أدرجت لجنة التراث العالمي التابعة لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو) في اجتماعها الذي عقد في مدينة اسطنبول، يوم الاحد 17 تموز 2016، الأهوار والمناطق الأثرية في العراق في لائحة التراث العالمي. وضمت قائمة المدن العراقية السومرية الاثرية أور وأريدو وأوروك. وشملت قائمة الاهوار، الأهوار الوسطى والحمّار الشرقي والغربي وهور الحويزة. وكانت منظمة اليونسكو قد ضمت على مدى تاريخ العراق سابقا اربعة مواقع فقط وهي اشور وسامراء والحضر وقلعة اربيل.
وتم إدراج هذه المدن والمناطق في لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونسكو بعد العشرات من الحملات والمذكرات والنداءات التي قامت بها الجهات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني عراقيا وعالميا مطالبة منظمة اليونسكو ورئيستها إيرينا بوكوفا بإدراج الاهوار ومدن العراق الاثرية الى قائمة التراث الانساني العالمي. وافاد بيان اليونسكو ان “الاهوار العراقية فريدة من نوعها باعتبارها واحدة من أكبر المسطحات المائية الداخلية في العالم في بيئة جافة وشديدة الحرارة".
والأهوار مساحات مائية غنية بالنباتات الطبيعية والأسماك والطيور تحاذي مدن العمارة والناصرية والبصرة وتقدر مساحتها بنحو 20 ألف كم مربع وتعد مركزا مهما في المحافظة لتوازن البيئة. وتشير الدراسات والبحوث التاريخية والأثرية الى أن الأهوار هي المكان الذي ظهر فيه السومريين وحضاراتهم. وتعد الاهوار نقطة استراحة وتوقف لآلاف الطيور المهاجرة بين سيبيريا وأفريقيا. والبعض يعتقد انها جنة عدن التاريخية.
وقام نظام صدام بجريمة بيئية لا تغتفر بتجفيف الاهوار بين عامي 1980 و1988، وبعد سقوط نظامه قام السكان بتدمير الكثير من السدود للسماح باندفاع المياه مرة أخرى، وساهمت منظمات بيئية خارجية في بث الحياة مرة أخرى في الأهوار.
وصوت على قرار اليونسكو الى جانب العراق كل من دول (الكويت ولبنان وإيران وفرنسا وكازاخستان وفنلندا واندونيسيا والبرتغال وتونس وتنزانيا وفيتنام واليابان والبيرو). واعترضت تركيا معللة اسباب الاعتراض الى صعوبة وتأثير توزيع الحصص المائية. مع العلم أن تركيا وسوريا وإيران قد خفضتا حصص المياه العراقية من نهري دجلة والفرات وتوابعهما الى حد كبير، مما أدى وسيؤدي الى كوارث اقتصادية وزراعية وصحية وبيئية على العراق.
وجاء هذه القرار كومضة أمل يحتاجها العراق والعراقيين في هذه الاوقات الصعبة التي يمر بها البلد في حربه ضد الارهاب ومفخخاته. وانعكس هذا الفرح في كتابات العراقيين في كل انحاء العالم عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإلكترونية والاحتفالات في المحافظات والمدن العراقية وخاصة محافظة ذي قار.
ويلزم هذا القرار التاريخي منظمة اليونسكو بحماية وتطوير هذه المناطق وضمان ادامتها.
فبالنسبة للأهوار، اليونسكو ملزمة بحماية البيئة، وتوفير المياه لإدامة التنوع البيئي في المنطقة، وتوفير الخبرات والاموال لإعادة الاهوار الى جمالها وتنوع حياتها الطبيعة والحيوانية. وتشجيع عودة سكانها الاصليين. واصبحت المنطقة خاضعة للرقابة العالمية ولا يحق على أي دولة او حكومة التجاوز عليها.
اما بالنسبة للمدن الاثرية فنفس القوانين تطبق عليها، وتتعهد اليونسكو بحمايتها ومنع التنقيبات الغير قانونية فيها، ومنع سرقة الاثار منها، ومنع تغيير معالمها الاثرية والتراثية.
اما أهم كسب للعراق فهو إدراج الاهوار والمدن الاثرية في لائحة المواقع السياحية العالمية، مما سيدر على العراق موارد مالية ضخمة ممكن أن تضاهي موارد النفط والسياحة الدينية. وتفتح العراق الى العالم، فحضارة العراق واثارها من أقدم حضارات العالم، والملايين في انحاء المعمورة يتوقون لزيارتها والاستمتاع بتاريخها وجمالها.
ولكن ... الكرة الان في ملعب الحكومة العراقية ومجالس المحافظات والمدن المحيطة بهذه المناطق الاثرية،
فعلى الحكومة العراقية البدء بمشروع طموح واسع بالاستعانة بالخبرات العالمية لبناء بنية تحتية متطورة، تشمل المواصلات، والمناطق والمراكز السياحية، والاقامة والخدمات والامن، لتسهيل الوصول وزيارة تلك المناطق من قبل مئات الالاف من السياح من داخل وخارج الوطن.
على الحكومة العراقية ان تبني ثقافة سياحية متطورة في كل انحاء العراق عن طريق تهيئة الكادر الاساسي والتثقيف بأهمية تراثنا وحضارتنا التي هي جزء من التراث الانساني العالمي، وربما يجب ان تبدأ بأطفالنا والمراحل الدراسية الاولية لنعلمهم ان يكوموا فخورين بتاريخهم ووطنهم، وطن مهد الحضارات.
ولكن ... الاهم من ذلك، علينا ان نتعامل من هذا التراث الحضاري كجزء من تاريخنا كشعب، ولا نخضع هذه المناطق الى الصراعات الطائفية والحزبية.
كذلك سيقام في هذه المناطق مشاريع ضخمة سيكلف انجازها ملايين الدولارات، فنتمنى ان لا يكون الفساد جزأ من الصورة.
وأخيرا، هذه فرصة نادرة ربما لن تمر مرة اخرى لأجيال قادمة، نتمنى عدم اضاعتها كما ضاعت العشرات من الفرص على شعبنا قبلها.
يا حكومتنا الرصينة، لقد بددتم معظم احلامنا وآمالنا، فهل بالإمكان تحقيق حلم واحد أخير لهذا الشعب؟
نبيل رومايا
18 تموز 2016