تفجيرات كرادة بغداد.. إجراميون بلا حدود وبرلمانيين فاقدي الحس الوطني !!!
بقلم : د.عامر صالح
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

تزداد وطأة الهجمات الارهابية الدموية من المجاميع الارهابية التي لا دين لها ولاقيم ولا أخلاق, على مدن العراق الجميل وبخاصة عاصمتنا بغداد وفي أجمل أحيائها الزاهية ليل نهار وهي الكرادة الرائعة, لتحولها الى أنقاض وركام في محاولة لإلغاء معالمها الجميلة والتي إتسمت بالحيوية والنشاط اليومي العارم, من تسوق, وجلسات في مطاعمها التي تقدم ما يشتهيه ذوق العراقي من مؤكولات وأغذية متنوعة ووسائل ترفيه, ولكن الارهابي الذي لا يدرك قيمة العيش و الجمال ولا تعنيه, فهو متوحشا بعثيا ساقطا, أم مجرما عفنا ممغنطا يحلم بتناول وجبة طعام مفتعلة مع النبي محمد, بعد قتله لاكثر من ثلاثمئة ضحية وجرحه لأكثر من مائتي بريئ !!!.

إنها جريمة لحفنة من جبناء مهما زاد عددهم لعصابات داعش ومن تحالف معهم من البعث الساقط, الذي عمل طوال عقود لخلق وتكريس سلوكيات العدوان والتجاوز على حرمات العيش الكريم, وإن كان على مستويات الحريات الفردية بعيدا عن النظام الطائفي البغيض الذي عملت امريكا على تكريسه عام 2003 وإضفاء شرعية مزيفة عليه عبر استمالة زعامات الطوائف الدينية والمذهبية والاثنية القومية والعرقية المزيفة لتكريس شريعته وأستغلال الظروف الموضوعية القسرية لبقائه, دون مسؤولية أخلاقية وفكرية لمرحلة إنتقالية تعقب نظام دكتاتوري ساهم لعقود في تزييف الوعي وتكريس حالة التردي والتفكك القيمي والفكري والاجتماعي !!!.

أن ما يجري في العراق اليوم هو انعكاس للخصائص والسمات السيكولوجية للعقل المتخلف بكل احباطاته وعدوانيته المتراكمة, متخذا من العنف والإرهاب كوسيلة للتخلص من عقدة النقص والجبن والخوف التي غرسها النظام السابق وما قبله, وهكذا يصبح القتل على الهوية جزء من آليات الدفاع النفسية التعويضية, فيقع الإنسان المقهور سابقا في نفس أخطاء قاهره المستبد, ويصبح ممجدا للقوة يستبدل بعقد نقصه السابقة تضخما في الذات واستعلاء على الآخرين, ويصبح هو نفسه مستبدا ومتسلطا على غيره, ولعل ابرز سمات هذه العقلية المتخلفة هو ما أكده الكاتب الدكتور مصطفى حجازي في كتابه الشهير " التخلف الاجتماعي : مدخل في سيكولوجيا الإنسان المقهور ", والتي قام بتقسيمها على النحو الأتي:

1ـ الخصائص الذهنية المنهجية : وتتميز باضطراب منهجية التفكير من جهة, وقصور الفكر الجدلي من جهة أخرى, ويتجلى اضطراب منهجية التفكير بما يعانيه الذهن المتخلف من قصور الفكر النقدي, فهناك عجز عن الجمع في سياق واحد بين الأوجه الموجبة والأوجه السالبة, بين المميزات والعيوب لمسألة ما, انه يعجز عن الذهاب بعيدا في تحليله للأمور لأنه لا يدرك أن لكل ظاهرة مستويات من العمق, وهو يكتفي بالمستويات السطحية التي تشكل عادة قناعا يخفي الحقيقة, وهو من ثم يقوم بإطلاق الأحكام القطعية والنهائية بشكل مضلل, وهو إضافة لذلك يتميز بانعدام المثابرة فهو ينطلق بحماس كبير, ولكنه يفقد حماسه بالسرعة نفسها, ويتميز الفكر المتخلف أيضا بانعدام الدقة والضبط وكل شيء يظل على مستوى التفكير الإجمالي والانطباع العام, كل ما سبق يؤدي إلى العجز عن التخطيط للمستقبل, الذي نرى افقه ضيقا عند الإنسان المتخلف, أما ضعف الفكر الجدلي فهو لب الذهنية المتخلفة, فهي جامدة قطعية وحيدة الجانب تخفق في إدراك الترابط والتفاعل الشبكي بين الظواهر وما ينتج عنه من حركية وتغير.

2ـ الخصائص الذهنية الانفعالية : أن طغيان الانفعالات وما يرافقها من نكوص على مستوى العقلانية ظاهرة مألوفة في الأزمات, ولكنها عند الإنسان المتخلف تكاد تكون الأسلوب الأساسي في الوجود, انه يعيش في حالة من التوتر الانفعالي الذي يعبث في ثنايا شخصيته معطلا القدرة على الحكم الموضوعي والنظرة العقلانية للأمور, أن العجز عن التصدي العقلاني الموضوعي للمشكلات والأزمات الحياتية يدفع بالمرء إلى النكوص إلى المستوى الخرافي, إلى الحلول السحرية والغيبية, إلى الإرهاب باعتباره واجبا مقدسا أو حلا قسريا للأزمة النفسية !!!!.

وعلى خلفية بعض المسلمات السيكولوجية المذكورة يثير الإرهاب في العراق وعملياته وماذا يستهدف الكثير من التساؤلات والحيرة والتأمل في أوساط الكتاب والسياسيين والصحفيين والمتخصصين بشؤون الإرهاب وبالشأن العراقي بشكل خاص, إلا أن هناك تصور ايجابي يلوح في الأفق من أن الإرهاب بنسخته العراقية يكاد يختلف عن الإرهاب الدولي بزعامة القاعدة في الكثير من وجهوه وأهدافه وطبيعته وقواه المنفذة, على الرغم من أن رموزه الانتحارية المنفذة تدعي الانتماء إلى القاعدة ـ ووليدها داعش فرع العراق, الأمر الذي يسهل الإمساك بخيوطه على طريق معالجته والقضاء عليه.

أن المعطيات الميدانية تشير إلى أن الإرهاب العراقي يمكن التحكم فيه, وهو ذو أهداف سياسية موضعية بحتة, ترتبط بشكل خاص بالبيئة السياسية العراقية الحاضنة له, رغم التمويل والإسناد من دول الجوار أو من دعم ومؤازرة تنظيم القاعدة الدولي, وان دليل ارتباطه وثيقا بالبيئة العراقية هو فترات المد والجزر في العمليات الإرهابية, والتي تكاد تختفي كليا في بعض مناطق العراق, والتي ارتبطت أساسا بطبيعة الصفقات السياسية في تداول الحكم في العراق, والتي أخذت هي الأخرى طابع الشد والاسترخاء, والتي كادت تصل إلى حد المطابقة مع العمليات الإرهابية في علاقة ارتباطيه عكسية فحواها : "كلما حصل الانفراج السياسي ضعفت العمليات الإرهابية وبالعكس", أي بمعنى آخر أكثر وضوحا أن للعملية السياسية الديمقراطية في العراق ذيول ترتبط مع المنظمات الإرهابية ذات الطابع العراقي البحت " وهي من مفارقات الديمقراطية العراقية ", وهو مخالف بالتأكيد لأعراف تنظيم القاعدة الدولي الذي لا يعرف الصفقات السياسية والمساومات أو التحالفات المؤقتة مع المخالف الديني أو السياسي بفعل ارتباطه بأهداف لاهوتية كونية تأخذ من تكفير الأخر الديني والطائفي والمذهبي والسياسي هدفا تدميريا لها باختلاف خصوصية المكان وتفاعلات السياسة هنا وهناك !!!.

أن الاختلاف الجوهري والأساسي بين تنظيم القاعدة الدولي والقاعدة الداعشية العراقية يستند إلى حيثيات كثيرة, لعل أبرزها أن " القاعدة الداعشية العراقية " إذا قصدنا بها كتنظيم إرهابي وليست كفرع من القاعدة الدولية, فهي تضم كل ألوان التنظيمات الإرهابية أو التنظيمات السياسية ذات الأجنحة المسلحة الممولة والمخترقة من دول الجوار, والمخترقة أيضا من فلول النظام السابق ذو القدرة والخبرة العسكرية واللوجستية في تنفيذ العمليات الإرهابية وذو المقدرة الاستثنائية والفريدة في خلط الأوراق واختراق النسيج الاجتماعي العراقي عبر عمليات نوعية تثير الاحتقان الديني والطائفي والعرقي, ومستندة إلى الإرث اللااخلاقي والبغيض للنظام السابق في إبقاء " العراق أرضا بدون شعب ", وليست بالضرورة أن يكون المنفذ للعمليات الإرهابية بعثي معروفا بانتمائه التقليدي لحزب البعث, لا بل قد يكون المنفذ من منظومة أحزاب الإسلام السياسي وطوائفه المختلفة مستندة إلى التلوث ألقيمي والفكري لكلا الجانبين والتي يجمعها مشترك إقصاء الأخر المغاير في الهوية الدينية أو السياسية, إلى جانب أن الكثير من الأحزاب ذات الصبغة التدينية تنفذ أجندة خارجية تستهدف تقسيم العراق وشعبه والعبث في جغرافيته السياسية والدينية والاثنية وتتقاطع أجندتها ضمنا مع فلول النظام السابق في العبث في الاستقرار بأي ثمن, ولذلك تلجأ هذه القوى إلى الإرهاب كآلية للوصول إلى الأهداف عبر تشتيت مكوناته الدينية والاثنية وخلق حالة الجزع النفسي والفكري وصولا إلى اقتناع الفئات المتضررة من الإرهاب بضرورة ترك العراق,ولكي يخلو الدار إلى المتصارعين الثيران الكبار من طوائف ومذاهب اسلاموية وأثنيات متعصبة !!!.

أن كل متابع للمشهد السياسي العراق لم يرى في " القاعدة العراقية الداعشية " إلا كونها الذراع المسلح للبرلمان العراقي, فهي تنطلق فورا في عملياتها الجبانة حال انفراط عقد السياسة في قبة البرلمان لتوغل في العنف وإراقة الدماء ولتحقيق أجندتها عبر التهديد والوعيد. أن العمليات الإرهابية في العراق تنسجم كثيرا مع رؤى البروفسور بروس هوفمان في قوله : " إن الإرهاب هو الخلق المتعمد للخوف واستغلاله في تحقيق التغير السياسي , وبالتالي فهو دون شك شكل من أشكال الحرب النفسية ", ويؤكد أيضا أن الناس كثيرا ما يتعرضون للقتل والإصابات المأساوية في هجمات الإرهابيين, إلا أن الإرهاب بطبيعته يرمي لأحداث آثار نفسية بعيدة المدى بشكل يتجاوز الضحية أو الضحايا المباشرين وما استهدفه عنفهم, فالإرهاب يرمي إلى غرس الخوف في داخل النفوس وبالتالي إلى إرهاب المجموعة التي يستهدفها الإرهابيون وللتأثير على سلوكها. أن الإرهاب في العراق يجسد هذا النمط من التصور للفعل الإرهابي في محاولة لإعادة بناء التحالفات السياسية وفق أجندة خارجية وداخلية وفي ظل ظروف غياب ملموس لسلطة الدولة والقضاء العادل وضعف الممارسة الديمقراطية, يقابلها في الطرف الآخر مواطنا مخترق في الأمن والخدمات والعيش الكريم !!!.

وتبقى تفجيرات كرادة بغداد من المؤشرات الخطيرة للتدهور الامني في ظل سعي القوات العراقية بكل صنوفها لتحرير الفلوجة بالكامل سعيا الى تحرير الموصل, ولكن بالتأكيد فأن التحرير الشامل للتراب العراقي اذا لم يرتبط برؤى استراتيحية لتجفيف منابع الارهاب سيبقى ناقصا وتبقى الاحتمالات لعودة الاسوء من داعش باقية !!!.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 04-07-2016     عدد القراء :  3210       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced