المرأة العراقية وذكورية المجتمع الى أين؟
بقلم : موسى الخميسي
العودة الى صفحة المقالات

علينا ان نقول بان ثلة قليلة من المثقفين والمنظمات والأحزاب السياسية اليسارية العراقية لم تتورط في الانسياق وراء ظاهرة التمييز والعنف ضد المرأة العراقية اذ لا أحد يحتمل تحرر المرأة في مجتمعاتنا العربية كافة الا نظريا ، وان قلة من المثقفين العراقيين الكثر يستطيع ان يضاهي نفسه  بمواقف من كتبوا ودافعوا بجرأة ويأس وحمية عن قضايا المرأة وأوضاعها في الأسرة والتعليم والعمل والمجتمع، وعن عطائها الفكري وإبداعها، في مجال العلم والأدب والفن، وعن أهمية الدور الذي تلعبه مشاركتها في عملية الإنتاج الاجتماعي.

منذ عشرات السنين والمرأة العراقية خاضعة لسيطرة المجتمع الذكوري الذي يقوم على السطوة لا على أساس المساواة، ويجري التحكم بمصيرها بأساليب معقدة منذ لحظة ولادتها وحتى دخولها عش الزوجية، فهي لا زالت عند الكثيرين مجرد بضاعة بشرية، والزوج يدفع المهر ثمنا لها، كما انها "حرمة" من كلمة الحرام لأنها تعتبر مكلفة بتأدية التزامات الحرام منذ أول يوم يجيئها الحيض، كما يضربها هذا الحرام في فترة النفاس، كما انها " مرة" بمعنى تصغيري للمرأة، فقد ظلت التقاليد الاجتماعية تقضي ببقائها معزولة ومكرسة للبيت، فأمرها مقصور على النقص في الدين والعقل، وهي ليست الا عامل من عوامل الفتنة وحبائل الشيطان، ومصدر للاثم يوقع في الخطيئة.

المرأة التي تتمتع باحترام وتقدير مجتمعها ، هي التي تكون أكثر إطاعة وإذعانا وخجلا وخدمة للآخرين، وان تتمتع بمواصفات العفة والطهارة والعذرية التي يرسمها المجتمع قبل الزواج ، لان العذرية هي الحارس ما بين السقوط والشرف، وان تكون محتشمة وتعامل باحترام وإجلال أبويها وإخوتها الذكور، وان يكون تصرفها وسلوكها متسما بالخوف والضعف حسبما يريده مجتمعها لأجل منحها صفة الشرف، ذلك لان العائلة ترهن شرف أبنائها بسلوك المرأة وعفتها، وهذا يتحتم ان تظل حتى ما بعد الزواج والإنجاب محط سيطرة ورقابة من عائلتها والعوائل القريبة المحيطة بها ، وان لا تتسم سلوكياتها بالشجاعة والإقدام , لان مثل هذه الصفات خاصة للرجل، والا فيقال عنها بأنها مسترجلة ، فتضيع عليها فرص كثيرة من الممكن ان تبقيها عانسا طيلة حياتها. عليها ان ترضى وتستسلم لقدرها بقسمتها ونصيبها بالزواج بعيدا عن  مشاعرها وأحاسيسها، فغير مسموح لها الإعراب عن حبها للرجل قبل الزواج الذي لا يجب ان تتحدث فيه ولا تفكر فيه مع انها ومنذ صغرها تعد لهذه الغاية التي تعتبر أساسية في حياة عائلتها، كما انها تظل تحت المراقبة نتيجة الاعتقاد بدونيتها، ونتيجة الاعتقاد بخطورة نزعتها الجنسية التي تظل محظورة ومكظومة ومقموعة حتى أثناء الزواج ، لان المجتمع يعتبر الجنس مقيتا ويولد النجاسة ومحرم الحديث به، فهي ان اتهمت بالخيانة أو الزنا فانها تكون معرضة من قبل الرجل لجريمة القتل و" غسل العار"، الا ان الرجل حين يخون زوجته فالعقوبات تكون عادة شكلية، والمجتمع يجيز للرجل إشباع شهواته ، وتعدد الزوجات أحيانا، الا ان المرأة تظل من وجهة نظره معرضة للغواية لأنها لا تستطيع من وجهة نظرة التحكم بشهواتها، فلا تكون مع الرجل الا وكان الشيطان ثالثهما، فسوء الظن متأصل في اللاوعي الجماعي للمجتمع الذكوري. والمرأة العراقية لا تحرص على تطوير علاقتها بالزوج عاطفيا مع انه يعتبر معيلها لانها تشعر بأنها معرضة لقرار الهجر والطلاق الذي يقرره هو وأهله، ولهذا فهي تظل حميمة العلاقة بأهلها وضعيفة العلاقة بأهل زوجها،  كما انها مطالبة بان تظل طيلة عمرها مكرسة للخدمة في البيت من اجل ان تؤمن الكرامة لذاتها المقموعة. انها خائفة على الدوام، من شجاعتها ونفاذ بصيرتها، وخائفة من الإدانة، ومن الإفصاح عن عمق واتساع تجربتها وفكرها، خائفة من النبذ الاجتماعي والمساءلة الاجتماعية وربما القانونية، وخائفة من تصنيفها في الخانات البيولوجية الواطئة، انها تعيش صراع داخلي، بين الكائن الذي بداخلها و يطمح الى قيم عصرية وبين الكائن الذي خلقته الأمهات والجدات

وقد سبب التخلف الاقتصادي والاجتماعي الذي ارتبط مع السياسات الرجعية إضافة الى التقاليد والعادات ، في تقليل قيمتها داخل النمط الاجتماعي، لاسيما الى وظيفتها كما أقرته بعض الاجتهادات الدينية والتبخيسات المتراكمة والتاريخية. فأبعدت  عن المساهمة بالحياة العامة لتبقى أسيرة نفوذ العائلة، كما أصبح جسدها مستعمرة اجتماعية من حيث صور السيطرة والاحتلال والاضطهاد والقسوة والاستغلال الاقتصادي والسياسي والتخلف الاجتماعي والثقافي، ففرضت عليها القيود والضغوط  للحد من كفاءتها  وقدرتها، فأصبحت المرأة المطلقة او العانس أوطأ مقاما ومكانة في المجتمع من المتزوجة، اما إذا كانت عاقرا فلا قيمة لها ما دامت لم تؤد واجبها في الإنجاب، لان المجتمع يوصي بالوفرة والخصوبة، والرغبة في إنجاب الأولاد الذكور. وانها لن تحصل على مكانة وسلطة داخل العائلة الا بعد الإنجاب وبعد ان تتجاوز سن الأربعين أي بعد ان تقل جاذبيتها لدى الآخرين من الذكور، الا انها تظل محط شك دائم في مشاعر الزوج الخفية من خيانتها له.

ومع ان الدور التقليدي لمكانة المرأة في المجتمع قد تعزز في بداية الخمسينات من القرن الماضي ، بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وبداية النظام الجمهوري ، وظهور حركات نسائية مثل " رابطة المرأة العراقية" ارتبطت بالنهوض الكبير لليسار العراقي، تدعو الى تحرر المرأة ورفع مستوى وعيها، وتضييق الفجوة بين الجنسين في المجتمع، وتغيير نظرة المجتمع الدونية لها، وبعد ان أصبح التعليم إلزاميا للذكور والإناث على السواء وأصبحت نسبة التعليم الذي ساهم بتوسعة آفاق النساء، متساويا بين الجنسين، كما أصبحت أعداد كبيرة من النساء أكثر انفتاحا  وأكثر سعيا لاحتلال مكانة اجتماعية مرموقة، الأمر الذي حولها الى شريك مستقل بعض الأحيان عن الرجل، كما أصبح عمل المرأة طريقا الى اكتساب المكانة الاجتماعية وتحسينها، الا ان رفض الرجل لتحسين وضع المرأة لم يغيير السيطرة الذكورية التي ظلت متمثلة في العديد من التشريعات وقوانين المجتمع وتوجهات المناهج التربوية ووسائل الإعلام والمؤسسات الرسمية والأهلية والدينية.

لقد رسم شعار التقدم والتحرر سؤال حول قدرة المرأة على اتخاذ القرارات المتعلقة بحياتها ومقدراتها بنفسها بحرية، الا اننا اذا دققنا هذا الشعار سنجد ان المرأة حاليا وبعد سقوط النظام الفاشي العراقي تعاني حقا من ردة كبيرة، لأنها ما زالت تسير سير السلحفاة على طريق التحرر والتقدم، والسبب يعود الى جملة عوامل تقف في مقدمتها:

1-    تصاعد الحركات الدينية نتيجة حالة اليأس والإحباط العام ،الذي اثر بصورة سلبية على موضوع الحجاب ولم يؤثر بدوره على موضوع عمل المرأة وتعليمها، فالدين بجوهره يحض على طلب العلم، اذ ليس في تعاليم الاديان السماوية ما يمنع خروجهن للعمل وليس في الدين ما يلزمهن بتغطية الوجه ولبس الحجاب الذي يحجب عن المرأة آفاق التعلم والتقدم.

2-      انهيار التنظيمات النسائية التقدمية التي كانت داعية الى تحرر المرأة، ما قبل مجيء النظام الديكتاتوري، وحل محلها تنظيمات اسمية أقامها النظام السياسي السابق تحمل سلبياته ، حيث تمت من خلال تنظيمات السلطة الفاشية مصادرة الحريات الديمقراطية وبالتالي مصادرة مكتسبات المرأة العراقية التي حققتها بفعلها النضالي وتضحياتها الكبيرة.

3-    إيجاد عدد من التشريعات في فترة الحكم الفاشي أكدت التمييز ضد المرأة في القوانين العراقية وفي الحياة الأسرية والعامة وفي التعليم والعمل وشجعت كل ما من شأنه إهانة المرأة وشل قدراتها، كما شجعت ممارسات التيارات الظلامية التي شدت المجتمع الى القرون الوسطى، اذ لا يمكن الحديث عن تقدم مجتمع ما وتنامي دور المرأة في غياب الديمقراطية وأهوال الكوارث التي سلطها النظام على شعبنا وما عكس ذلك من خيبات ونكبات تعاني منها النساء العراقيات حاليا.

4-    المرأة وان شاركت في جميع الوظائف الحكومية وبعض المناصب العليا على قلتها ، الا انها لم تحظى بمواقع رسم وصنع القرار، لان النظام الإداري العراقي ظل خاضعا للتأثيرات القبلية والعشائرية التي زادت انتهاكاتها للحق في المساواة .

 

مع ان المرأة العراقية ساهمت بفعالية في الانتفاضات الشعبية والتظاهرات المطلبية ، ودخلت السجون والمعتقلات، واستشهد الكثير منهن في أقبية التعذيب واستطاعت عبر نضالها المرير فرض جزء من تحررها وإقرار بعض حقوقها فأول مكسب حققته هو قانون رقم 72 لسنة 1936 الذي تضمن بعض حقوقها حيث جاء في المادة الأولى تعريف العامل" بان كل لفظ عامل يرد فيه وفي الأنظمة الصادرة يشمل الذكر والأنثى" أعقبه قانون رقم 1 لسنة 1958 الذي شكل خطوة متقدمة، ثم أصدرت الحكومة في 1961 نظاما خاصا باستخدام النساء والمراهقين، وبعد عقود من النضال ضد مستغليها تمكنت من الحصول على قانون العمل رقم 151 لسنة 1970 يحوي قوانين التقاعد والضمان الاجتماعي. الا ان المرأة العراقية وبعد انتهاء عقد السبعينات عانت من آثار حروب النظام المدمرة ، اذ فقدت عشرات الألوف من النساء العراقيات معيلهن، فاضطررن، وهن غير مؤهلات عادة، الى طرق أبواب العمل في ظل ظروف الاستغلال المكثف، وابتدعت السلطات الفاشية مختلف الأساليب لاستنزاف قدرة المرأة وزج بأعداد كبيرة من النساء في أعمال السخرة وإرغامهن على الانضمام في صفوف حزب السلطة، كما ألغيت العديد من الخدمات التي كانت تقدم للمرأة، وألغيت إجراءات السلامة المهنية ودور الحضانة التابعة للمعامل وإلزامهن بالعمل الإضافي ، وإلغاء سن التقاعد الذي حدده قانون التقاعد والضمان الاجتماعي رقم 39 لسنة 1971 والذي كان قد حدده بعمر 55 سنة، كما ألغيت المخصصات والأجازات ، ولم يراع في عملها الحقوق التي تنص عليها القوانين المحلية والعالمية.

لقد تردى وضع المرأة العراقية مع بدايات تدشين النظام الديكتاتوري، فنفيت المرأة داخل واقعها لتتعلق في المتن الأسطوري الممثل لوجدان وأفكار الأسلاف، ووقعت النساء العراقيات تحت مطرقة مؤسسات الحكم بكل تعقيداتها ووقائعها ومسبباتها، وفرضت حالة الاستبداد، وفرضت قوانين العرف الاجتماعي بأكلح صورها، فأصبحت كل نزعة تحررية للمرأة تمثل رديفا للرذيلة، فلم تقف هذه المفاهيم عند الحاكم الأعلى الذي هو رئيس القبيلة، ولكنها اتصلت بمن حوله، ومنهم الى دونهم، وكان من اثر هذا الاستبداد ان الرجل اخذ يستعيد دورته القديمة في احتقار المرأة في ضعفها ليهضم حقوقها.

ومع الحملة البعثية التي أطلقها النظام تحت اسم" الحملة الإيمانية" في منتصف التسعينات من القرن الماضي بهدف اسلمة المجتمع العراقي، كان يهدف من خلالها إشاعة الخرافات والأفكار القدرية والأوهام الدينية كطريقة سهلة لاستسلام الجماهير، كانت النساء العراقيات أول الأهداف لمثل هذه الحملة الهمجية، حيث صدر قرار من مجلس قيادة الثورة خول بموجبه الرجل بقتل كل من  يشك في سلوك ذويه من النساء مثل الزوجة والأم والأخت دون محاسبة جنائية.

وتجسدت الحملة البربرية بتنظيم جماعات فدائي صدام بالتنسيق مع الاتحاد العام لنساء العراق الذي أوجدته السلطة وفي عدد من المدن العراقية المهمة كبغداد والبصرة والموصل بقطع رؤوس أكثر من180 امرأة بشكل علني وأمام الناس في الساحات العامة ودون محاكمة بتهمة أنهن" عاهرات" وصاحب ذلك تظاهرات احتفالية ديماغوجية صاخبة نظمتها منظمات الحزب الفاشي للاحتفال بهذه المناسبة. كما توجت هذه الحملة الشرسة عام 1987 بصدور قانون" الفائض من العمل وترشيق مؤسسات الدولة" حيث سرحت حكومة البعث آلاف النساء من العمل استعدادا لمواجهة تبعات الحرب العراقية الإيرانية ومئات آلاف من الجنود العائدين من جبهات القتال من الباحثين عن العمل

لقد عانت المرأة العراقية من العنف بنوعيه الأسري والعام، وهو ظاهرة منتشرة                                                                                                                                                                                                                                                                              في جميع المجتمعات العالمية، تتعدى حدود الدخل والطبقة والثقافة، ولا يعرف حدود جغرافية او حضارية، ويمكن تعريفه باعتباره عمل عدائي أو مؤذ أو مهين تدفع أليه عصبية الذكر وسطوته التي يمنحها اليه المجتمع ليرتكب  بأساليب ووسائل متعددة ما يمكن ان يسبب بإلحاق الأذى النفسي والبدني، إضافة الى الأفعال التي تتسم بالقسر  والحرمان والتخويف والابتزاز والاغتصاب والتحرش  والمضايقة والإكراه في الحد من حرية المرأة ويسمح بها المجتمع في منظوماته وتقاليده.

يعتبر الصعود السريع للتيارات الأصولية في العراق واحدا من اشد المعوقات لتطوير أوضاع النظام السياسي ووضع المرأة العراقية ومن جديد بعبودية جديدة  تعرضت من خلالها الى حملة سياسية وفكرية شعواء ضد عمل النساء في خارج البيت، بحجة انه يفسد تربية الأطفال ويبعدها عن موقع عملها الحقيقي الذي هو المنزل. فتمت عملية اغتصاب معنوي لكيانها الإنساني، بعد ان سلبت حقوقها المادية وتسلطت عليها كل أشكال الخنوع والطاعة .       

تقف المرأة اليوم أمام سيناريو يكلله السواد، في ظل أوضاع مزرية ووخيمة، حيث يلقي هذا السيناريو بظلاله على واقع المجتمع ككل. الا ان النساء تعرضن  لمآس كبيرة، عبر الاختطاف والإرهاب الواسع النطاق، وتحول خروج بعضهن من المنزل أمر شاق وعسير وخطر، وفرض الحجاب عليهن تحت ظل التهديد بالطرد من العمل والحرق بالاسيد والقتل، وصاحب هذه الظاهرة حملات العصابات الدينية المتطرفة بترويع النساء وفرض الحجاب عليهن بالقوة في الشارع والجامعات والمؤسسات الحكومية، سواء كن مسلمات او من ديانات سماوية أخرى،  وتوجت هذه الحالة في السنوات الأخيرة بشيوع ظاهرة المتاجرة بأجسادهن تحت تسمية زواج المتعة، وصاحبت هذه الظاهرة حملة المجازر الصامتة وباسم الأعراف والتقاليد الاجتماعية المقدسة، ففرضت قولبة جديدة لحياة نساء العراق تطالب بها القوى والجماعات الدينية والقومية والعشائرية المتطرفة في سعي فرض دستور وقوانين استعباد واغتصاب يعادل فيه كل رجل بأربع نساء!!

المؤسسات الوسيطة في المجتمع هي القادرة على أحداث تغييرات مطلوبة في وضع المرأة العراقية كما حدث في أوربا، حين استطاعت ان تنقل الفكر الى مستوى الوعي العام، وهذا يدفعنا بالابتعاد  عن الانشغال التام بالماضي الا بقدر ما يساعدنا على فهم حاضرنا، كما علينا ان نفهم بان التراث ليس شيئا ثابتا، إنما هو تيارات تمثل صراعات ومصالح، فغياب مشروع النهوض بالمرأة عجل بظهور الفكر السلفي كنتيجة للأوضاع المرتبكة التي يعيشها المجتمع، وهو الأمر الذي نرى فيه واقع المرأة المزدحم بالخذلان والاستلاب والارتداد الى الموروث والقوقعة الاجتماعية.

نحن شعب شديد الحنين الى الماضي، فالماضي بالنسبة لنا هو المفقود وهو الأمل، نتلاطم بالأسئلة المصيرية، حول الهوية والذات، والسلفية والمعاصرة، بينما تنسحق المرأة في دوامة لقمة العيش.

 

لا يمكن فهم مشكلات المرأة العراقية بغير فهم السياق الذي تجري فيه محاولات تطويرها، كما لا يمكن اختزال هذه المشكلات في بعض النصوص والقوانين المستحية هنا وهناك، تعيق تطور قضايا تمكين النساء من استرداد حقوقهن ومنزلتهن المفقودة ووحدة وجودهن مع الرجال وتحقيق مبدأ الألفة والشراكة، بان لا تكون أي منهن أداة متعة وتفريخ. للمرأة العراقية تاريخ ودور، ماض وحاضر، فكر ووعي، ممارسة ومعاناة، يتحتم إبعاد المرأة عن النزعة التسلطية الاستبدادية وأساليبها العنيفة، وأبعادها أيضا عن دورها المتسم بالخنوع والسلبية والخوف والازدواجية التي مسخت شخصيتها الإنسانية، وهذا يقتضي منا جميعا عدم المرواحة في مواجع  الماضي، بل الصحو في فضاء المستقبل من اجل تأسيس حقيقي لحياة الشراكة الحقيقية مع المرأة ،اذ لايمكن تصور عراق ديمقراطي بدون مساهمة فعلية من المرأة،  فعملية إقصائها عن ساحة الفعل اليومي الثقافي يتعطل البناء الاجتماعي ويعجز عن أداء دوره المطلوب،  كما ان عملية تغيير البنية الثقافية في المجتمع من شانه ان يعيد تفحص الخلل في العلاقة التراتبية بين الجنسين ،علينا والحالة المأساوية هذه  رد الاعتبار لنصف المجتمع، وان ندرك بان خطاب المرأة لا يؤخذ مأخذ الجد في ما يخص أي شأن عام يقع خارج حدود حركتها في الواقع الاجتماعي، وهذا لا يأتي فقط من خلال عملية تغيير شاملة في تشريعات الدستور القادم  ووضع عدد صغير من الرموز النسائية في سدة الحكم ذرا للرماد في العيون ، الا ان ذلك يأتي أيضا من خلال إرساء دعائم جديدة في العمل التربوي والأسري، فتحرير المرأة العراقية يبدأ بإعادة النظر في جوهر المناهج التربوية المبنية أصلا على أسس ومفاهيم ذكورية لا تعترف للمرأة بحقوقها الإنسانية وتضعها في الدرك الأسفل من المجتمع. علينا تسليمها مفاتيح الإرادة الحرة في اختيار حياتها ومنظماتها وإنسانيتها وخطابها في أي من عناصر الحياة والوجود. وبالتالي مشاركتها ومسئوليتها المتساوية بدون إثارة حروب او معارك، علينا منحها حق التصويت الحر وكافة الحقوق المتعلقة بالزواج والميراث والمسائل القضائية والأحوال الشخصية ، علينا تفعيل طاقة اكثر من نصف المجتمع المعطلة بعد إخراجه من أدواره الأولى الى الإسهام والشأن الاجتماعي والثقافي، علينا ان نحقق نهضتنا المنشودة بانتشال نسائنا من عتمة المنازل، ومن حالة التهميش والتغييب  التي استمرت في وأدهن فأبعدتهن عن المشاركة في حركة الحاضر ليصنعن زمانهن الجديد.

ان غياب مشاركة المرأة بالنشاط العام على صعيد فردي او جماعي في التعبير  والتأثير في عملية صنع القرار هو من المشكلات الحقيقية التي تعيق تمكين النساء من صنع مستقبلهن ، فالعلاقة السوية داخل مجتمع البناء تنطوي على قدر كبير من المشاركة السياسية للمواطنين وتنظيماتهم في اتخاذ القرارات، وكلما ازدادت المشاركة واتسعت  وتعززت فرص المرأة بالخروج من الأفكار التي ركزها النظام الفاشي القومي المنهار، كلما عكس ذلك الدليل على توجهات الديمقراطية لطبيعة النظام. ان ما تحتاجه المرأة العراقية هو توسيع دائرة مطالبها بشكل عملي وواقعي والعمل جديا لرفع شعار  المشاركة الفعلية للنساء، فحرية المرأة الآن وليس بعد التخلص من اجتثاث القوانين الفاشية وبناء مؤسسات الدولة على أسس ديمقراطية، لان مجتمعنا المعاصر، لا يزال محكوما، عبر أزمة انتقاله الحالي، بفكر أسطوري ضارب الجــــذور.

العراقيون يدركون بان بلدهم يمر بأخطر مرحلة تاريخية، كما يدرك مثقفوه  أجندة استحقاقات التقاليد الاجتماعية لهذه المرحلة العصيبة، تحتاج  الى إعادة بناء المواطن العراقي حضاريا وخلق البيئة التي توفر له الثقة بنفسه وبمجتمعه ومستقبله، إضافة الى نظرة تنتقد وتستوعب وتحلل وتبتعد عن قدسية التقاليد والعادات المتخلفة. الجميع يدرك انه من الصعب التخلي عن النظرة الرجولية الأسطورية الممزوجة بالمخاوف التي تعشعش في العقول، التي تسود في كثير من الأحيان على حساب العقلية المنطقية، والقوانين الموضوعية، فمن الصعب تحرر الرجل اجتماعيا ما لم تخلق مؤسسات السلطة المعطيات الاجتماعية الجديدة، والابتعاد عن فكرة ان الذات العراقية توقفت عن النمو عند مرحلة معينة من تاريخها، وصارت ترفض الانعتاق من عقدة التشبث، فزمن الإنسان وسيلة تغيير وإعادة بناء، علينا إذا تحرير وعي الرجل أولا وبناء ذاته من جديد ليكون قادرا على استيعاب عملية بناء حرية المرأة.

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 05-01-2010     عدد القراء :  2383       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced