بـمَ تبشّر التعديلات..؟
بقلم : د. لاهاي عبد الحسين
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

لا يختلف الناس على القبول بالأهداف البعيدة والنهائية المصمّمة لحماية الجماعة من قبل من يدّعي القيام بأمرها. فالحماية هدف نبيل وهو سيد الأهداف في أي مجتمع بشري، ولكن أي نوع من الحماية وأيّ جماعة، ما إسمها وما عنوانها! هل يجوز تقسيم المجتمع الواحد، مجتمع المواطنة الذي يفترض أنْ يقوم على منظومة قوانين موحَدة وموحِدة إلى جماعات يُسعى إلى حمايتها من خلال فتح باب اختيار مرجعيات دينية وفقهية متعددة ومتخالفة وكيف يكون الطريق لحماية الجماعة بهذه الحالة!

سيكون لزاماً ترك الأمر لأكثر من مرجعية تضع الجماعات في قواقع مغلقة تغترب إحداها عن الأخرى وتخاف منها وتستهجنها. الحماية هي الحجة التي تعلق بها دعاة التعديلات المصوّت عليها أولياً والمستدخلة على قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي والتي جرت في ظل ظروف تجاوزت فيها رئاسة المجلس عدداً من قواعد التصويت المتفق عليها بحسب النظام الداخلي، وفي مقدمتها اكتمال النصاب وإعطاء الوقت الكافي للأعضاء لدراسة التعديلات والامتناع عن الاستماع إلى اعتراضات عدد من النواب ممن ينتمون إلى كتل سياسية متنوعة منها الديني والمدني على حد سواء.

ونعود إلى الحماية لنتساءل عن مدى الإدراك لخطورة الجوانب الاجتماعية التي لم تحظ بما تستحق من الاهتمام وبخاصة ما ارتبط منها بظاهرتين تصاعدتا في السنوات الأخيرة لتسلب الأولى منهما حياة العشرات من الشباب العراقي ذكوراً وإناثاً من خلال الانتحار، وتقض الثانية مضاجع الشباب أيضاً من ذكور وإناث ببدء حياة جديدة واعدة بمستقبل آمن وسعيد من خلال الطلاق المبكر. هل هناك ما هو أهم من حماية الجماعة من آفتي الانتحار والطلاق اللتين تعصفان بالشباب العراقي اليوم، على وجه التعيين! هذا ما غفله دعاة التعديلات والداعمين لها ممن لم يجدوا ما يبررون به حماستهم لدعم التعديلات غير تكرار فكرة حماية الجماعة والسؤال كيف سيصار إلى الحماية وتحت أي ظروف مجتمعية!.

تذكر المفوضية العليا لحقوق الإنسان في العراق أنّه تم تسجيل (439) حالة انتحار عام 2013 فيما تؤكد لجنة حقوق الإنسان النيابية أنّه تمّ تسجيل (700) حالة انتحار لعام 2014. وتلاحظ اللجنة النيابية أيضاً، أنّ حالات الانتحار في العراق ارتفعت بنسبة 60% خلال عامي 2013 – 2014، أرتكب معظمها من قبل نساء ورجال شباب. يشار في الغالب لتفسير مثل هذه الحالات إلى عوامل نفسية كالكآبة والحزن وفقدان الشعور بالأمل، كما يشار إلى التطرق إلى أسباب اقتصادية ومشاكل اجتماعية لا حصر لها.

في دراسة اجتماعية غير منشورة أجرتها الباحثة "نجلاء كامل" حول الانتحار لدى النساء في مدينة الصدر عام 2016 تبيّن أنّ أعمار غالبية النساء المنتحرات في عيّنة تكونت من مئة إمرأة تراوحت بين 20 – 30 سنة وأنّهن ممن تلقين تعليماً واطئاً. وعلى الضد مما هو متعارف عليه حيث يسود الاعتقاد بأنّ الانتحار يحصل عادة لدى العزّاب من غير المتزوجين بمعدلات أعلى في الغالب من المتزوجين، فقد تبيّن أنّ هؤلاء النساء متزوجات وأنّهن أقمن في بيت أهل الزوج ومضى على زواجهن بضع سنوات، الأمر الذي يعني أنّهن تزوجن في سن مبكرة، بالتأكيد.

وعلى الضد أيضاً مما هو متعارف عليه من حيث الطرق التي تختارها النساء للانتحار والتي تعرف بأنّها طرق أقل عدوانية مثل تناول الأدوية والعقاقير الطبيّة ومبيدات الحشرات التي يسهل بلعها، فقد عمد عدد كبير منهن إلى إحراق أنفسهن بعد اتخاذ قرار بوقف حياتهن من جانب فردي، وكان المكان الذي تمت فيه عملية الانتحار، الحمام أو غرفة النوم. ليس هذا فقط بل كان لمعظم هؤلاء النساء أطفال صغار تراوح عددهم من واحد إلى إثنين أو ثلاثة أطفال لم يتجاوزوا السنة العاشرة من العمر.

من جانب آخر، وبحسب إحصاءات مجلس القضاء الأعلى التي نشرت في موقع "كتابات"، سجلت أكثر من نصف مليون حالة طلاق من مجموع مليونين ونصف المليون حالة زواج خلال السنوات العشر الماضية للفترة من 2004 – 2014، أي أنّ 20% من حالات الزواج المصدق عليها في محاكم الأحوال الشخصية في مختلف أنحاء العراق خلال الفترة المذكورة انتهت بالطلاق. ولاحظ الموقع، أنّ هناك الكثير من الأسباب يقف في مقدمتها الفقر وانتشار المكاتب الشرعية التي تسرع في تطبيق إجراءات الطلاق للحصول على العمولة المالية. يحدث هذا على الضد من طريقة أداء محاكم الدولة لعملها في هذا المجال والتي تدعو عادة إلى التريث قليلاً قبل البت في القرار النهائي لتصديق الطلاق. ويشير الموقع أيضاً إلى انتشار الأماكن المشبوهة ووسائل التواصل الاجتماعي باعتبارهما من العوامل التي ساعدت في إذكاء التوتر وسوء الفهم بين الأزواج الشباب.

إذن هذا ما ما تبشّر به التعديلات المستدخلة على قانون الأحوال الشخصية، الانتحار والطلاق وليس حماية الجماعة. فالتشجيع على الزواج دون الاهتمام بالمساعدة على توفير المستلزمات الأساسية لنجاح أيّ علاقة زوجية إنسانية نبيلة تجمع بين رأسين كما يتردد شعبياً واجتماعياً، تتطلب العمل على توفير الوعي والنضج المعنوي والأدبي والأخلاقي للطرفين المعنيين وبدرجة لا تقل أهمية العمل على توفير المستلزمات المادية والتي يقف في مقدمتها الحصول على فرصة عمل آمنة تدر دخلاً مستقراً وكريماً لمن يقوم بها، وبخلافه لن يكون الزواج الا دعوة للاستسلام إلى مصير مجهول.

اذا ما استحضرنا حقيقة أنّ الغالبية العظمى من الشباب لا ينظرون إلى أبعد من أرنبة أنوفهم بقدر تعلق الأمر بقضايا مهمة في حياتهم مثل الزواج وأنّهم يبسّطون الأمر إلى معادلة مجردة في الحب والرغبة الهوى دون تقدير حجم المسؤوليات التي يتحتم عليهم القيام بها من أجل الفوز بحياة اجتماعية سعيدة وضامنة تستعد لإعالة أطفال وتلبية احتياجاتهم، فإنّ التشجيع على الزواج وبخاصة الزواج المبكر ينطوي من بين ما ينطوي عليه إلى الدفع باتجاه أكثر من خيار لعل من أخطرها ما نصدم ونسمع به عن معاناة الأهل والأقارب بين فترة وأخرى من خلال الانتحار أو الطلاق لأفراد يمتون إليهم بصلة القرابة. فالافتقار إلى الخبرة اللازمة والحكمة والتروي في مواجهة المشكلات الاعتيادية بين الأزواج وبخاصة في بداية حياتهما المشتركة قد تؤدي بهم إلى الجزع، فاليأس فالقفز إلى ما يعتبرونه حلاً هكذا بسرعة البرق، وليكن بأيّ صيغة بما فيها الانتحار أو الطلاق.

هذا ما يُتوقع لتعديلات قانون الأحوال الشخصية أنْ تحققه على مستوى الحياة الاجتماعية الواقعية في مدى زمني قريب جداً اذا ما تم تمريرها بصورة نهائية وتشريعها كقانون. لا يستبعد أنْ لا يهتم الشباب بوحدة البنية الاجتماعية وأنّهم لا يظهرون الكثير من الفهم بهذه الجوانب لأنّهم يوكلون مهمات جسيمة من هذا النوع عادة إلى من يكبرهم سناً ومعرفة وعلماً وخبرة ولكنّهم لا يترددون في استخدام كل ما يتاح لهم من إجراءات قانونية وتسهيلات شرعية لا يعون مدى مسؤوليتها ليعيشوا حياتهم بالطريقة التي يعتقدون بصحتها ضمن رؤاهم التي تفتقر إلى الخبرة والمعرفة والتجربة الكافية. وهذا ما يحمل المؤسسات التربوية والقضائية والسياسية والدينية مسؤولية عظمى وبخاصة في مجتمع يظهر ولعاً كبيراً بممارسة فنون النصيحة والتوجيه والإرشاد بإسم الأبوية والمصلحة العائلية.

حري بنا أنْ نمتد بالبصر والبصيرة إلى أبعد من مجرد التأسيس لقوانين يعتقد أنّها ستمنح الناس ظروفاً أفضل. فلا أفضل من العيش ضمن ظروف يشعر فيها الناس وبخاصة الشباب، بأنّ هناك من يهتم بهم حقاً ولا يكتفي باستخدامهم والتلاعب بمصائرهم من خلال مشروعات قوانين تفرق فيما بينهم وتخدعهم سواء على صعيد الحياة العامة أو الخاصة. بل إنّ الاهتمام بتأمين مستلزمات الحياة الخاصة يؤسس لحياة اجتماعية وسياسية سليمة إذا ما أريد لهذا المجتمع أنْ يقود حياة ناجحة لا أنْ يوضع في جبهات مشتعلة متقابلة ومتواصلة على أكثر من صعيد.

يذكر أنّه تردد في الأيام القليلة الماضية، أنّ مشروع التعديلات سيئة الصيت قد سحب لغرض إعادة النظر فيها وتعديلها من قبل اللجنة المعنية. الحق لا مجال لتعديل هكذا تعديلات غير أنْ تسحب نهائياَ ويصار إلى إعادة النظر بالسياسات والطرق التي تكفل للشباب ضمانات حياتية مهمة يقف في مقدمتها التشجيع على مواصلة التعليم وتأمين فرص العمل ورفع مستوى الطموحات من أجل التطلع لحياة نوعية أفضل وليس التأسيس للقفز إلى زيجات غير مؤمنة اجتماعياً وأدبياً واقتصادياً.

  كتب بتأريخ :  الأحد 19-11-2017     عدد القراء :  1671       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced