من الواضح الان ان البعض، نوابا وكتلا، لم يفق بعد من صدمة الانتخابات. والانتخابات لم تغير على نحو حاسم موازين القوى ، ولكنها ادت الى تغيير معين يوحي ان بقاء الحال القائم اصبح صعبا الى حدود غير قليلة. حيث عاقب الناخبون على ضآلة نسبتهم، قياسا الى من يحق لهم التصويت، كتلا كانت تظن ان النصر معقود لها ولا مرد له، وقد سبب لها فشلها دوارا واهتزازا دفعها الى الاصطفاف مع من لم يفوزوا من اعضاء البرلمان تحت شعار " علي وعلى اعدائي .." . ومن موقعها هذا فعلت كل ما تستطيع، ممنية النفس بإعادة الانتخابات ، وهو ما لم يتحقق، ومثله محاولة التمديد للبرلمان، في سابقة قل نظيرها.
وهل انتهى الامر عند هذا الحد ؟ ليس متوقعا، بل ومن المحتمل العمل أيضا على جبهات اخرى ، ومنها طبعا عرقلة وصول التفاهمات الحالية بين عدة تحالفات الى تكوين الكتلة الانتخابية الأكبر، فيما ينصب الجهد الأعظم على عرقلة قيام اصطفاف وراء مشروع اصلاحي، مثلما نص برنامج سائرون الذي عكسه بيان المبادئ التسعة المعلن من قبل السيد مقتدى الصدر إثر لقائه مع رئيس الوزراء حيدر العبادي، والذي اكد الالتزام باصلاح الدولة ، ومحاربة الفساد وفتح ملفاته قديمها وحديثها ، وتشديده بوضوح على تقوية الجيش والشرطة وحصر السلاح بيد الدولة ، كذلك في إقامة علاقات متوازنة مع دول الجوار والعالم .
ان برنامج سائرون وبيان المبادئ الداعم له وتأكيد الالتزام به ، يشكل الحد الفاصل الواضح بين من يريد الاستجابة لارادة التغيير والإصلاح التي عبرت عنها جموع الناخبين وحتى من قاطعوا الانتخابات ، وبين من يريد ابقاء الحال على ما هو عليه بما يعنيه من تمسك بذات النهج الذي جرب على مدى ١٥ عاما، ولَم يخلف للعراقيين سوى الفشل والفساد والكوارث والنكبات. وهل هناك اكبر من نكسة احتلال أراضي واسعة من وطننا على يد داعش الإرهابي، وما قام به من جرائم وما خلف من مآسٍ يندى لها الجبين ، فضلا عن مجازر سبايكر والصقلاوية وغيرها الكثير .
ان برنامج سائرون التغييري الاصلاحي يستجيب الى مصالح طيف واسع من أبناء الشعب العراقي، ويجسد تطلعهم ورغبتهم في ان يعيشوا حياة افضل في عراق مختلف. والبرنامج بهذا المعنى هو أيضا ملك للقوى المدنية والديمقراطية التي تطمح الى إقامة دولة المواطنة والمؤسسات والقانون والحريات، الدولة المدنية الديمقراطية، وتحقيق قدر معقول من العدالة الاجتماعية .
وهذا بالتأكيد مشروع نضالي تراكمي، يصعب تصور إنجازه من دون تغيير جدي لموازين القوى، وإعادة الفرز لصالح دعاة وحملة المشروع الوطني الديمقراطي بأبعاده السياسية والاجتماعية. كما يصعب التصور انه سيتحقق دفعة واحدة ، لكنه يمتلك إمكانات واقعية وهو يستحق مواصلة النضال والعمل من اجله .
من جانب اخر سيواجه مثل هذا المشروع التغييري صعوبات ومشاكل وعراقيل جمة، لانه في الأساس يمس مصالح الفاسدين والفاشلين والمتمسكين بنهج المحاصصة والطائفية السياسية، وهؤلاء لن يتورعوا عن استخدام كل الموبقات دفاعا عن مواقعهم ونفوذهم ومصالحهم.
لقد وفرت الانتخابات وما افرزت من معطيات إمكانية المضي بالمشروع قدما، وهذا ما يتوجب ان يحظى بالدعم والإسناد، وتحويل التحديات التي تقوم امامه الى فرص جديدة، عبر فتح فضاءات ارحب توسع مساحة الداعمين له، وتضيّق على من لا يهمه الا ما يتحقق لذاته من نفوذ وسلطة ومال .