انطلقت رسميا يوم امس الحملة الدعائية للانتخابات الجديدة لمجلس النواب، التي كانت اطراف متنافسة مختلفة قد بدأتها قبل هذا الوقت بكثير، مسجلة خرقا مكشوفا للضوابط والتعليمات التي اصدرتها المفوضية العليا للنتخابات، فيما اكتفت هذه باعلان وتأشير حدوث خروقات وانتهاكات، من دون ان تتخذ اجراءات واضحة وملموسة حتى الآن .
ويجمع الكثير من المراقبين على اهمية وحساسية هذه الانتخابات، وعلى ان الكثير سيتوقف على نتائجها. فالساحة السياسية العراقية تشهد صراعا شديدا، مستترا وظاهرا، ولم يعد يدور بين اطراف متقابلة تقليديا فقط، بل امتد الى كتل كانت الى الامس القريب في اطار واحد وتتغنى بتماسكها!
ومن الخطأ الاعتقاد انه صراع وتنافس داخلي خالص، حيث تحول العراق منذ زمن الى ساحة لصراع ارادات اقليمية ودولية . ومما سهل مهمة هذه الارادات ان هناك اطرافا عراقية لم تعد تجد الا في الدعم الخارجي سندا لاستمرارها في مواقع نفوذها وسطوتها وامتيازاتها .
ومن الواضح ان الصراع يدور الآن بين توجهين رئيسيين. فهناك من يريد الاستمرار في النهج المعتمد حتى اليوم في ادارة الدولة وفي المجالات كافة، مع بعض التعديلات الطفيفة للتكيف مع ، من دون مس جوهر الامور. واصحاب هذا التوجه يدركون قبل غيرهم انهم يقفون على رمال متحركة، لذلك فان هذه الانتخابات هي اقرب بالنسبة اليها من مسألة حياة او موت. فليس من المستغرب ان توظف كل شيء لصالح اعادة انتاج حكمها. ومن جانب آخر هناك دعاة المشروع الوطني الساعون الى التغيير والاصلاح، وهم ينطلقون من حقائق ومعطيات باتت موضع اهتمام الكثير من المواطنين الرافضين استمرار الحال على ما هو عليه، فليس لديهم ما يخسرونه، وهم فعلا يخسرون كل يوم شيئا، وآخرها ما جاءت به موازنة 2018 من توجهات بائسة في حق فئات وشرائح مجتمعية واسعة من الفقراء والمهمشين ومحدودي الدخل والكادحين .
والشيء الملفت في الماكنة الانتخابية الدعائية للقوى المتنفذة، انها تحاول ابعاد هذه الشرائح الواسعة عن المشاركة في الانتخابات، لانها تعرف مدى سخطها وتذمرها منهم ومن سياساتهم ونهجهم طيلة الـ 15 عاما المنصرمة، وتعرف انها تحمّل المتنفذين مسؤولية ما آلت اليه اوضاعهم واوضاع البلد عامة. بل ان حالات التذمر تمتد الآن الى فئات اوسع، خاصة من الشباب الذي يعاني البطالة وضآلة فرص العمل، اضافة الى التمييز وعدم تكافؤ الفرص، ولا تستثنى من ذلك فئات وسطى . لكن هناك ايضا وفي كل الاوقات من هو على استعداد للعب دور وعاظ السلاطين، رغم اقرارالكثير منهم في لحظات صفاء مع النفس بان البلد ان استمرت احواله على ما هي عليه، فهو ذاهب الى ما هو اخطر .
في اجواء كهذه وغيرها من التداعيات والانقسامات والتشظيات، بدأت الحملة الدعائية الانتخابية. ولن نتفاجأ كثيرا حين نرى الانفاق ببذخ، ومواصلة شراء الذمم، واغداق الوعود والاستمرار في شراء بطاقات الناخبين باسعار عالية، كما لن نتفاجأ بالفلكسات الكبيرة تغطي شوارع المدن والارياف، مع انطلاق الفضائيات في دعاية انتخابية صاخبة. وان من حق الناس ان يسألوا كلا من هؤلاء : من اين لك هذا ؟
ووسط ضجيج الدعاية الانتخابية يبقى التعويل كبيرا على الارادة والوعي الجماهيريين المتناميين، والادراك المتزايد لاهمية وضرورة التغيير لصالح القطاعات الشعبية الكبيرة، وفي المحصلة النهائية لصالح البلد ككل .
انها لحظة تاريخية يتوجب اقتناصها، وليكن صندوق الاقتراع رافعة التغيير والاصلاح المنشودين !