الديموقراطية رهان لا بديل له
بقلم : فاضل پـولا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

كثيــرون هـم اولئك الذين رفعـوا اللافتـات الديموقراطيـة او حمـلوا هويات فـي جيوبهـم وجعبهـم بهـذا المعنى ، لكنهم اساءوا كثيرا لما اصطدموا بواقع الجمهور ودأبوا في نشر الترويض بين صفوفه في كيفية الطاعة والإستجابة لدعواهم ، اولئك هم الذين لا يهمهم الا مصالحهم في نشر نفوذهم وتبوءِهم المراتب العالية والحساسة في الدولة ، وهم بنفس الوقت يبلطون الطريق لذويهم ومحسوبيهم ليتسنموا الوظائف المهمة في عموم البلاد منعمين ومروضين من قبل الأسياد ليكونوا دعاة لهم متمسكين بكل ما يوحى اليهم لتصديقه وتنفيذه . وأن الرؤساء والمسؤولين العازمين على تسخير الغير وتطويعهم للإمتثال لكل ما يطلب منهم ، يكيلون بمكيالين ، لذا نرى منهم لا يعمل الا لمصلحته ومنافعه بشتى السبل ، وآخر يذكِّر بالديموقراطية النائمة في مضجع من مضاجع الدستور.

وازاء ذلك يفقد المواطن شجاعته في قول الحقيقة او في الإفصاح عما يخالج صدره ، وتنتابه دائماً حالة من الخوف والتردد في تحديد وقفته السليمة التي يؤمن بها.

وقد نرى في مثل هذه المجتمعات انغلاق الناس على انفسهم وكذلك يبقى نزوعهم للتحزب على اساس مذهبي او عنصري او اقليمي حتى يوصلهم هذا الى التمحور حول كل ما هو ضيق والتمسك به تعزيزاً للمكان والموقع ، وان كان  يتنافى ذلك مع فهمهم وقدراتهم . ولا شك بأن ما ينتج من ذلك ، لم يكن سوى مجتمع محلل العرى  مدفوعاُ للتنازع دائماً على بساط نسيج اجتماعي مقطع . وقد يحضرني في ما ينساق مع هذا المعنى واقعة تمتــد الى ايام السبعينات ... يومَ كان الشعب العراقي يستعد لأول إنتخاب مجلس النواب ايام حكم البعث حيث كان المرشحون يقومون  بحملاتهم الدعائية  من خلال اجتماعات جماهيرية في ساحة عامة . وقد شاءت الصدف أن اكون بصحبة اثنين من الأصدقاء المرشحين للبرلمان حيث كان على كل مرشح أن يأخذ دوره بالتعاقب صاعداً على منضده عالية يحيط به الجمهور،  ومن عليها كان يفترض به تقديم نفسه للناس.. يعدد لهم مناقبه الشخصية ومؤهلاته ( العلمية والثقافية ) كاشفاً تاريخه الشخصي ونضالاته ان وجدت ، وبنفس الوقت يشير الى المواقف التي من خلالها خدم الناس او لم يزل  ماثلاً لخدمتهم . ووسط ذلك المنظر، مثـلَ امام الجمهور احد الصديقين اللذين كانا في معيتي ، وباشر يقدم نفسه مشيراً الى حسبه ونسبه ومغالياً بالإفتخار لإنتسابه الى عشيرته المعروفة ذات الباع الطويل في المجتمع العشائري والى غير ذلك من التفخيم والتعظيم . وبعد ذلك اتى دور صديقي الثاني للظهور امام الملأ ، بيد أنه تردد في المثول امام الجمهور ، إذ مكث الى جانبي يهمس في أذني معلقاَ ( اذا كانت هذه عقلية الناس ومقاييسها ، ترى كيف ستفهمني وهي تستقبل  مثل هذه التفاهات التي ركن اليها صاحبي ..؟ وكيف استطيع خطب تأييدها لي وأنا لست من الحسب والنسب الوارد في عرف العشائر الذي تتطرق اليه صاحبنا .

اذا تحرينا عن سبب لجوء هذا المرشح لمخاطبة العقلية العشائرية في دعمه للفوز بالإنتخابات ، سوف يقودنا الى سبر اغوار المجتمع العراقي وتركيبته ، لنجد بذلك مدى انعكاس سلبيات هذه التركيبة على الفرد الذي يجد نفسه أمام تجربة جماهيرية تدعوه أن يمسك زمامه في كسب رضاها وهو يشك في قدرته على ذلك  اي في انتمائه الصادق اليها. اذاً لا مراء في نجاح مثل هذه التجربة التي اريد لها أن تكون رائدة في هذه الأيام التي يتخبط فيها العراقيون في الوصول الى بناء الدولة الا في التمسك بالمفهوم الديموقراطي الذي يؤكد عليه الدستور منذ بناء العراق الجديد .

ولا شك أن الأورام الخبيثة المزروعة في جسم المجتمع العراقي منذ تاريخه السحيق والى يومنا هذا كالتحزب العشائري والإقليمي والمذهبي والسياسي وحتى المناطقي والبيتوي ، هذه جميعها ليست الا مصدات لا تقف فقط امام المفهوم الديموقراطي الذي يتزين به المسؤولون العراقيون ، بل تنخر في عروق الكثير ممن يدعون بأنهم بناة العراق من الذين انكشفت حقيقتهم وسوء مآربهم . وما لبثوا ينشدون التألق في مسرح الحياة السياسية لبناء الدولة بعد العبث في فرز اصوات الإنتخابات الأخيرة.

  كتب بتأريخ :  الإثنين 25-06-2018     عدد القراء :  1677       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced