اوضاع صعبة وشائكة هي التي تحيط بالعراق والمنطقة، والتي تتقاطع فيها مصالح متعددة وتوجهات متعارضة. وهي اوضاع ذاهبة كل يوم الى المزيد من التشابك والتعقيد. والغائب دائما في كل ما جرى سابقاً وما يجري اليوم ه مصالح "اهل الديرة"، الذين تقع على رؤوس بناتهم وابنائهم كل عواقب ما يقترفه حكامها من سوءات وموبقات، وما يرحّل اليها من خارجها.
المنطقة تسخن ليس على نار هادئة، بل مضطرمة لاهبة، ونسمع كل ساعة تصريحات نارية واخرى اشد منها في سباق نحو المزيد من التأزيم والتوتير. بل ان بعضها انتقل الى الفعل، كما نرى في ما تشن اسرائيل من اعتداءات على مواقع في سورية، بذريعة انها ايرانية او موالية لها. وقد اخذت الآن تهدد بضرب مواقع في العراق حسبما افادت وسائل الاعلام، فيما هي تواصل رفض حقوق الشعب الفلسطيني، وتمارس ضده القمع والتقتيل على نطاق واسع.
ومن جانبها ما برحت تصريحات الادارة الامريكية ورئيسها ترامب تصب الزيت على النار، المندلعة اصلاً بفعلهم مباشرة او بالوكالة، او انهم في احسن الاحوال يتغاضون عنهم.
ويتصاعد التقاطع والصراع بين ايران وامريكا، حيث فرضت الاخيرة عقوبات شديدة على الاولى، فيما تعلن ان لا استثناءات اضافية بشأن استيراد النفط الايراني. ولا شك ان العراق معني قبل غيره بهذه التطورات وما يليها وينجم عنها.
فكيف سيتم التعامل مع ما يجري، وهو خطير ويجعل مصير المنطقة مفتوحا على احتمالات عدة، قد يكون احلاها مرّ..؟
بادي ذي بدء لا ينفع هنا ولا يقدم او يؤخر التراشق الاعلامي والحديث عمن يتحمل مسؤولية استقدام القوات الاجنبية الى اراضي وطننا. فالتاريخ حفظ وجوه من حضروا وشاركوا في مؤتمر لندن للمعارضة آنذاك، من القوى والاحزاب والشخصيات، كذلك من لم يحضروا ورفضوا التعويل على العمل العسكري الخارجي للخلاص من النظام الدكتاتوري. وقبل هذا كان هناك الموقف من الحصار الاقتصادي، الذي فرض على شعبنا وتناغم معه البعض وعدّه وسيلة اضافية لاضعاف النظام ما قبل 2003، فيما تحول الحصار آخر المطاف الى عقوبة للشعب وليس للنظام، الذي تعامل معه بمنطق ذرائعي، وعلق على شماعته ما عاناه ابناء الشعب العراقي وقاسوه.
وانطلاقاً من هذه التجربة وما حملت من دلالات واشارات بليغة، لا ينبغي القبول بمعاقبة أي شعب بذريعة مواقف احكامه.
ان العبرة ليست في نبش ما مضى، فهذا قد سُجل ودون كما هو. واذا كان البعض يريد مراجعة مواقفه واعلان ندمه على تناغمه مع الاحتلال، فهذا امر آخر.
ولكن هنا يطرح السؤال: كيف سينأى العراق بنفسه عن صراع لا ناقة له ولشعبه فيه ولا جمل. صراع اذا تطور الى صدام مسلح فسيلحق المزيد من الأذى والدمار بشعوب المنطقة، ومنها الشعب الايراني.
ان الحكمة تكمن في الانطلاق من مصلحة الشعب العراقي اولاً، وتجنيبه أية صعوبات ومشاكل اضافية،. فأوضاع بلدنا معقدة اساساً بما فيه الكفاية، ولا تحتاج الى مزيد. وان اية حسابات واعتبارات اخرى غير ما نذكره، تعني التساوق مع مشاريع واجندات لا علاقة لها بما يتطلع اليه العراقيون، من امان واستقرار وخدمات وفرص عمل وتنمية.