يتواصل في الجزائر والسودان حراك جماهيري نشط وفاعل، يذكّر بمثيله الذي حصل سابقا في العديد من بلدان منطقتنا والعالم. وفيها جميعا كانت الرسالة واضحة صريحة ولا تقبل التأويل، تقول ان استمرار الحال من المحال.
لقد تسارعت الاحداث وتطورت اخيرا في الجزائر والسودان، مزيحة بوتفليقة والبشير ومرجحة إمكانية وصولها الى غاياتها المرجوّة، وتحقيق مطالب الجماهير العادلة. لكن هذا يبقى مشروطا بتوفر عوامل عدة، منها مواصلة الحراك الشعبي زخمه، وانخفاض مستوى العفوية فيه، وإمساك القوى الوطنية الحقة بزمام الامور وتماسكها، وتفويت الفرصة على التدخلات الخارجية المحتملة.
ان تحقيق ذلك والإصرار على مواصلة الضغط الشعبي، من شأنهما التمهيد لتغييرات عميقة تضيف معلماً جديدا ذا طعم ومذاق خاصين، ومن شأنهما ان يتركا تأثيرات ايجابية على عموم المنطقة، خاصة وان شعوبها تعيش أوضاعا متشابهة في ما يتعلق بحقوق الانسان ومستوى المعيشة والحريات العامة والخاصة والممارسة الديمقراطية الحقة، والتنمية المستدامة والمتوازنة والعدالة الاجتماعية.
لقد ضاقت شعوب هذه البلدان وغيرها ذرعا بحكامها، الذين اطلقوا العنان لقبضتهم سنين طويلة تمارس القمع والقهر والاستبداد و"تسمين" الحاشية والبطانات، على حساب المال العام الذي يسرقونه وينهبونه، الى جانب تجويع عامة الناس. وقد استعانوا في ذلك بتجربة غيرهم من الحكام الدكتاتوريين المستبدين، مسخرين مؤسسات الدولة لخدمتهم وخدمة المطبلين لهم، ومؤسسين اجهزة ومؤسسات تغدق عليهم المديح ليل نهار لتبييض وجوههم الكالحة، ومستعينين بوعاظ السلاطين وبائعي الاقلام والضمائر، اضافة الى بناء اجهزة قمعية تحصي انفاس الناس، وتشكيل احزاب ومنظمات سياسية كارتونية هلامية زئبقية لا طعم لها ولا رائحة، امعانا في تشويه الحياة السياسية والحزبية السليمة.
ويلبس هؤلاء الحكام المستبدون زيفا وزورا، كما في كل العصور والأزمان، جلباب التدين والورع تارة، وتارة اخرى رداء الوطنية وهم المستعدون على الدوام لبيع أوطانهم بأثمان بخسة، مقابل التمسك بالكرسي والحفاظ على مصالحهم.
لقد جوّع هؤلاء الحكام شعوبهم، وجلبوا العار لبلدانهم، وسببوا لها الخراب والدمار والتخلف والجهل والمرض والفقر، فلم يبق لها ما تفقده غير قيودها وأسباب بؤسها وتأخرها عن ركب الحضارة العالمي، فيما تكسب من حراكها وانتفاضاتها وثوراتها الحرية، وتغدو سيدة نفسها ومديرة شؤونها وفقا لإرادتها الحرة.
تلك هي تجارب الشعوب حين تمتلك ارادتها وتصمم على الذهاب في صراعها مع قوى الشر والفساد حتى نهاية المشوار. وذلك ما حصل في بلدان عديدة، وسيحصل في المستقبل ايضا. وأين هو هتلر وموسوليني وبينوشيت والشاه وصدام ومبارك وبن علي والقذافي وامثالهم ؟!
ان ما يحصل في السودان والجزائر وغيرهما فيه الكثير من العبر والدروس، التي يتوجب ان تُستوعب وتُستلهم، وعلى الحكام ادراك حقيقة ان كرسي السلطة لا يدوم لاحد، فكيف اذا كان الجالس عليه طاغيا ومستبدا وفاسدا؟!
فالف تحية للشعبين الجزائري والسوداني، نساء ورجالا، شيبا وشبانا، وهما يجترحان المآثر ويقتربان من تحقيق النصر المبين، ويسيران بعزم وثبات نحو غد نحسبه ونريده معهم وضاءً ومزدهرا. وسيظل صمودهم وتضحياتهم نبراسا ومصدر الهام لجماهير منطقتنا، فتصرّ على انتزاع حقوقها طال الزمن ام قصر.
ـ