قراءة في كتاب ( تقاسيم على وطن منفرد ) للاديب يحيى علوان
بقلم : جمعه عبد الله
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

يتضمن الكتاب نصوص أدبية رفيعة المستوى في لغتها وبلاغتها  الجميلة , وقد تنوعت تعابيرها الدالة , بين تقنيات السرد , وتقنيات الشعر , في  تألق ابداعي  في منصات شغاف الرؤى  الفنية والتعبيرية  , في معطياتها الدالة على الايحاءات  البليغة  , في  الرؤية الفكرية والسياسية , في المنهجية الرصانة الهادفة , في ازاحة الكثير من الابهام والغموض , في الشأن السياسي , بما يتعلق بالظروف الكفاح المسلح في كردستان , حيث   تواجد القواعد المسلحة  لحركة الانصار التابعة للحزب الشيوعي العراقي , بعد انفراط عقد الجبهة  المغشوشة مع  حزب البعث , التي تحولت الى مصيدة وافخاخ لايقاع الكثير , تحت الهجمة الشرسة والمناخ الموبؤ بالارهاب والبطش والتسقيط السياسي آنذاك   . لذلك يأتي الكفاح المسلح في كردستان , كرد فعل  وحالة معنوية لرفع الهمم  النضالية , وكانت  مهمة وحيوية في الظروف الصعبة آنذاك   , في سبيل  وقف آله الارهاب والقمع والحرب والبطش السياسي  . وكانت قواعد الانصار ,  السند الامن, والمأوئ لكثير من المناضلين , الذين ضاقت  بهم السبل , في المناطق الاخرى من العراق   ,  بالهروب من القبضة الارهابية , والبطش البعثي , واللجوء الى قواعد الانصار في كردستان  . لذلك جابهت السلطة البعثية حركة الانصار المسلحة , بكل فنون الدمار البشعة والمتوحشة  , من الحصار والتجويع , والى استخدام الاسلحة الثقيلة  والطائرات الحربية , في دك قواعد الانصار . واستماد في نهج  االوحشية ,  في استخدام الغازات السامة والكيمياوية  ,في اسلوب  الارض المحروقة , واجهت حركة الانصار ,  ظروف صعبة  مرعبة بالموت والدمار , واكبر من طاقتها العسكرية والسياسية  ,  بأن اصبحت بين الموت والفناء والابادة  , هذه مواد  النصوص الادبية المتنوعة التي تركزت في ( تقاسيم على وطن منفرد )  , في التناول والتحليل والتشخيص  , من خلال السيرة الذاتية والنضالية  للاديب ,من خلال اشتراكه ضمن تشكيلات  حركة الانصار المسلحة  , في القسم الاعلامي للحزب الشيوعي . فقد ترك عائلته وطفلته ( ندى ) في ( برلين ) مع الكثير من الشباب الطموح ,  الذين تركوا بلدان المهجر, ليلتحقوا في فصائل الانصار , وهم يحملون الحلم الثوري في الكفاح المسلح , وفي انتصار لقضية الوطن  والشعب ,  على الدكتاتورية البعثية , والطاغي الفرد  المستبد , الذي حول العراق الى الحكم  الشمولي  الطاغي بوحشيته  . لقد عانت الحركة الانصارية الاهوال والمعاناة , التي تفوق التصور والمنطق والخيال , وجدوا انفسهم , امام آلة الموت والدمار والفناء , واصبحت حياتهم لعبة حظ , بين الموت والبقاء . بين الرصاصات الطائشة والغازات السامة .التي لم تتوقف بالقصف المدفعي الثقيل   , والمحاصرة بالتجويع , كأنهم في ارض  الله المنسية , المصابة بالجحيم , وفي المصادفات الصدمة حين تخطف فواجع الموت على حين غرة  احد رفاقهم  . لم يجدوا  من الحلم الثوري ,  إلا الجحيم وآلة الموت . من فرسان البوابة الشرقية للامة . وامام هذه المعاناة الحياتية القاهرة  . كان الاديب  ( يحيى علوان )تناهشه وتنازعه الهواجس , التي تغلي تحت الضلوع , ويحاول أن يهدأ  من فزعها ورعبها , ليبدد جرعات الحزن والخيبة واليأس  ( لا تفزعي ! .  خذيني راعياً لجنون العبارة ... تعالي نسخر من الهلاك , ومن اكاذيب صنعها اليأس , سنحلم برؤى نضيعها في العصف ..  فنتعلم  حكمة الكفر بالحكمة مطلقاً . حتى نحرس مخيالنا . نقبض به حقيقتنا ) ص39 .

لكي تخرج هذه المعاناة والقهر , من مناطق العتمة والابهام الى مناطق النور , لتشبع الهواجس والارهاصات الروح الذابلة بالعطش والظمأ . رغم ان الروح كانت متخمة  في الحلم الثوري , الذي تفتت في مرابع الفزع والرعب بالدمار في كردستان  , تحت السماء مغطية بغيوم  الدخان الغازات السامة  والكيمياوية . انها حرب اذلال ومهانة واسقاط وابادة  . يريدون في اساليبهم الوحشية في التوحش  , ان تكون الادمغة , أدمغة  خرفان مدجنة بالطاعة والولاء الاعمى  والذليل , لكي يحققون ما يريدون وما يرغبون . في وطن يتجرع عذاب القهر والحسرة والمعاناة , في وطن يكون حال البشر, لعبة  دمى يلعب بها الدكتاتور المتهور والطائش . في وطن لا يعرف معنى للكلمة الشريفة, سوى الزيف والتهريج المسموم , في   الضيجيج الاعلامي المخادع , والشعارات المزيفة , التي يحقن بها الناس بمورفين  الخدر والطاعة , عبارات لامعنى لها  ( عودة . حرية . تحرير . عدالة ) عبارات ترقص وتطبل في سيرك السياسي التهريجي  والبهلواني السفيه  . لتكون الحياة خواء وزيف وهذيان , لذلك تراود صاحب كتاب ( تقاسيم على وطن منفرد ) هواجس الحنين والشوق ,  نحو عائلته التي تركها , يغلي في  مراجل الحنين  الى طفلته ( ندى ) التي تركها في ( برلين ) , وهي تتشوق اليه شوقاً  , لذلك يأخذه الانفعال العاطفي في مرارته حزينة  الى طفلته ( الحنين ياندى . هو ما دفعنا ان نعود بنشيد مكتوم . باندبرا روساً . متسللين الى وطن حسن التسمية . سيء  المسمى , وطني  القهر . قومي النفاق . عدنا " مهاجرين عائدين "  ليتحكم بنا انفصال الرمز عن الواقع . والالفاظ عن معانيها ... عودة .... تحرير ... أسقاط .... حرية ..  عدالة ... مفردات لا تفعل غير ان تتملى الشيء عن بعد ) ص55 . وطن اللعنة والقهر , وطن ينز بالنفط , ويشح على اهله بالماء . وطن فيه خيرات وفيرة , تتحول الى رصاص لقتل ابناءه , وطن المدن المخربة والمهجورة , وطن تلاحقه الهزائم والخيبات المريرة , لكن اعلام النظام ,  يحولها نصراً وانتصارات تحت راية ( قائد الضرورة ) الطائش والمتهور . حول العراق الى سراديب من السجون والزنازين , ليشن الحرب الشعواء ,  داخلية وخارجية  . وكلها يعتبرها انتصارات لقائد الضرورة . مما يجعل الروح في متاهات الهموم يئن في المعاناة  .            

فأحس بشيء يرتجف بين ضلوعي .  

أتكون فكرة تطرق باب قلبي ؟

أو قد تكون ارتدت اليَّ صدى يرجع للصوت ؟

لا .. ! لا ... ! . لن أبوح بها لعسس الزمان !!

سأكتمها , سأدفنها في صدري !!

سأقول هي صخرة تستصرخ قدمي

سئمت الانسحاق تحت اقدام المارة ) ص97 .

هكذا اصبح الوطن غريباً عن اهله وغرباء عنه , فقد اصابهم هلاك الموت والدمار . وسدت منافذه وابوابه  , سوى منفذ الرحيل والهجرة , في تجريب الحظ . في مصائد المطارات العربية وافخاخها  , التي يتفاخر حكامها بجلادنا ( قائد الضرورة ) ويقدمون له صكوك الطاعة والعظمة , وفروض الخنوع . ان يجندوا انفسهم , بشكل خسيس وحقير , في اصطياد العراقيين , وتحويلهم الى سفارات النظام , ليتم شحنهم بالصناديق مغلقة  الى بغداد  . هذه المطبات الخطيرة والصادمة , وقع بها الاديب ( يحيى علوان ) , في بدايتها تبدأ  الاسئلة الاستفزازية ( لماذا لا تساهم في شرف الدفاع عن البوابة الشرقية للامة ؟؟ أتريد مساعدة من السفارة ؟ ) ص15 . ولكن شرف الامة والدفاع عن النظام , يسقط ويحسم ثمنه  بثمانين دولار, ومع السلامة , ليتمزق شرف الامة ( طق حنك سياسي , لا بيجيب ولا بيودي . ما دخلنا نحنه فيه , قديش معاك مصاري ؟ هات لنشوف أيش المعمول معاك !)) ص17 . هذا الواقع المزري في المطارات العربية , عبارة عن مصائد وابتزاز واستفزاز , بالمعاملة الخشنة للعراقيين  . هكذا وقع العراق في السقوط الذريع بشكل لا يصدق ان يسقط في قبضة فرد دكتاتوري احمق  , كأن الشعب والوطن لايملك أرث  تاريخي وحضاري مجيد ( لا أصدق ان يكون هذا الشعب , سليل سومر وبابل واكد ... هذا البلد يندثر في قيامة الخبل ) ص63 . . حقاً لا يصدق ان يداس تحت بسطال دكتاتور مجنون , غايته الشريرة , تنظيف العراق من الشرفاء من المعارضة السياسية , واصحاب الرأي الحر  , المناصرين  للشعب والوطن . لكن يعتبرون بلغة النظام ,  مارقون لا يستحقون الحياة والبقاء  .

أحقاً نحن المارقون على المألوف ؟

ملحدو الوجع .. كفار اليقين ؟!

كنا عراة , سترنا الاصل بالعزة والكرامة .

نحن الذين سفحنا الخطى في دروب وعرة ٍ

نجوب مجاهيل التجريب . نستعذب حلاوته ؟!

لا ندري كيف نفقأٌ عين الوحشة , حتى لا نموت بلا شاهدة ...... !!

نتسمع حصيف نشوة , تدب فينا كالخدر

أباطر الامل , كنا

فرسان السراب , كنا

حتى غدونا نرعى حلماً

في سهوب الابجدية

وروابي الرطانة ) ص65

------------------------------ -

× × مجزرة بشت آشان .... نقر على ذاكرة مثقوبة  .

رصاص الغدر والجريمة , تلاحق صدور الشباب على حين غرة , وبلا موعد سوى موعد الغدر والخساسة . التي تكشف زيف مهرجانات التحالفات البهلوانية , بالعلاقات المسمومة بالغدر , لتسقط الشعارات المزيفة . شباب جاءوا من بلدان المهجر , يحلمون بالحلم الثوري , في المجابهة بالتحدي الجسور للسلطة الفاشية , لكنهم يجدون انفسهم في برك الدماء من الرصاصات الصديقة , في اصرار على الغدر والجريمة . من الصديق المزيف , الذي لبس قناع السلطة الدكتاتورية عوضاً عنه .

قم . أترك السيرك , فلا مكان لك بين مهرجانات البهلوان

وألعاب القفز على الرقاب

هذا سيرك تضحك فيه حفنة على بقية الناس

وترضى أن تروض أمة على الغباء والنفاق

بالتساوي , توزع الشعارات بين الناس

قم . ماهذا فلن يكفكف دمع السماء احد ...

قم . فما زال باطن العراق حجارة لم يقرضها الزلزال بعد

أفق . أنهم يتحايلون على الذاكرة

ويرمون عظمة تتلهى بها

قم . فلن يمنع طبق الصحب عنك احد

لن يلغي ذاكرة الاهل أحد ) ص109

ويستمر انزلاق وطن القهر والمعاناة , ليصبح كعكة شهية على مائدة  الذئاب الجائعة بشهوانية  عدوانية , في استغلال هذيان الدكتاتورية الفرد الارعن , حتى يقع في فخ السقوط , ليكون كعكة بأكملها تحت مائدة جنود الاحتلال , تحت لافتة . النصر لديموقراطية , التي جلبت انهار من الدماء والخراب , والوطن يفقد صوابية العقل والمنطق بالخبل  , وتلوث سماءه بدخان الحرائق , ومجيء توابع واذيال في عقلية الخرافة والتعاويذ , وغياب الفرح كلياً من مناخ العراق ( كيف أفرح ووطني موغل بالدم والدخان والخبل . حيث يغص أثيره مختنقاً بأبخرة التعاويذ وفتاوى التكفير ... بشعارات كذب ونفاق وفير . وعند ضفاف الشفاه يتكسر الكلام غير المنطوق ... تُرى من يرتق مزق اسئلة , ظلت منشورة على حبال الصوت مترددة , بين خرس الخوف ) ص92 .

× كتاب : تقاسيم على وطن منفرد

× تأليف : يحيى علوان

× الناشر : دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الاعلامية .

× الطبعة الاولى : عام 2012

× عدد الصفحات : 176 صفحة

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 14-08-2018     عدد القراء :  2157       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced