اصبح جليا ان التعليم بمختلف مستوياته، يعاني من اشكاليات جدية وصعوبات متعددة. ولا يقتصر الامر على الكتب المنهجية، والنقص الحاد في المدارس المؤهلة، وإعداد المعلمين والمدرسين الكفوئين، ومواكبة التطورات العلمية الجارية في العالم، وجودة مخرجات التعليم وربطها بحاجات البلد التنموية، وحتى، وهذا هو الاساس، غياب الرؤى المتكاملة، وضعف التخصيصات في الموازنات العامة، ومنها مشروع موازنة ٢٠١٩.
وفِي وقت يتضاءل فيه اهتمام الدولة بالتعليم وبتطويره وادائه وظيفته متعددة الأهداف، ينتشر التعليم الأهلي والخاص من دون عناية كافية بنوعيته ومدى مطابقته للمواصفات والمعايير المطلوبة. ومن جانب آخر يحصل فرز واضح بين المواطنين وقدراتهم على مواصلة التعليم، وتبرز الخصائص الطبقية للتعليم ذاته وأكثر، بمعنى اقتصار التعليم بنحو متزايد على العوائل القادرة على توفير متطلباته المتزايدة، سواء داخل العراق أم خارجه.
ان الخطورة لا تكمن في ضعف جودة التعليم وحسب، وإنما في بروز ظواهر جديدة ترافق العملية التربوية والتعليمية، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر، تزايد نسب الإعادة وتكرارها، كذلك التسرب من المدارس الذي تقول احصائية لوزارة التربية ان نسبته اقتربت من نسبة ٢٠ في المائة، ومن اسبابه ما حصل للمحافظات الشمالية والغربية التي ابتليت بداعش الإرهابي، وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية.
ويبقى الامر المقلق حقا يكمن في ما له صلة بنسبة الأمية في العراق، التي تتحدث المصادر المطلعة عن تجاوزها ٤٠ في المائة! أي ان ما يقرب من نصف سكان العراق أميون، في حين ذكر مسؤول في وزارة التربية ان العراق كان في فترات سابقة قد تخلص من الأمية! وكانت عضو لجنة التربية في مجلس محافظة بغداد نسرين هادي، قد ذكرت في تشرين الاول الماضي أن نسبة الأميّة في العاصمة بغداد وحدها بلغت 50 في المائة من المواطنين الذين تتراوح أعمارهم بين 6 و40 عاما!
فإذا كانت هذه هي حقا النسب في بغداد، فمن المؤكد انها تزيد عن ذلك بكثير في بعض المحافظات الاخرى، وانها ترتفع كثيرا في ارجاء الريف العراقي الفقير أصلا، ولا تتوفر فيه الخدمات.
انه لامر مفجع ان يصل حال التعليم الى ما وصل اليه اليوم. ولا يكفي لوقف هذا التدهور وانتشال التعليم من واقعه المر رصد مبالغ معينة او زيادة التخصيصات في موازنات الدولة، فالقطاعات المختلفة، الإنتاجية وغيرها، مترابطة ومتبادلة التأثير. ولنتذكر ان احد أسباب التسرب من المدارس هو حاجة العوائل الى من يعيلها، فتضطر الى اجبار اولادها على العمل، فاقدين بذلك طفولتهم وتعليمهم.
ولنتذكر ايضا ان المواطن حين يرى خريج كلية معتبرة يعجز عن العثور على فرصة عمل، سواء في القطاع العام أم الخاص، ويلجأ الى فتح "بسطية" بسيطة له لتوفير لقمة العيش، فانه يقول مع نفسه: بمستطاعي فتح هذه "البسطية" فعلام التعب للحصول على شهادة لا فائدة منها؟
هذا غيض من فيض واقع الحال الراهن من دون رتوش، أفلا نحتاج إزاءها الى ثورة اصلاح!
ومن المؤكد ان ثورة كهذه لن تقوم، اذا لم يدرك المواطن مصالحه ويساهم بفاعلية في مشروع التغيير.