خلص تقرير حكومي صادر عن لجنة مشكلة بأمر رئيس الوزراء، وشارك فيها ممثلون عن عمليات وزارة الداخلية، وقيادة العمليات المشتركة، وقيادة القوة البرية، وجهاز الامن الوطني، وجهاز المخابرات الوطني، واستخبارات وأمن الدفاع، والاستخبارات العسكرية، للتحقيق في احداث البصرة، الى "عدم استخدام القوة النارية من قبل الأجهزة الأمنية، وأن الشهداء والجرحى الذين سقطوا في التظاهرات من المدنيين والأجهزة الأمنية كان نتيجة إطلاق النار من قبل عناصر مندسة، حيث بلغ عدد الشهداء تسعة كما كانت هناك إصابات عديدة في صفوف القوات الأمنية" . وبين التقرير ان "العناصر المندسة كانت تنتمي لأحزاب مختلفة".
من جهته، قال مدير شرطة البصرة، الفريق رشيد فليح نجم، في مؤتمر صحفي عقده يوم الثلاثاء الماضي، إن "القوات الأمنية تمكنت من القاء القبض على المتورطين بأعمال الحرق والتخريب التي رافقت التظاهرات التي شهدتها البصرة". واضاف أن "المعتقلين ينتمون الى (التيار الثالث)، وعدد الذين تم القبض عليهم سبعة، أحدهم الأمين العام، وان الجهود الأمنية مستمرة لإلقاء القبض على آخرين من نفس التنظيم".
هكذا وببرود اعصاب صب التقرير الماء البارد على قضية ملتهبة وحساسة، بعبارات عامة سعت الى التمويه والتورية والتغطية على المسؤولين عما اقترف بحق المواطنين المتظاهرين السلميين والمطالبين بحقوقهم العادلة، وهو ما كفله الدستور لهم .
لا احد من ذوي العلاقة يتفق مع التقرير في ان عدد الشهداء هو ٩ فقط، بل يذكرون ان عددهم تجاوز ٢٥ شهيدا ، فيما لا يزال عدد من المتظاهرين رهن الاعتقال. وايا كان العدد يبقى السؤال: من قتلهم واستخدم الرصاص الحي؟ هل هم " المندسون "؟ وإذا كان الامر كذلك، وهؤلاء المندسون معروفون على ما يبدو لكاتبي التقرير، فلماذا لم يتم اعتقالهم واتخاذ إجراءات تحول أساسا دون وصولهم الى ساحات الاحتجاج؟
وتتوجب الإشارة هنا الى ان السلطات الحكومية ما انفكت منذ ٢٠١١ تتحدث عن "مندسين " وظلت تحذر منهم ، ولكن الغريب والعجيب انها تقول ذلك فقط ولا تفعل ما يثبت قولها!
على ان المواطن وهو يتابع هذا الملف الملتهب لا يدري يصدق من؟ فالتقرير يقول ان المندسين من " احزاب مختلفة " في حين يقول مدير الشرطة انهم من " التيار الثالث " وقد تم اعتقال عدد منهم. فاين الحقيقة هنا؟
وفِي السياق ايضا، يبدو ان جماعة " التيار الثالث " معروفون للأجهزة الأمنية. لذا يتكرر السؤال : لماذا اذن تركتموهم طلقاء حتى قاموا بما قاموا به؟
ان هذا ليس الملف الاول ولا يتوقع ان يكون الأخير الذي يراد غلقه وتسجيل التهمة ضد "مجهول"، فهناك غيره الكثير من الملفات التي يراد ان يطويها النسيان عن عمد وتصميم وسبق اصرار .
وان من الخطورة بمكان ان تدخل جماعات مسلحة على الخط، وتشرع بمعالجة الموضوع على طريقتها الخاصة آخذة القانون بيدها. والأكثر قساوة وإيلاما ان يرافق ذلك ازهاق لمزيد من الأرواح البريئة!
ان المحتجين والمتظاهرين عموما خرجوا الى الشارع بعد ان وصل السيل الزبى وسدت الأبواب وصارت الأحوال تسير من سيء الى أسوأ. وهم رفعوا ويرفعون مطالب عادلة تمس حياتهم على نحو مباشر، فكان الاوْلى أن يستجاب الى مطالبهم بدل قتلهم او اعتقالهم.
ان هذا الملف وغيره من الملفات الساخنة، لن ينسى بالتقادم، ولن يضيع حق وراءه مطالب، فكيف وهناك الملايين التي تقف متضامنة مع المتظاهرين والمحتجين ومطالبهم العادلة .
وستظهر الحقائق من دون ريب، ان لم يكن اليوم ففي الغد!