حقيقية.

من الاطار السياسي الى الاطار الاجتماعي

ومن نافل القول إن هناك مستويات مختلفة للحراك، وفي كل مستوى قوى معرقلة ومحافظة. وقد أثارت تصريحات السيد الصدر حول المدنيين كثيراً من قوى الاسلام الطائفي. وهذا مؤشر هام على بعد آخر كان موجوداً، ضمنياً، في ساحات الحراك، واستثار قوى أخرى لم تعد قلقة من التهديد السياسي، بل من التهديد الستراتيجي الاجتماعي، وهذا هو، في الواقع، مما يهدد البناء الطائفي.

ويمكن القول إن الصراع شهد تحولاً، فقد كان ينحصر في مساحات لا تهدد مرتكزات القوى القائمة، واتجه، الآن، من اطار المطالبة بالخدمات الى اجراء اصلاحات سياسية وتغيير في الحكومة ونهج الحكم. ومن الأهمية بمكان رؤية حقيقة أن الصراع، الذي يحتدم داخل كل طيف طائفي أو اثني، بدأ يتصاعد ويتنامى ليصل مرحلة تهديد البناء نفسه، أي أننا بدأنا نصل الى توترات شديدة تهدد الاطار القائم. وقد وجد هذا تعبيرات له كان أبلغها ما انتهى اليه اجتماع "التحالف الوطني" في كربلاء، الذي أكدت معلومات من داخله أنه أخفق في الحفاظ على الوحدة "الشيعية" المطلوبة في الحكم.

ونجد، اليوم، شكلاً جديداً من أشكال الاحتجاج أضيف الى التظاهر، وهو الاعتصام المستمر، الذي يشارك فيه التيار الصدري بقوة، بينما تتحفظ عليه أغلبية قوى التحالف الوطني. وهكذا فقد بدأت الأشكال تختلف، وظهرت عوامل جديدة في لوحة الصراع السياسي والحراك الشعبي راحت تهدد أسس التحالف. ويمكن القول إن أشكال المقاومة والعرقلة بدأت تصل الى حدود أبعد، اذ لم يعد هناك مجال لمزيد من التنازلات، بل ينبغي اجراء تغيير في النظام. وبوسعنا أن نشخص واحدة من أهم سمات الاعتصام، تتجلى في أن الاعتصام يمكن أن يخلق مواجهات مع حلفاء في الطائفة وليس مع سياسيين حسب.

واليوم، مع تطور الحراك، بدأ يظهر قلق لدى أوساط الطائفية السياسية من طروحات التيار الصدري وتعاونه مع التيار المدني، الذي تجاوز البعد الميداني ليتخذ أبعاداً أخرى سياسية وفكرية، وتشخيص أسس تقر بالتباين بين الطرفين. وهذا، بحد ذاته، تطور هام على مستوى تنظيم العلاقة لا في إطار فوقي لمواجهة تحديات الدكتاتورية كما كان يحصل سابقاً، اذ راح هذا التعاون يتخذ أشكالاً جديدة على مستوى جماهيري، ليكسر أنماطاً معينة من التفكير.

وليس من غير الدقيق القول ان هناك، الآن، حراكاً على صعيد المفاهيم والسلوكيات السياسية والمجتمعية بين الوسطين، يمكنه أن يفتح، اذا ما ترسخ، آفاقاً جديدة لاعادة بناء الدولة على أساس المواطنة.

إن انكفاء الحديث عن المكونات لصالح تقدم المحتوى الاجتماعي الى أمام يجسد صيرورة جديدة هي التي تقلق الأحزاب القائمة على أساس الطائفية السياسية. وهي أحزاب تتحدث عن مشاكل بين مكونات وطوائف، وتريد إبقاء الصراع داخل هذا الاطار، في حين أن ما يجري في الشارع شيء آخر غير السلوك المحصور بالطائفة، الذي تسعى أحزاب الطائفية السياسية من خلاله الى ابقاء الصراع على أساس مكوناتي بهدف استمرار الأمور على ما هي عليه من نهج محاصصاتي، بينما الحراك يعيد رسم معالم وخطوط الصراع.

ويمكن القول، الآن، إن هناك اصطفافاًجديداً، طابعه مدني مثير للقلق اذ يدعو الى أهداف تتباين مع أهداف القوى الأخرى، في سياق قيم مدنية تشق طريقها لتكشف عن عنصر جديد في محتوى الصراع بين المدني وغير المدني.

ولم يكن من غير المتوقع أن يحدث الصدريون، بدخولهم الحراك، التباساً لدى البعض حول طبيعة الحراك، ومخاوف حول احتمال استيلاء قوى اسلامية على الحراك ومظلته. وهذه مسألة جديرة بالتأمل العميق والنظرة الواضحة والموقف الواقعي المتزن، بعيداً عن أية مراهنات وأوهام غير مبررة، ذلك أنه يتعين علينا أن ننظر الى وجهي العملة، ونقر حقيقة التناقض غير التناحري بين التيارين المدني والاسلامي، وحقيقة الحاجة الى التنسيق والتعاون، وربما التحالف السياسي اذا ما استدعت الضرورات ووجهة التطورات، على أسس من بين أهمها، بالتأكيد، الحفاظ على الاستقلال السياسي والفكري.

دروس خبرة غنية

ومن ناحية اخرى تكمن قوة الاحتجاج في سلميته، التي يريد البعض تجريده منها، واستفزازه بقصد استثمار ردود أفعاله. ولا ريب أن الأساس السلمي للاحتجاج بحاجة الى قوى اجتماعية تسنده، وليس الانسحاب من الساحة كما يدعو بعض المدنيين، باعتبار أن التنسيق والتعاون مع الصدريين خاطيء، ويدعون الى موقف انعزالي بدل تحشيد القوى لزيادة وزننا في المعادلة، وتعزيز موقفنا المستقل وقوة تأثيرنا في المشهد السياسي والاجتماعي. ومن الطبيعي أن مثل هذه المخاوف متوقعة ومفهومة، غير أنها يجب أن لا تؤدي الى انكفاء، وعدم استثمار للحظة التي يوفرها التاريخ، وهي، في العادة، لحظة لا تتكرر.

إن لدينا تجربة غنية، ومريرة أيضاً، في التحالفات لابد من العودة الى دروسها البليغة، واعادة النظر والتقييم لاستخلاص العبر ورسم المواقف السياسية المدروسة وفقاً للظرف الملموس. فنحن مختلفون فكرياً مع القوى التي نتحالف معها سياسياً، غير أن التحالف ينطوي، بالضرورة، على تناقض، لا يحول دون الاتفاق على عدد من الغايات السياسية، وعلى أساليب الوصول الى هذه الغايات.

واذا ما تغير الطابع السلمي للحراك فنحن في حل من التنسيق. واذا ما جرى التجاوز على استقلالنا الفكري والسياسي فسنعيد النظر في موقفنا. وهذه مسائل لا يمكن ولا ينبغي التهاون فيها قيد أنملة، وإلا فقدنا مصداقيتنا أمام الناس، وهم منبع قوتنا.

إن الحراك صيرورة، وكذلك الصراع، ولا يمكن التنبؤ بكل التجليات والأشكال. غير أنه يمكن القول إنه كلما ازداد الحراك تأثيراً، وبالتالي تهديداً للقوى المتضررة من الاصلاح الحقيقي، ازداد الصراع احتداماً، وازدادت قوى الاعاقة استقتالاً، دفاعاًعن امتيازاتها المهددة بالضياع، وهو ما نراه اليوم متجلياً في المشهد السياسي المعقد، الذي تزداد ملامحه وضوحاً، لكن آفاقه تبقى ملتبسة.

لقد أسقط عبور آذار نحو المنطقة الخضراء، التي يقيم المحتجون اعتصامهم على أبوابها، هيبة الحكومة المتخبطة في مواقفها. وهذا درس عميق الدلالة قدمه مقتحمو الجسر، ليشكل علامة بارزة في تاريخ الحراك، تكشف، من ناحية، عن قوة الارادة الشعبية، وتضيء، من ناحية أخرى، الطريق المفضي الى انهاء معاناة الملايين.

وبات أكثر جلاء، اليوم، أن مسألة اخراج البلاد من مأزقها المستعصي، لا تحتاج الى مناشدات وتواطؤات وتبويس لحى وشراء سكوت متبادل، وانما الى انجاز اصلاح حقيقي، واتخاذ خطوات جريئة، واجراءات عملية سليمة، مدروسة وعاجلة، تنهي مرة، والى الأبد، نهج المحاصصة المقيت، أساس البلايا، وترسم الطريق المفضي الى انقاذ بلاد منكوبة، تقف على حافة هاوية، الله وحده يعرف قرارها .. وعواقبها المدمرة.

* * *

يمكن للروح الثورية، اذا ما أحسننا اختيار لحظة التاريخ وأسلوب الكفاح، أن تحقق الغايات المنشودة. ولكي يمسك الثوريون بهذه اللحظة ينبغي عليهم أن يتخلوا عن أي شكل من أشكال الوهم والتفكير الرغائبي والمساومات غير المبررة، والجمود في فهم الظواهر وتطوراتها، والسذاجة في التحليل والعجالة في الاستنتاج .. وأن يتحلوا بجرأة الاقتحام ووضوح الرؤية وعمق الاستيعاب والاستعداد القتالي، وتجسيد السلوك الثوري وما تمليه قيم الكفاح والتنوير والتغيير ..

نمضي، برجاء، غير هيّابين، نعبر الجسور، مسلحين برايات السلم وأنوار الأمل .. ننحت في حجر .. ونركب المخاطر .. فذلك مجدنا ..

ضحايا المآسي، الملايين، يعرفون من نحن، إذ نمد لهم أيادينا، فيمضون معنا، سياجاً يحمينا، ويحتمي بقيمنا الساميات، ومثلنا الملهمات ..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

طريق الشعب – 24/3/2016

  كتب بتأريخ :  الخميس 24-03-2016     عدد القراء :  2736       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced