التظاهرات التي تعم العديد من مدن ومحافظات بلدنا ، ماكان لها ان تندلع على هذا النحو الواسع لو جرى الاخذ بالعبر والدروس من ما سبقها من حراك جماهيري ، وجرى سلوك واعتماد طريق الاصلاح الحقيقي، وتمت الاستجابة لمطالب الناس ، بدلا من الترقيع واللف والدوران، وكأن الحكام يريدون شراء الوقت والمراهنة على ذاكرة العراقيين .
لم يعد مقبولا ما يقوله البعض من ان ما يحصل من سوء في الخدمات وفي المقدمة الكهرباء ، وقلة فرص العمل وارتفاع معدلات الفقر وتدهور المستوى المعيشي ، لا يمكن تحميله الى الحكومة الحالية ، كونها ورثت ذلك من الحكومات السابقة ، فهل ننتظر ان تاتي الحكومة الجديدة لتقول لنا انها لا تتحمل تبعات اعمال الحكومة القائمة حاليا ؟
ولا احد يصدق التبرير المعد سلفا عن قلة الاموال ، فما موجود من فائض الان عند الدولة يقرب من 25 مليار دولار عراقي ( تصريح مسؤول متنفذ وقريب من مركز القرار كما يقول هو ) ، خاصة بعد ارتفاع اسعار النفط الخام المصدر .
ولم يعد مقبولا ايضا الحديث المنمق عن تاييد مطالب المتظاهرين من قبل المتنفذين، وهم الذين يتحملون المسؤولية الاساسية عما يحصل الان من تدهور مريع على المستويات كافة والسؤال لهؤلاء المتنفذين الذين يمتلكون السلطة والقرار والمال، ماذا فعلتم طيلة 15 عاما كي تجنبوا شعبنا ما يعانيه من ماس وكوارث ؟ ماذا فعلتم كي لا يحصل ما يحصل اليوم ؟!
ان ما يحصل يؤشر نفاد صبر الناس ، وعدم ثقتهم بالوعود التي تغدق مجانا ، فقد جربوا ذلك ولمرات عدة ، والنتيجة هي السير من سيئ الى اسوا .
لابد للمتنفذين السابقين والحاليين من تحمل المسؤولية الكاملة وعليهم الاستجابة الان الى مطالب الناس الانية ، والعمل على تنفيذ خطط ومشاريع ملموسة وبسقوف زمنية محددة ، تكون معيارا لتقويم اي مسؤول بمن فيهم رئيس الوزراء .
انها لحظة الحقيقة الساطعة وانكشاف وتعرية كل السياسات العرجاء ، فما يحصل اليوم يؤكد للمرة المليون فشل المنهج المتبع في ادارة الدولة وسوء الاداء والمحاصصة .
واذ يجري اليوم السعي الى تشكيل الحكومة الجديدة فيمكن القول باطمئنان انها ان تمت على وفق السياق المتبع حتى الان فان ذلك هو عنوان للفشل والتردي واضاعة الوقت وهدر المال واستفحال الفساد وضياع فرص الاعمار والبناء .
ان هذه التظاهرات هي رسائل اخرى جديدة وقوية الى القوى التي تصر حتى الان على اتباع نهج المحاصصة الطائفية والاثنية وتقاسم السلطة وتلهث وراء المناصب بما يبقي نفوذها وسلطتها وهيمنتها من دون اكتراث بما يعانيه المواطن العراقي .
الامل ان تقرا هذه الرسائل التي يوجهها المواطن جيدا وان لا تتكرر الاخطاء والاصرار عليها بما يحول الخطأ الى خطيئة ، فدوام الحال من المحال . والأمل ايضاً ان يواصل المحتجون التعبير عن غضبهم، ولكن بطرق سلمية حضارية تصون الممتلكات العامة والخاصة.