بعد الرسالة القوية والواضحة والصريحة في معانيها ودلالاتها التي وجهها المواطنون غداة انتخابات مجلس النواب 2018 الى القوى المتنفذة الحاكمة للعراق منذ 2005، جاءت الحركة الاحتجاجية بنسختها الحالية لتؤكد مضمونها وتعري المنهج السائد في ادارة الدولة وتقول بصوت عال للحكام انكم فشلتم واستمراركم على الطريق الاعوج ذاته هو عنوان جديد لفشل واصرار متعمد على جر العراق الى مزيد من المآىسي والكوارث ، وان لا ضمان في ان تتحسن الامور على وفق طريقة حكمكم التي ثبت فشلها بامتياز ، ولا حتى ان تتوفر امكانية لوقف التدخل الخارجي في شؤون وطننا ، فيما ستبقى الخدمات ، ومنها الكهرباء والماء ، في اجازة طويلة اجبارية مفتوحة ! .
المواطنون من حقهم ان يقولوا لكم جربناكم لمدة 13 عاما ووضعت تحت تصرفكم مليارات الدولارات ، ولم يتحقق شيء يذكر ، فما الذي يدفعنا للاعتقاد هذه المرة انكم سوف تتعضون وتعدلون عن نهجكم ؟! الوعود جربت والعبرة كانت وما زالت في تحقيق قضايا ملموسة !
لعل من المفيد التاكيد هنا ثانية ان لا احد يمكن ان ينسى او حتى يتناسى الدماء الزكية والتضحيات الجسام التي قدمت من اجل هزيمة داعش الارهابي ، ولكن هذا شيء ، وان يسير كل شيء في بلدنا الى الاسوأ شيء اخر مختلف تماما . وهنا نقول ان من العيب التعكز على النصر الذي عمدته الجماهير بدمائها للتستر على عيوب السلطة او السلطات كلها ، فهذه العيوب واضحة وكبيرة ولا يمكن التغطية والتستر عليها .
ومعيب ايضا تصوير عمليات الاحتجاج على حالات القصور في الاداء الحكومي، الاتحادي والمحلي، وكأنه موجه ضد شيعة العراق وابعادهم عن السلطة ، اليس المتظاهرون هم اغلبية محافظات الجنوب والوسط ، وهذه الاغلبية معروفة الهوية للداني والقاصي ؟ .
والتجربة اثبت ، وبخلاف ما يدعيه البعض ، ان الاحتجاجات لا تضع الجميع في سلة واحدة ، ومطالبهم ، كما اكدت المرجعية مرارا ، موجهة ضد الفاسدين والفاشلين ، فهل البعض الذي يقف موقفا متبرما من الاحتجاجات، وينعتها بمختلف النعوت التي هي عموما بعيدة عنها ، يدافع عن هؤلاء المسؤولين عن حالة الفشل التي يعيشها البلد ؟!
انه لعار ابدي على من يصف هذه الهبة الجماهيرية الواسعة بانها " حفنة من المندسين والمخربين والبعثيين " فان كانت هذه الالاف تنطبق عليهم هذه الاوصاف ، فهذا لوحده كاف لادانة من كان في موقع المسؤولية في بلادنا منذ التغيير وحتى اليوم ، وهو دليل واضح على الفشل المدوي الذي يتوجب على اصحابه ، ليس فقط الاعتذار للشعب ، بل ان يحالوا الى القضاء جراء تحملهم مسؤولية الدماء التي سالت وضياع الوقت والمال ، فهم مرتكبون جرائم كبرى بحق هذا الشعب والوطن .
وتبقى حقيقة ساطعة يعرفها جيدا من في السلطة الان وهو قد خبر وعرف اساليب النظام المقبور ، بان القمع والعنف واخذ التعهدات المشينة ومبايعة الحزب الحاكم وغيرها ، بل وحتى الاعدامات لم ولن تطفي جذوة مطالب عادلة . فعلى من يتولى امور البلاد ان يعي هذه الحقيقة تماما قبل فوات الاوان . وعندما يقال بان التظاهر السلمي والدستوري حق ، فيتوجب ان يؤمن كاملا هذه الحق .