ضرورة توفير البنية الثقافية لمجتمع مدني – عصري
بقلم : جاسم المطير
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

دعا المؤتمر العاشر للحزب الشيوعي العراقي بأحد نداءاته - بعد انتهاء اعماله في ديسمبر 2016 - المثقفين العراقيين الى (السعي معا لتكريس الرؤية السليمة الى الثقافة والعلم كونهما وسيلة لارتقاء الانسان روحياً وفكرياً ، وشرطاً لأنسنة المجتمع وتحقيق نهضته المطلوبة).

كما دعا الى( عمل مشترك متعاضد لإقامة مشروع ثقافي وطني، انساني النزعة، وديمقراطي المحتوى، يكون حاضنة لكل التيارات الداعية الى بلورة هوية وطنية منفتحة متجددة، تحترم التعددية الثقافية والفكرية، يداً بيد على طريق الحرية والنور والعلم والجمال).

تُرى هل أن وضع اليد الثقافية فوق اليد الأخرى على طريق الحرية و النور والعلم والجمال بهذه (الدعوة السليمة) للوصول إلى (الرؤية السليمة) يعني ،مثلاً، أن يدرس المثقفون العراقيون أو أن يعيدوا دراسة أوديسة هوميروس ومسرحية ايسخولوس ويوربيدس وارستوفان أو مسرحيات شكسبير..؟ هل يعني اعادة دراسة ادبيات لينين وستالين وتولستوي وديستويفسكي ومكسيم غوركي وكارل ماركس وارسطو وهيغل وابن رشد وابن خلدون وعلي الوردي والجاحظ والفارابي والمعري ..؟ هل يعني ان الحزب يدعو الشعراء والادباء الى اعادة دراسة نظرية طه حسين عن الشعر الجاهلي وما قدمه ويقدمه باحثون في العصر الراهن ممن رحلوا من امثال علي عبد الرازق وحامد نصر ابو زيد و ابكار السقاف وفرج فودة وغيرهم ممن هم على قيد الحياة الذين افادوا وعمقوا أساليب البحث العربي منطلقين من اعماق عقولهم في العلم والدرس ..؟

نعم .. ربما كان المؤتمر العاشر يضمّن دعوته ،حقاً، الى عدم اهمال الانتقال الثقافي في الماضي لمعرفة الحاضر، ثم الانتقال الى المستقبل. اظن شخصيا ان الشيء المقصود في نداء أو دعوة المؤتمر هو التركيز على احدى الحقائق الاكثر إلحاحاً تتعلق بأن وضع العراق يحتاج الى ثقافة عميقة، الى رؤية ثقافية مدروسة. يحتاج الى مثقفين من الخط اليساري يفهمون أدب الامة العراقية بالماضي والحاضر والمستقبل، مثقفين يحيطون بالتاريخ السياسي والبيئة الجغرافية والموروث الحضاري والفني، يعرفون عبقرية اللغة العربية ،الفصحى والعامية، يتابعون خصائص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والمعتقدات الدينية وأعراف الناس العراقيين في العمل والزواج والتجارة والاقتصاد . أي اننا بحاجة في هذا الزمان الى ثقافة معلوماتية ليست اعتيادية، بل الى ثقافة استثنائية مدهشة، يعني الى ذاكرة ثقافية متميزة قادرة على الادهاش العلمي – الادبي – الفني في بحثها عن المعارف المتعلقة بوادي الرافدين، بمعنى الكف والابتعاد عن الببغاوية الثقافية وعن تقليد الموديلات الثقافية، خاصة وأن الجيل الجديد من المثقفين (كتاب وصحفيين وادباء ومهندسين وفنانين تشكيليين وموسيقيين وجيولوجيين وزراعيين واطباء وعلماء فيزياء وكيمياء وعلماء اجتماع وغيرهم) وجدوا انفسهم مع مطلع القرن الجديد القرة الــ21 انهم امام مجموعة هائلة من الاكاذيب تحيط بهم وبمجتمعهم وبدولتهم وبمؤسساتهم.

في اذار 2003 غزت بريطانيا والولايات المتحدة بلادنا بذريعة أن الدكتاتور صدام حسين يملك اسلحة دمار شامل ثم تبين ان العراق لا يملكه وأن الغزاة وحدهم يملكونه. قيل، بكذبة أخرى، عن عراق صدام حسين انه يأوي متشددي تنظيم القاعدة وانه جزء من جريمة 11 سبتمبر وتبين أن هذا القول لم يكن صحيحا ، لكن مما يثير العجب والغرابة ان العراق المحتل اصبح بعد الغزو يأوي انواعاً واصنافاً من التنظيمات الارهابية المتسترة وراء مقولات دينية، سلفية وغير سلفية . ثم قيل أن الغرب يريد ادخال الديمقراطية الى العراق فدخلت الطائفية بديلاً ، كان من نتائجها احتلال عصابات داعش لمساحات واسعة من اراضي العراق والعرب .

امريكا صارت كلمة ملازمة لكلمة (الخراب).. دخلت امريكا الى لبنان وصارت خرابا ،كما نتذكر جميعا أنها دخلت الى مصر وصارت خرابا.. ادخلت نفسها الى سوريا وصارت خرابا .. ادخلت انفها في ليبيا وصارت ليبيا خرابا.. ادخلت نفسها في اليمن والصومال وفي عدد من البلدان الافريقية وصارت كلها خرابا تماما مثلما ادخلت نفسها في بلادنا وصارت خرابا .

منذ يوم دخولها ،حتى اليوم، حدث ويحدث ما يلي:

* صدمات كبرى متتالية للشعب العراقي ولمثقفيه..

* رعب هائل .. وجرائم يومية أكثر هولاً..

* ذهول في الممارسات السياسية..

* انتشار سلطة رجال دين ونفوذ منظمات تتاجر بالدين الاسلامي لخداع الناس البسطاء والاميين .

* ظهور ازمات فردية وجماعية بطول البلاد وعرضها لن يسلم منها احد..

كل ذلك جرى ويجري بإحساس متعمق من الصداقة بين (الرأسمالية العالمية) و(الرأسماليين العراقيين) الذين ظهروا قبل 13 عاماً بتواطؤ تام بين كثير من قادة الدين والمتدينين ، حتى صارت الثقافة العراقية جراء ذلك تعاني ضيقا بالتنفس، بل بحاجة الى عملية جراحية كبرى مثل كل شيء بالعراق المعاصر يحتاج الى عملية جراحية.

هل يمكن اعتبار دعوة المؤتمر العاشر الى المثقفين العراقيين هي دعوة فحوصات طبية أو عملية جراحية..؟

بكل الاحوال هي نصيحة طبية تعني بحياة صحية لثقافة يراد ويتمنى لها أن تكون بحالة معنوية عالية لأن المثقفين الشيوعيين واصحابهم ليسوا غير جزءٍ من كلٍ، وجدوا انفسهم امام مهمة مواجهة العالم الحاضر من اجل مستقبل الاجيال المقبلة .

ينبغي للمثقف الشيوعي ان يكون قدوة بحضورٍ مفيدٍ شريفٍ صادقٍ، بخيالٍ واسعٍ وعقلٍ رصينٍ ووجدانٍ ينفذ الى بصر ومسامع ابناء شعبه اضافة الى توفير عناصر المتعة الثقافية في السينما والمسرح والتشكيل والفنون الاخرى، مثلما كان المثقفون الشيوعيون واصحابهم طيلة 82 عاما مضت قد قدموا الى الساحة الثقافية الوطنية اسماء ثقافية عظيمة مثل عبد الجبار وهبي ومحمود صبري وشمران الياسري ومحمد عبد الكريم المدرس والفريد سمعان وامينة الرحال ونزيهة الدليمي وفؤاد سالم وياسين النصير ويوسف العاني وزينب وابراهيم الحريري وناهدة الرماح ومظفر النواب وجلال الماشطة وكريم كاصد وسعود الناصري وعبد الجبار عبد الله وآلاف غيرهم ..

في مجتمعنا ،الآن، ظواهر كثيرة من الصراع الفكري في الجامعات والشوارع وساحات المظاهرات وفي البرلمان ومؤسسات الدولة والاحزاب وكل التجمعات ، بين الجماعات الدينية التعددية . صراع فكري ومنازعات ومجادلات تدور حول الديمقراطية وحول اسلوب ممارساتها وحول حقوق الانسان، العامة والخاصة .إلى جانب تعريفات واجتهادات ما انزل الله بها من سلطان يطلقها بعض رجال دين جهلة لا يعرفون الله حق معرفته، بل يتاجرون باسمه حول الحلال والحرام في المأكل والمشرب والملبس والاعتقاد .. كما نجد شعارات دينية جذابة، لكن نتيجتها تعصب عنيف وعنيف جداً، مما ادى الى انقسام الرأي بالمجتمع الى حد خطير حين انتقل الصراع نفسه الى البيت الواحد والى الاسرة الواحدة والى الكتلة البرلمانية الواحدة ،حيث نشاهد مرحلة جديدة من البحث عن اصول الدين والتدين بزمان سيطر فيه اميون وجهلة من الدواعش وما شاكلهم على جبهات واسعة في العراق غدوا فيها صناّع احداث يومية.

يقال ان ليون تروتسكي اقترح على ستالين في نهاية عشرينات القرن الماضي بأن يتم نصب شبكة اتصال تلفونية واسعة في الدولة السوفييتية الحديثة لكن ستالين رفض الفكرة باعتبارها خطوة الى وراء، قائلا : ( هل تريد مني ان اوفر بيدي اداة مضادة للثورة الاشتراكية..!). بعد حين اكتشف شيوعيو روسيا وجورجيا خطأ نظر ستالين وقوله .

أقول ، الان، ان الحزب الشيوعي العراقي خطى خطوتين الى امام ، غير أن هذه الخطوتين كانتا مصحوبتين - بنظر البعض من الشيوعيين - بخطوة الى وراء حين ضم (رفيقات محجبات) الى مؤتمره العاشر واستمع في حفل افتتاحه الى خطاب طيب من (رجل دين معمم) تضمن افكارا مرتبكة عن الدولة المدنية . اضافة الى ما سبق المؤتمر وما اعقبه من تنسيق اعمال المظاهرات مع كتلة دينية مثيرة لكثير من الجدل..! فهل يأتي يوم بالمستقبل يعلن فيه الشيوعيون ندما ..؟

دعا الحزب الشيوعي العراقي من منصة مؤتمره العاشر الى استثمار فوائد جميع ادوات الاتصالات لنشر افكار الحزب ومبادئه والافادة من جميع تكنولوجيا العصر الحديث وقد جاء نداء المؤتمر العاشر في ظل (ثورة عالمية) يشهدها الشيوعيون العراقيون مثل الناس جميعا بأنحاء العالم ،كله، بمطلع القرن الــ21 ، لكن هذه (الثورة العلمية العالمية) لم يتوقعها أو يتنبأ بها كارل ماركس بالقرن الــ19 ولا تروتسكي بالقرن الــ20 ولا افلاطون في اليونان القديمة.

ما يشهده العالم ،الآن، ثورة كبرى في المعلومات العقلية ،ثورة عظمى في شكل واتجاهات العلاقات الدولية ، ثورة واسعة في علاقات الدولة بالمواطنين وثورة عميقة في العلاقة بين (المواطنة) و(المؤسسة) ، بين (الإنسان) و(الدولة).

اكبر ثورة بالتاريخ تحدث (كثيراً) بالوقت الحاضر ، لكن فهم ما تنتجه يجب أن يكون (كثيراً) أيضاً .. هذا هو جوهر نداء المؤتمر العاشر بمعنى أن عقل الشيوعي العراقي الجديد ينبغي أن يكون أول الاصوات واعلاها في عصر كوابل الانترنت وثورة العلم والتكنولوجيا . صحيح أن هذه الثورة لم تحدث بسلاح العمال والفلاحين كما في ثورة اكتوبر وليست بثورة الغابات والجبال كما في ثورة فيدل كاسترو وليست مثل ثورة مأوتسي تونج وليست مثل الانقلاب الثوري المخطط كما في ثورة 14 تموز ، غير أنها ثورة من نوع جديد، ثورة عالمية شاملة، ثورة تحولت من العنف إلى ممارسات التسلية والتقاط الصور والدخول الى اعماق الطقوس الدينية والمعابد والمدن والانتاج والبيع والتسويق بما في ذلك الشيء المبتذل والسطحي والخيالي والرياضي وكل ما يتعلق بالمصانع والمزارع الكبرى والشركات التجارية وكل شيء اخر في مجالات العمل الرأسمالي المعاصر. صار الشيوعيون والثوريون في الزمان المعاصر بكل العالم لا يحملون السلاح انما يحملون جهاز موبايل ويعملون بالكومبيوتر لغرض اجراء التحول في العقل والثقافة أي في العلوم والابداع الثقافي.

الثورة الحالية هي ليست ثورة سلاح وقنبلة ومدفع، بل هي ثورة معلومات، ثورة تغييرات، ثورة تغيير حضاري (سريع جداً) وثورة تغيير ثقافي (سريع جداً) مثلما هي ثورة تغيير (سريع جداً) في ميادين التعدين والتصنيع والزراعة والبيع والشحن حتى اصبح الناس ،جميعاً، يميلون الى القول أن التغيير الثوري قد انسحبت وسائله من حد سلاح الثوار الى حدود سلاح العلم والتكنولوجيا المتطورين سلميا، بيد الرأسمالية العالمية ، وهما يشكلان مدّاً عارماً يهز بنى السلطة في العالم اجمع، في بلدان العالم المتقدم والمتخلف، بما في ذلك بلادنا العراقية.

أول معنى لهذا التغيير الثوري الدرامي أن المثقفين العراقيين واعني اليسار الثقافي اصبحوا الآن احرارا لكن ليس بالكامل. كما أن أول معنى هو أن الشيوعيين العراقيين لم يعودوا اسرى - من دون وعي - للثقافة الايديولوجية الشيوعية وتابعين أو مقلدين أو ناسخين للتجربة الاشتراكية السوفياتية وصويحباتها في دول أوربا الشرقية السابقة. كما أنهم واعين تماما كي لا يكونوا اسرى تجارب العولمة الغربية، الامريكية والأوربية، واسرى مفاهيمها الجديدة واساليبها من دون دراسة وتمحيص ووعي.

ما العمل..؟ ما العمل الثقافي المطلوب في زمان ما يسم بــ(الصحوة الاسلامية) وسيطرة (الاسلام السياسي) وفي زمان ظهور (السلفية الاسلامية) بصورة تنظيمات (داعش)..؟ إذاً ما هو اساس دعوة المؤتمر الشيوعي العراقي العاشر المناشد الشيوعيين والوطنيين والمثقفين العراقيين جميعا الى البحث عن وعي ثقافي جديد..؟

ما العمل في زمان زالت فيه الدكتاتورية الفردية العسكرية أو الايديولوجية البعثية الحاكمة المحمية بالسلاح بينما حلت محلها ميليشيات طائفية جاهلة ومسلحة ..؟ كيف يفكر المثقف العراقي والعربي في عصر يغتالون فيه الناشط الثقافي العراقي كامل شياع في العراق وشكري بلعيد بتونس ويقتلون فيه ناهض حتر بعمان ويهددون حياة سيد القمني في جمهورية مصر العربية وألاف اخرين بكل مكان في عصر الثورة العلمية – التكنولوجية ..؟

هل على المثقف العراقي أن يقتدي بالمفكر المصري سيد القمني حين تحلى بالجرأة المتناهية في محاضرته بالشهر الماضي في بروكسل إذ وضع كل ما يواجه عقل الأنسان العربي المعاصر امام التساؤل وحين دعا الى نزع التقديس عن كل شيء وكل فكر وكل كتاب ..؟ دعا الى مناقشة كل دين ارضي أو سماوي ، دعا الى تجريم الجامع الازهر بمصر باعتباره المولّد الاساسي لتنظيم الارهاب العربي والدولي..

هل على المثقف العراقي أن يقتدي بالقيم التي ينادي بها المفكر احمد القبانجي الخائف من بغداد اللاجئ الى جبال كردستان أو بالقيم التي ينادي بها السياسي – المثقف اياد جمال الدين ..؟

كل من القبانجي وجمال الدين انبثقا من اعماق الفكر الديني ليناقشا خصائص الفكر التاريخي والبناء الايديولوجي الديني ، مثلما يناقشها عدد من المثقفين العراقيين من داخل واعماق الوسط الديمقراطي العراقي من امثال عالم الاجتماع الدكتور فالح عبد الجبار أو المؤرخ الدكتور سيار الجميل أو الكاتب الدكتور فارس كمال نظمي وغيرهم.

الثقافة التي نحن بحاجة اليها هي ثقافة قابلة وقادرة على التحول من (ثقافة أنا) الى (ثقافة انت) ومن ثم إلى ( ثقافة انتم)( تضع لتوجيه عملها، كله، من اجل مصلحة المجموع الشعبي . ليس من الصحيح تقديس ثقافة زمان مضى ولا تقديس ثقافة زمان آت، بل التركيز على ثقافة الجمال الانساني والعقل الانساني باعتبارها رمزاً رائعاً يسهم بعملية استمرار دوام الحياة الانسانية على اساس حق كل انسان الحصول على اجوبة لأسئلة (متى) و(كيف) و(لماذا) و(ماذا) و(أين) و(هل) ، وكل سؤال اخر يوفر جوابا من السعادة أو المعرفة.

اصحاب الافكار المقدسة والفرد المقدس والايديولوجيا المقدسة سلبوا مثقفي الماضي والحاضر كل روح ابداعية انسانية وهم يحاربون الثقافة والمثقفين بأسلحة (الشياطين) ويدّعون انها اسلحة (الملائكة) ليحولوا المثقفين الى ناقلي مفاهيم قديمة من جيل الى جيل ، حتى ظلت ثقافتنا غير قادرة على مواصلة النقاش لأنهم رهنوا النقاش بنوع من القدسية ولا تقوم على دراسة المفاهيم السائدة بين اكثرية الشعب على أساس من الحرية والديمقراطية لأن الحكام الرأسماليين العراقيين مثل الرأسماليين السعوديين والقطريين والايرانيين هم رأسماليون إسلاميون قامت افكارهم وسلطتهم وتقوم على مفاهيم مقدسة..!

المثقف أي مثقف يحتاج دائما الى دراسة وفهم ومعرفة القيم الثقافية السائدة على اساس (الاختبار الذاتي) وليس على (النقل الذاتي) لأن الاختبار هو الذي يجعل المثقف واقفا مرئيا امام الجميع ، مبدعا حقاً، قادراً فعلاً، على ممارسة الفكر النقدي الحقيقي ليس بمعنى رفض أو دحر كل فكر، ديني وغير ديني، وليس الاستعلاء على الفكر الغربي، ديمقراطي أو ليبرالي، بل بالاختبار والاختيار على اساس ظروفنا الخاصة، ظروفنا الوطنية الخاصة وظروفنا الشعبية الخاصة .

الظروف العراقية الخاصة تعقدت كثيراً منذ عام 2003 بظهور محن جديدة وشديدة. غاب عن بلادنا كل شيء فيه متعة وسعادة وفرح وانتاجية. اقيمت اعمدة دينية جديدة ومدت الطائفية نفسها امتداداً قوياً على الالواح العشائرية. صار صاحب المال الوفير أو العقار الكثير أو من يملك قناة تلفزيونية أو حامل لقب ديني، يترجى السيطرة والنفوذ والزعامة، يريد اجتذاب روح الشعب بالانتخابات البرلمانية.. هدفه الاساسي أن يفتح باب النعمة الشخصية بأوسع مجالاته، خادعاً الناس البسطاء باللطم والتطبير والسير على القدمين للوصول الى شباك التذاكر لحجز بطاقة الدخول الى الجنة مثلما يتم خداع داعش لنوع آخر من بسطاء الناس للدخول الى الجنة بوساطة المفخخات والانتحارات.

زحام مائج هائج في العراق المعاصر يجر الناس الى الجهل والى العمى من اجل النفاذ من مضيق الارض والسماء بقصد ضمان الدخول الى الجنة. هذا هو هدف الثقافة الدينية والمثقف السياسي النفعي في المرحلة الحالية ،حيث الوقوف بوجه الديمقراطية الحقيقية وتطبيقاتها بمؤسسات الدولة والمجتمع. الاسلاميون السياسيون يسعون إلى فرض السلطة الدينية على المؤسسات الحكومية والاجتماعية. لا ينمون الثقافة بل يخنقونها بسلطتهم الدينية وبرلمانهم ودولتهم واحزابهم ، يقومون بتنمية الحاجة الى التملق و الريبة والحسد والخوف، خصوصا اذا ما ارتبطت سلطة رجال الدين ورجال العشيرة برباط واحد ، إذ تتغلب عادات القرون الوسطى وفي مقدمتها الأمر بالموت من دون محاكم.

كل ثقافة ديمقراطية انسانية يقابلها وحش ليس فقط وحش داعش انما (الوحش) كامن ببطن (الرأسمالية الاسلامية) المنتعشة منذ عام 2003.. هذا الوحش لا يريد ايجاد الحل في الازمة العراقية الحالية ،بل هدفه الاول تحقيق اندماج الرأسمالية العراقية بالرأسمالية العالمية والاقليمية.

ماذا اراد ويريد نداء المؤتمر العاشر من المثقفين العراقيين ..؟ بكل تأكيد يريد ان لا ينقفل وعي الانسان العراقي، يريد ان لا تنحرف عجلة عربة المثقفين ، يريد من الشيوعيين ان يقوموا بنشر وسائل الوعي على اوسع نطاق وعدم حصره داخل الحزب.. يريد حماسا للثقافة الديمقراطية .. يريد اعادة النظر في قراءة ماركسية متجددة دائما لأحداث بلادنا وواقعها ومستقبلها بعيدا عن اساليب العداء للآخر ولا بتفكير مجمد و بأقوال مسبقة لكي لا يكون الحزب الشيوعي قلعة مغلقة، بل بابا مفتوحا على المستقبل.

ليس من سبيل لتحقيق كل ما تقدم غير ان تكون الثقافة العلمانية هي جوهر التفكير والتطبيق الديمقراطي ببلادنا لان العلمانية هي صميم العقل الثقافي في العصر الراهن.

ـــــــــــــــــــــــــ

بصرة لاهاي في 22 – 12 – 2016

  كتب بتأريخ :  السبت 24-12-2016     عدد القراء :  1851       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced