لم أصدقني حينما شعرت بالنعاس قبل مرور ساعتين او اكثر من منتصف الليل ، واستجبت بغبطة لسلطان النوم لاصحو بعد ثلاث ساعات مكتفية بهذا القدر من جرعة نوم لم يسممها كابوس او حلم مزعج ، وبعد تقلب لم ينفع معه العودة الى هذا السلطان الذي طردني من مملكته، ولا خيار لدي سوى صندوق الدنيا العجيب والذي يتنقل بي بلمسة إصبع حيث أشاء ومن فضائية إلى أخرى ومن موضوع إلى سواه إذ كانت قناة الجزيرة تقدم برنامجاً شيقاً عن الساعة البايولوجية والنوم وعلاقته بأمراض السرطان وبحوث بهذا الصدد وقد تمكنت من مشاهدة بعضه، أما الشرقية فكانت نشرتها الإخبارية دسمة، يتصدرها موضوع بئر الفكة والسطو الإيراني عليه وما رافق الحدث من تظاهرات شجب وإعتراض وكانت أغنية (هـَـ يا أهل العمارة هاي أجمل بشارة) ولا أدري أية بشارة تعني هذه القناة ومن يقف خلف كواليسها ؟؟؟؟ بالتأكيد نقلتني هذه الأغنية إلى زمن الحرب العراقية الإيرانية بما تحمله من ذكريات الدم والموت والدمار وما خلفته من آثار على الشعب العراقي ، وكانت هذه الأغنية إشارة واضحة لما أشيع عن (إحتفاظ ) الشرقية بارشيف التلفزيون والإذاعة العراقية حيث حصلت عليه بطريقة (التحوسم) ، وعودة إلى التظاهرات أو المظاهرات فهي كانت لعراقيين متوجعين بالتأكيد من هذا الفعل المشين لإيران، ولكن بئر الفكة في كفة وعدد معاقي العراق أو ذوي الإحتياجات الخاصة في الكفة الأخرى وبالتأكيد معظمهم معاقي الحرب والذي تكلم باسمهم واحد من المتظاهرين من على كراسيهم المتحركة وقد ذكر مصرحاً عن عددهم في العراق والرقم المذهل( 3000000) !!! وكانت إهزوجتهم تقول :ودونه للفكة نحارب.....!!! لحظتها كانت أرقام الأرامل والأيتام المليونية تضاف إلى هذا الرقم المهول في رأسي وانتابني خليط مشاعرغريب أبكاني وأضحكني معاً تماشياً مع القول المأثور وشر البلية ما يضحك !!
وبقيت أحدث نفسي وأسألها ، هل نحن شعب لا يقدر أن يعيش من دون حرب ؟ واستمر شريط الشجب الإخباري ليظهر أمامي عدد من الشباب يتقدمهم شاب في مقتبل العمر (بتسريحة شعر حديثة ) وهو يقرأ من قصاصة ورق بين يديه مقاطع ركيكة يبدو أنه قد كتبها على عجالة ليختمها (وها خوتي ها وها خوتي ها) ، ولكي لا أضيف لغضبي غضباً ضغطت بإصبعي على مصباح علاء الدين الذي بين يدي ليسافر بي إلى وجهة أخرى ، فلم أفلح في متابعة محمد علي الزين والذي كان برنامجه في اللحظات الأخيرة منه ، وبحركة لا إرادية لإصبعي إنتقلت إلى فضائية شدتني بها صورة طفل ربما في العاشرة من العمر متشحاً ومتعصباً بالسواد وقد تربع على منبر مغطى بقماش زاهٍ بإخضراره ،ومن حوله يجلس عدد من الأولاد منصتين له ومطرقين حزناً وقررت أن أسمع ما يقول هذا الصبي في جلسته هذه ، وكانت حكاية العجوز التي حبست الهرة وتركتها من دون ماء وطعام فكان مصير العجوز النار بسبب هذا السلوك اللا إنساني وهذا شيء جميل أن يتعلم الصغار الرفق بالحيوان وبالإنسان وبالطبيعة كلها ، رغم أن النار مرعبة حين تحضر كرادع من أجل تقويم السلوك، واستمر الطفل يتكلم عن عطش الطفل الرضيع وطريقة مقتله المثقلة بالأسى والدمع ، وكان يكرر خلال حديثه جملة معينة تقول نصاً: لا تمنع الماء على أحد....لا تمنع الماء على أحد.....
وصية هذا الصبي أدخلتني في أفلاك تشبيه ومقارنات ، حيث رأيت إيران قد أضحت حرملة وأن العراق بزرعه وضرعه ونفطه وكوارثه البيئية هو الطفل الذي أرداه العطش قتيلاً إذ قطعت أوردته بسهامها ومنعت عنه الماء . وبهذه المقارنة (الزمكانية) تيقنت أن لا دور للدين الذي تتخذه إيران إسماً لدولتها حيث الجمهورية الإسلامية ، وإزداد يقيني من أن هذه الجارة ستبقى كما سابق عهدها ساسانية الهوى تضمر كراهية للعراق وأهله وتبدو بلبوس تقوى مهلهل يكشف عورتها الأخلاقية والتي لا يمكن لكل أوراق أشجار التوت من سترها .
أغلقت التلفاز بعد أن بدأ الصبي ومن معه باللطم وقراءة الرثائيات وتوجهت للحاسوب لأفرغ غيظي على وجهه ، وما لهذا المسكين غير القبول....... .
كتب بتأريخ : الخميس 24-12-2009
عدد القراء : 2478
عدد التعليقات : 0