لا جدال في ان نصرا عسكريا كبيرا على داعش قد تحقق، وجرى تحرير محافظات الوطن التي وقعت تحت سيطرته، في واحدة من المفارقات الغريبة التي تحصل في عراقنا وما أكثرها. لماذا حصل هذا التدهور المريع امام أنفار من داعش؟ وهل كان بالإمكان تجنب ذلك؟ ومن المسؤول عما وقع، وما سبب كل هذه المآسي والكوارث ومنها جريمة الإرهابيين الاخيرة ضد النساء الايزيديات؟
لا يجوز ولا للحظة واحدة ان ننسى ما حصل، بل يتوجب ان نظل نذكّر به حتى تظهر حقيقة ما جرى، وحقيقة من كان وراء هذه النكبة، ان هذا مهم كي لا يُسوّق من كان وراء الكارثة من جديد، وتُلمّع صورته ويعاد الاعتبار اليه.
البعض يريد ّ هذه الصفحة، فهي تؤرقه قطعا. ولكن كيف يمكن تناسي آلاف الضحايا وملايين المشردين والخسائر المادية الهائلة، حيث قيل ان اعادة إعمار المناطق المنكوبة تحتاج الى أكثر من ١٨٨ مليار دولار؟
ليس هذا فقط، فداعش لم يهزم بعد بشكل كامل، وما يقوم به من جرائم وتفجيرات في مناطق مختلفة من ديالى وصلاح الدين وكركوك والموصل والأنبار، يضغط علينا لنتقصى حقيقة ما حصل ولنتمعن في دروسه بما يساعدنا على سد الثغرات التي يتسلل منها الإرهابيون القتلة ويقطع الطريق على مشاريعهم المدمرة، والتي لا تستهدف الا المزيد من سفك دماء الأبرياء.
داعش الاٍرهابي يتقهقر في سوريا ويخسر يوما بعد آخر مواقعه التي كان يسيطر عليها. ومن المؤكد ان ثمن التحرير غالِ بشريا وماديا، وقد دفع الفاتورة الشعبان العراقي والسوري أساسا. وبقدر ما يفتح هذا الطريق، خصوصا في سوريا، لمعالجة ما تراكم من إشكالات وتدخلات خارجية، ويعيد الأمن والاستقرار، ويفسح في المجال للشعب السوري ان يقول كلمته ويقرر مصيره ويرسم مستقبله، يبقى السؤال قائما بشأن الخطوات اللاحقة في البلدين، كي لا يتكرر داعش بأشكال وصيغ اخرى.
وفيما يخص بلدنا العراق، يتوجب القول ان ما تم الإقدام عليه من خطوات واجراءات، خاصة في المناطق المحررة من قبضة الاٍرهاب، هو دون الحاجة بكثير، فضلا عن اهمية وضرورة ضبط إيقاعات مختلف الاطراف، كي لا يشعر أهالي هذه المناطق من جديد بانهم محاصرون ومهمشون ولا يلقى لهم الا بالفتات، وان لا تكون خيارات الناس بين العيش البائس في مناطقهم التي اصابها الكثير من الدمار والخراب، وبين العودة من جديد الى مخيمات اللجوء البائسة. ألم تشر مصادر عدة الى نية كثير من المواطنين العودة مجددا الى تلك المخيمات؟ فضلا عمن هو مجبر على البقاء فيها لأن العودة الى بعض المناطق اشبه بالمستحيلة لأسباب عدة، منها الدمار الهائل وانعدام ابسط مقومات الحياة، وسعي بعض الاطراف المسلحة الى فرض واقع جديد فيها مختلف عما كان قبل وقوعها تحت سيطرة داعش. وهذا ما يجري تداوله علنا، فيما يبدو ان إجراءات الدولة لمعالجة الامر هي من البطء بحيث لا يشعر بها احد. ولا يخفى على احد كذلك الصراع المستعر في هذه المناطق بين مختلف الأجندات السياسية، والخاسر فيه هو المواطن اولا وأخيرا.
داعش لم يهزم تماما بعد. هذه حقيقة يتوجب على مختلف الاطراف، خاصة المتنفذة منها، ان تعيها وان لا تسمح لنشوة النصر العسكري ان تأخذها بعيدا. فالمطلوب كان وما زال يستلزم الأقدام على مقاربات مركبة ومتكاملة، لدحر داعش والارهاب عموما وتجفيف منابعه وتخليص شعبنا من شروره.