يقلق الفساد الكثيرين من دون شك، خصوصا وهو ما برح يتعمق في مختلف مفاصل الدولة، وتمتد اذرع اخطبوطه الى المجتمع، فيتجلى بأشكال وصور عدة. والفساد مصدر نزف دائم لموارد الدولة، ومعرقل لأداء مؤسساتها مهامها، وعنصر كابح وطارد للاستثمار الوطني والأجنبي .
والأخطر هو ما يحصل من تشابك مريع بين الجهات المتنفذة ومافيات الفساد. كذلك الدخول الواسع على الخط للجماعات المليشياوية، وما توفره من حماية ودعم.
وهكذا بات الفساد خطرا داهما لا يقل شأنا عن خطر الاٍرهاب وداعش وسواهما، وصار التصدي له يحتاج الى مقاربات متنوعة متعددة، وليس في الاطر وحدها على أهميتها .
وفِي المقدمة هنا تأتي استعادة هيبة الدولة ومؤسساتها، خاصة العسكرية والأمنية، وقدرتها على اداء دورها وفرض سيادة القانون وتطبيقه على الجميع. وهنا يتوجب ان يوضع شعار او هدف مسك السلاح بيد الدولة موضع التطبيق العملي مع الإقدام على إجراءات ملموسة .
وإزاء ما يعلن كثيرا، من ان الفساد تقف وراءه جهات سياسية متنفذة ومدججة بالسلاح، لا بد ان يكون هناك موقف صريح وواضح، خصوصا وان الحديث يجري عن بعضها الممثل في البرلمان والحكومة !
وقد أصبح واضحا الآن ان السير على طريق الاصلاح والتغيير، بدءا بالنظام السياسي، والخلاص من آفة المحاصصة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب ، توفر فرصا افضل لتحقيق نجاحات على طريق الحد من الفساد، خاصة في عناوينه الكبيرة. وهل هناك عنوان اكبر من تهريب النفط، على سبيل المثال لا الحصر؟!
ومما لا شك فيه ان للقضاء دورا كبيرا في هذا الشأن. ويشخص العديد من المراقبين وجود تدخل في شؤونه من جانب المتنفذين، وان قراراته لم تكن جميعا موضع رضا وقبول ، كما تُشخص حالات تفاوت في الأداء .
وتبقى الجهات الاخرى المعنية بالتصدي للفساد، في حاجة الى مراجعة وتمحيص وتدقيق لادائها وتوجهاتها، ولكادرها التنفيذي الذي سجلت عليه في الفترات السابقة ملاحظات، قالت بها تلك المؤسسات ذاتها ونشرتها على مواقعها. بل وحامت شبهات فساد حول بعض من يفترض انهم يحاربون الفساد ويتصدون له، حتى لينطبق عليهم القول الشائع " حاميها حراميها". وهنا يتوجب قبل كل شيء الخلاص من " حرامي البيت ".
وفِي هذا السياق ايضا يأتي دور مجلس النواب وواجبه الرقابي، وتقديم أعضائه مثلا حسنا في هذا الشأن، كذلك عملهم على تعزيز المنظومة القانونية وتطويرها، بما يمكّن من ملاحقة الفساد في اشكاله القديمة والمستحدث منها، وهي عديدة ومتنوعة، يسعى من خلالها الى استغلال اية ثغرات قانونية لإدامة ما يقترف من جرائم بحق الشعب والوطن، وبضمنها الثغرات في قانون العفو العام .
ان الناس تنتظر إجراءات ملموسة وحاسمة، خصوصا وان بعض الملفات تتوفر فيها ادلة مؤكدة على وقوع التلاعب بالمال العام.. فعلام الانتظار؟!
ومن المؤكد ان تحقيق نجاحات على هذا الصعيد سيلقي بترحاب كبير ، ويقدم قرينة على صدق النوايا والإصرار على حفظ المال العام وحسن استخدامه . وأصبح ملحا الان إطلاق حملة وطنية شاملة لمكافحة الفساد.