مفهوم تماماً ان انتخابات مجالس المحافظات قد عُطلت بذرائع تحمل عناوين مختلفة، بعضها يبدو مقبولاً من حيث الشكل. وهي منذ تشكيلها غدت ساحة للتنافس والتدافع تحت عناوين مختلفة ويغطي ذلك على الصراع الحقيقي المحتدم على المصالح والنفوذ والهيمنة. ولم يعد هذا بمعزل عما يدور في البلد عموماً والذي تتجه التطورات فيه، بهذا الشكل او ذاك، الى التبلور في اتجاهين احدهما يتشبث بالماضي بما يحمله من فشل وسوء ادارة وفساد ومحاصصة، والآخر الذي يريد السير على طريق الاصلاح. وبين الاتجاهين منطقة رمادية واسعة تتحرك فيها ايضاً مجموعة من القوى تحكم مواقفها عدة عوامل وفيها من النفعي والمصلحي الشيء الكثير.
مجالس المحافظات غدت ساحة للصراع الحاد تستخدم فيها كل الوسائل، بما فيها "الضرب تحت الحزام". وهي بهذا المعنى تبتعد كثيراً عن هموم وتطلعات الناس، ويرى العديد ان تجربة الحكم المحلي (المحافظة + المجلس) لم تبرر قيامها، حتى قياسا الى المبالغ الكبيرة التي تنفق عليها من دون مردود يبرر ذلك.
والتقدير ان هذه التجربة ليست هي المسؤولة عن مآلاتها بقدر ما يحتاج الامر الى تقويم شامل لها ولادائها وليس التسرع باتخاذ اجراءات قسرية او جراحية لن تزيد الامور الا تعقيداً وخاصة ان البلد، كما يشير الدستور، يتجه الى الادارة اللامركزية وتوزيع الصلاحيات بين المركز الاتحادي والاقاليم والمحافظات.
ان اهمية مجالس المحافظات تزداد مع مرور الزمن، خاصة بعد نقل عدد من صلاحيات الوزارات اليها (ثمانية)، وكذلك حجم التخصيصات المالية لها وصلاحياتها في اقامة المشاريع واداراتها، ولذا يبدو من العبث تماماً ان تجري الاستهانة بدورها وما تنهض به، واذا ما جرى تأشير العديد من الجوانب السلبية عليها وعلى ادائها فيتوجب البحث عن هذه الجوانب بروية وبروح الحرص على تأهيلها وتخليصها مما يعتريها من نواقص وثغرات جدية، وفي المقدمة ما ابتليت به من محاصصة وما تفشى فيها من ظواهر للفساد، حالها حال مؤسسات الدولة الاخرى.
ان المواطن يتطلع الى مجالس محافظات فاعلة ، نشطة وتضم عناصر وطنية كفوءة مخلصة، ملتصقة بهموم المواطن ومشاكله، تعمل على بناء المحافظات وتلبية حاجات ابنائها والاستجابة الى مطالبهم.
التجربة الراهنة تشير الى ان مجالس المحافظات، مع التفاوت بحدود معينة في ادائها وقوامها ونوعية عناصرها؛ تشير الى حاجة ماسة لتجديدها وبعث الحياة فيها من جديد على وفق المواصفات اعلاه. والمدخل الى ذلك التوجه الجاد الى اجراء انتخاب مجالس المحافظات بعد تهيئة المستلزمات لها بضمن ذلك قانون انتخابي منصف وعادل ومن العبث اضاعة المزيد من الفرص وهدر للمال والوقت، وعلى حساب المواطن ومصلحته.