جلس ولدي القرفصاء على كرسي بمقابلتي، وأنا منشغلة بإعداد غداء العيد من أمعاء الماشية، في الحقيقة لم أكن منتبهة إلى إنشداده بالنظر لي، إلا حين سألني :
- ماما تعرفين أنا أريد أتعلم هذه الأكلة؟؟
وحين سألته وأنا أضحك في سري من رغبته هذه :
- ليش تريد تتعلمهه ماما
أجابني بكل البراءة والصدق :
- حته اسويهه لأولادي
ولكي أستفز مشاعره أكثر، قلت له مُناكدة
- أنت تعيش في بلاد غريبة، وأهلها لا يعرفون طعامنا هذا، فكيف تصنعه لأولادك؟
ومن قال لك من أنني سأبقى هنا؟
ضحكت بصوت عال، لعد وين تريد تعيش ؟؟
- لا ماما مو آني راح أتزوج بالعراق، لان من أتخرج طبيب راح اشتغل هناك حتى أعالج المرضى
وقبل أن يـُكمل جملته، أحسست بثقل الدمع على أجفاني، ربما فرحا ًوربما حزناً.
فرحا ً، لأنه أعادني إلى تلك الأحلام التي ترافقني دائما في العودة إلى وطني، والعمل مع الجميع من أجل أن تتفتح كل الورود في حدائقه، ومن أجل أن يضم وطني بين جناحيه كل طيوره المهاجرة، وأنا بالطبع منهم، فأعود إلى بيتنا، وألتقي بجيراننا الذين هم أهلنا، وتعود بنا الأيام إلى سالف عهدنا بتلك الطيبة وتلك المودة.
أبحث عن أثر لأخي المفقود، مثلما أبحث عن قبر لوالدي الشهيد، أو في الحقيقة أبحث عني، أنا العراقية التي ضيعتها الغربة بين دروبها، أريد أن أجد نفسي كامرأة، وهل يستطيع الإنسان أن يجد نفسه، بعيداً عن تأريخ طفولته وصباه ؟؟ فالغربة لا تحمل تأريخ طفولتي، ولا تحمل تأريخ صباي.
ولكن ستبقى أحلامي قائمة، مادمت أحمل قلبا، لا تعرف نغمات خفقانه غير العراق، وستبقى أمنيات ولدي مؤجلة، إلى حين أن يكبر، ويكبر العراق معه.
كتب بتأريخ : الخميس 31-12-2009
عدد القراء : 2377
عدد التعليقات : 0