العراق في ذمة البناة من ابنائه وليس في عهدة البغاة العتاة
بقلم : فاضل پـولا
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

الأوطان تقوم وتنهض بهمة الغيارى المخلصين من ابنائها الذين يعتزون بهوية مواطنة مصانة ابداً بالحرية والعدالة والمساواة بين ابناء الشعب الواحد ، بصرف النظر عن انتماءاتهم الأثنية والمذهبية وحتى السياسية . وفي تاريخ الشعوب التي نهضت وتطورت ، سجلاتٌ عما اجترحه رواد الحرية  من ابنائها في قدح زناد التنوير للخروج من دهاليز التخلف الى رحاب الديموقراطية التي كفلت التحرر والحداثة والتمدن والتقدم لتلك الشعوب لبناء صروحها الحضارية . مفهوم الديموقراطية اليوم اصبح رائجاً في جميع انحاء العالم تقريباً ، وهو سمة اساسية  للأمم المتقدمة التي تسبق في تقدمها الحضاري  بقية دول العالم  بمئات السنين .

في اعقاب حرب الأستقلال الأمريكية سنة 1783 والثورة الفرنسية 1789 انتشر مفهوم الديموقراطية في اوربا ، وبالتدريج  بات ركن من اركان قيام الدولة هناك .

وكنتيجة للحرب العالمية الأولى ، عرفت شعوب الشرق الأوسط هذا المفهوم عند وضع الدساتير  لدول اُنشِأت حديثاً بعد انتزاع المنطقة من الدولة العثمانية ، وهي العراق والشام التي تم تقسيمها الى سوريا ولبنان وفلسطين .

اقيم في كل من سوريا ولبنان نظام جمهوري ولأول مرة في تاريخ المنطقة . ويفترض بهذا النظام أن يرسي على مفهوم الديمقراطية .

تم تتويج فيصل ابن الحسين ( فيصل الأول ) ملكاً على دولة العراق تأسست وفق دستور ينص على اقامتها وفق اسس نيابية ، بعد انتخاب مجلس نواب بشكل ديموقراطي لأول مرة في تاريخ البلاد ، والى جانبه تم نشكيل مجلس الأعيان . وفي الدستور مواد اساسية تكفل لجميع ابناء الشعب حقوقهم والمساواة في هوية المواطنة ، وعلى ضوء تلك المواد ، يتم تشريع القوانين الوضعية لتحديد صلاحيات المسئولين وتنظيم العلاقة بينهم وبين ابناء الشعب .

حل النظام الملكي الدستوري محل ( التوتالتاريا ) العثمانية البغيضة  ، ودخل العراق مرحلة جديدة شهدت تشكيل الجيش العراقي واحزاب سياسية ، منها مجازة تعمل بالعلن . وعلى  هذه الأرضية الجديدة ، نما شعور المواطنة ، وتكونت فئة المثقفين الثوريين (  الأنتلجنسيا ) الرانية الى التخلص من الإنتداب البريطاني وتحقيق الإستقلال الناجز  للوطن .

ولم يمر عقد من السنين على تشكيل الدولة العراقية ، وإذا بالمكائد تطفو على السطح جراء الصراع الداخلي والإنقاسامات بين رجالات السلطة اي بين البناة والبغاة كنضال ضدين وهم موحدان في مجتمع واحد ( من مفهوم ديالكتيكي في وحدة وصراع الأضداد )   ونجم عن ذلك اول مؤامرة في تاريخ دولة العراق سنة 1928  تم فيها تصفية جعفر العسكري وزير الدفاع في حكومة ياسين الهاشمي . وكان الحادث انذاراً بدخول العراق في مسلسل الإنقلابات العسكرية. ومن هناك تصاعد الإحتقان بين رموز قيادة الدولة ، وتمخض عن  اول إنقلاب قاده الفريق بكر صدقي سنة 1936 والذي انتهى هو الآخر بعملية اغتيال سنة 1937 وفي سنة 1941 كان انقلاب رشيد عالي الكيلاني الذي قاد العراق الى حرب فاشلة مع الإنجليز . وبعد ذلك شرعت الأحزاب الوطنية تحرك الجماهير وتعبئها لإسقاط  وزارات غير كفوءة حسب معايير ذلك الوقت . ونتيجة ذلك كانت انتفاضة 1948 وبعدها انتفاضة 1952 وبعدها 1956 وانتهت بتفجير ثورة الرابع عشر من تموز الوطنية التي قادها الزعيم عبد الكريم قاسم 1958

وضعت نهاية للعهد الملكي في العراق بإبادة العائلة المالكة على يد العتاة ومنهم من طالت يديه للتمثيل بجثث الضحايا بشكل بشع ، شوهوا بعملهم صورة ذلك الفجر الذي استقبله شعب العراق بابتهاج وشوهوا صورة  العراق امام العالم .

كادت ثورة تموز أن تكون نقلة نوعية في تاريخ العراق بانجازاتها العظيمة لولا مكائد الغلاة ومؤامراتهم منذ الأشهر الأولى لإنفجار الثورة . حيث بدأ الإصطفاف المعادي من داخل الوطن وخارجه بتشويه صورة عبد الكريم  قاسم ونعته بالدكتاتورالأهوج وهو قمة في التواضع والنزاهة والإنفتاح وفي منتهى الأمانة في خدمة وطنه . تم اختراقه وانهاؤه من خلال خصاله الحميدة وتسامحه ورأفته ، لكنه نال الخلود عند شعبه وغدا اسمه سامقاً تذكره الأجيال كرمز متألق ممن حكموا العراق  .

وبعد اجهاض ثورة تموز في موامرة احتشدت في مضاميرها القوى القومية في الداخل وفي دول الجوارالعربي مع جميع فصائل القوى الرجعية المحلية المضروبة مصالحها من الأقطاعيين وعملاء شركات النفط وايتام النظام الملكي وبالتعاون الحار مع الدول الكبرى والأخص دول ( الكوسرتيوم ) النفطي امريكا وبرطانيا وهولندا ، اضحى العراق ساحة لإنقلابات عسكرية متلاحقة وشعبه دمى بيد البغاة ، واما البناة من ابنائه الغيارى اصبحوا مشورع ضحايا .

وتواصل رواد البغي والترويع من انقلاب الى آخر حتى تهيأ لهم استلام الحكم بعد التآمر على الرئيس عبد الرحمن عارف ، الذي انتهج سلوكاً هادئاً في حكمه ومتسامحاً ، مما هيأ الفرصة للبعث المتربص لإزاحته في انقلاب سنة 1968

استلم البعث السلطة ثانية وقدم نفسه للشعب ( ذئب بفروة حمل ) اعلن عن مراجعة النفس والإستفادة من الأخطاء واخْذِ العبر من الفشل ، ودعا جميع القوى الوطنية الى التراضي والتكاتف ونبذ الصراع ، واتخاذ مسار واحد لبناء تجربة وطنية جديدة . استبشر العراقيون بتلك الدعوة وشعروا وكأنهم على موعد مع فتح صفحة جديدة ، يتم فيها تكاتف يمحو ذكرى المآسي وينعش الآمال في بناء الوطن  .

تم ابرام الصلح مع قادة الثورة الكردية واصدار قرار 11 آذار يمنح الحكم الذاتي للأكراد وكذلك بدأ التقارب مع الحزب الشيوعي العراقي ، وتواصل الطرفان  في مساعيهما حتى توقيع ميثاق جبهة وطنية بينهما . وأما الأكراد اصبحوا خارج قوس وانفرط الصلح بينهم وبين البعث ودارت بينهما رحى الحرب ثانية .

سارت الأمور مع الشيوعيين باللسع والنغز والإغتيال واختراق الصفوف والتطويق حتى بلغ مرض الغلو أشده في عملية الإجهاز الكلي على الحزب الشيوعي وتصفية عناصره بعملية خبيثة ومدبرة .

والبغاة موضوع البحث لا يقر لهم قرار ، الاّ بإزاحة كل من يخالفهم في الفكر والرؤية والعقيدة السياسية والخطة والموقف وغير ذلك .

ولم يسلم  حتى البعثيين انفسهم من شرور تلك الغلواء إذ اقدم صدام على احالة رفاقه الى محكمة حزبية  وانزال بحقهم حكم الإعدام بتهمة الخيانة العظمى لعدم اعطاء اصواتهم له في عملية التصويت ، لبناء الوحدة المنشودة بين العراق وسوريا .

كما انه أجبر رئيس الدولة محمد حسن البكر على الإستقالة ليحل محله ويتتخذ من نفسه دكتاتورأ مروِّعاً لا يجارى ، يحكم الشعب بالحديد والنار . في حين كان البكر متواضعاً لا تغريه رئاسة الدولة ومحصن من داء العظمة ومن امراض الإستبداد .

واليوم نقف عند الوضع السياسي العراقي حيثما غتم المناورون يلعبون لعبة وضع العصي في عجلة العملية السياسية ، لكي تبقى متعثرة وبالتالي الإجهاز على النظام السياسي بشكل عام.

لم يبطل هرجهم طيلة سنوات من عمرتشكيل الحكومة في العراق الجديد ، يكيلون التهم حسب اهوائهم وهم عاجزون عن تأدية واجباتهم في مراكزهم الحساسة كمسؤولين وحتى كمواطنين . ينسبون كل الإخفقات الى غيرهم وكأنهم ليسوا في صلب العملية السياسية العراقية. وكأن ليس هناك غيارى من ابناء العراق الاّ هم . كل انتخابات تشريعية قالوا عنها مزورة .! وكل اجراء بملاحقة المسيئين في مؤسسات الدولة يفسرونه بطغيان او جريمة .! واذا تم تحريك قطعات عسكرية لتطويق حالات العصيان هنا وهناك ، نعتوا رئيس الحكومة بالدكتاتور ، وكأن هناك نظام لا دستور له ولا برلمان ولا هيئة قضائية عليا ، كل الأمور وكأنها تسيَّر بإرادة حاكم مستبد وطاغوت يتصدى لكل قضية بإشارة من يده .

لقد فضحت احداث الغزو الأخيرة  ما كان وراء هذا الزعيق ، سوف تثبت الأيام . بأن لم يبق في العراق اي منبت للدكتاتورية . والمخلصون من الشعب العراقي ، دفع ولا زاال يدفع ثمناً غالياً للمضي الى امام في ترسيخ قيم ومفاهيم الديموقراطية التي يتوق لها رغم مآسيه ورغم ضريبة الدم الباهضة التي يدفعها يومياً .

لم يبق في دستور العراقيين ولا حتى في عرفهم اي قبول لشخص مهما بلغ شأنه ، أن يحكم البلد بمشيئته ، أي على قول الشاعر شعب يُصاد وواحد يتصيد ...!

  كتب بتأريخ :  الجمعة 22-03-2019     عدد القراء :  1431       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced