تسعى الأحزاب السياسية الى نشر برامجها ومواقفها بطرق ووسائل متعددة، وعادة ما تكون هذه الوسائل في الدول المتجهة نحو الحياة البرلمانية الديمقراطية مرتبطة بالسقوف التي ترسمها الدساتير ومجموعات القوانين الناظمة، التي يفترض الا تتعارض مع روح الدستور ولا تخضع للاجتهاد والتفسير.
ومن نافل القول ان الوصول الى البرلمان ليس هدفا بحد ذاته بالنسبة الى الاحزاب، بقدر ما هو وسيلة مهمة للتأثير والاسهام في تشريع القوانين، خاصة تلك التي تحظى بالأولوية بالنسبة اليها وترى فيها ما يستجيب لتطلعات وطموحات من تسعى الى تمثيلهم والدفاع عن مصالحهم. كما ان البرلمان منبر مهم للتعبير عن المواقف والسياسات. وتضم البرلمانات في العادة القوى الحاكمة، اَي الممثلة في السلطة التنفيذية، وكذلك غير الممثلة اَي التي تحسب على صفوف المعارضة.
وبشأن المعارضة السلمية نرى ان التصورات متباينة في بلدنا، فهناك من يريد حصرها بالمعارضة البرلمانية، وهو امر خاطئ وموقف لا يستند الى سند ومبرر دستوري او مسوغ قانوني. ففي العديد من مواد الدستور العراقي ما يوفر الأساس لمعارضة متعددة الأشكال والاساليب، داخل وخارج البرلمان، شريطة ان تكون سلمية وتحفظ المال العام والخاص. وما عدا ذلك فهي حرة في ان ترفع الشعارات والاهداف التي ترى ان تحقيقها يَصْب في مصلحة المتظاهرين والمحتجين والمطالبين والبلد عامة، ما دامت تحمل طابعا وطنيا.
وحركة الاحتجاج والتظاهر ليست وليدة اليَوم بل هي ممتدة عبر الزمن، والتاريخ يحمل لنا تفاصيل ذلك . ثم ان الحركات المطالبة والمعارضة لها أهداف وغايات متعددة، تمتد من ابسط المطالَب، مثل تبليط شارع او فتح مدرسة، وصولا الى التغيير الجذري للأنظمة. ولابد من توضيح ان الاحزاب السياسية لا تتأسس لكي تكون احزابا للمعارضة فقط، تمتهنها وتقدسها. فالمشاركة في السلطة وفي قيادتها يبقى خيارا قائما امامها ان توفرت ظروفه ومستلزماته. على ان البعض المحدود يقول بالرفض المطلق حتى للمشاركة البرلمانية، لحين تحقيق الهدف النهائي. وكلاسيكيات الماركسية حافلة بالجدل بشأن مثل هذه المواقف!
وتتوجب الإشارة الى ان المعارضة تحتاج ايضا الى رسم توجهات واضحة، بعيدة عن الإرادوية والرغبوية، ولها مشروعها الخاص الذي تفرضه الظروف الحسية الملموسة. كذلك تقول التجارب، خاصة المعاصرة، ان الاشتراك في سلطة ما لا يعني بالضرورة التطابق الكلي مع اطرافها الاخرى في كل شيء، او الموافقة بالضرورة على كافة اجراءاتها ومواقفها.
نخلص من هذا الى عدم وجود موقف واحد من مسألة المساهمة في السلطة او البرلمان، موقف ثابت لا يتزعزع في كل الفصول والعصور. واغلب الظن ان موقفا كهذا لا يمت بصلة من قريب او بعيد، للقراءة السليمة للواقع بملموسياته ومتغيراته. ومثله موقف من يحلل او يحرم التحالفات والائتلافات كما يراه هو، وليس وفقا للواقع والاهداف والحاجة بظروفها الملموسة المتغيرة. فما يصح اليَوم ربما يفقد قيمته غدا، كليا او جزئيا، والعكس صحيح ايضا.