تبقى مصدوما وانت تقرأ وتتابع الأرقام والمعطيات ذات العلاقة بالطاقة الكهربائية في بلادنا وتزداد الدهشة حينما تجد ان العراق انفق اكثر من ٥٠ مليار دولار على الكهرباء منذ عام ٢٠٠٣، من دون ان يلوح أفق لمعالجة شاملة لأزمة الكهرباء، في وقت يعلن فيه السيد وزير الكهرباء ان اعادة إعمار المنظومة الكهربائية بحاجة الى ٢٠ مليار دولار اخرى بين عامين الى أربعة أعوام قادمة.
ولدى التوقف عند التصريحات الرسمية العراقية ومراجعتها، يجد المرء انها تتراوح بين وعود بالتصدير، وحاجة الى ما يزيد عن ١٤ الف ميغاواط للإيفاء بالمطلوب، الذي يقدر الان بنحو ٣٠ الف ميغا واط. فضلا عن الضائعات التي تقول المعطيات الرسمية انها تترواح بين ٣٥-٦٠ في المائة. فإنتاجنا حاليا هو حوالي ١٦ الف ميغاواط.
والمشكلة كما هو معروف لا تكمن في الإنتاج فقط بل في النقل والتوزيع والمحولات والجباية، ومشاكل توفير الوقود وخصوصا للتوربينات التي تعمل على الغاز، وغيرها.
وفِي الآونة الاخيرة عاد النقاش حاميا بشأن مشكلة الكهرباء لسببين على الأقل، الاول قرب حلول الصيف والثاني القرار الامريكي بعدم تجديد الإعفاءات المتعلقة باستيراد النفط الإيراني، في سياق مساعي أمريكية لحصار اقتصادي على ايران، في وقت تقول المعلومات ان اقتصاد الاخيرة يعتمد بنسبة ٨٠ في المائة على صادرات النفط.
واذا كان القرار الامريكي يتعلق الآن بالنفط وليس بالغاز فان العراق يبقى ينتظر الإعفاءات الامريكية وصدورها كل ثلاثة أشهر، للسماح له باستيراد الغاز والكهرباء من ايران. حيث يستورد منها ١٢٠٠ ميغا واط من الكهرباء مع ٢٨ مليون متر مكعب من الغاز، وقد يرتفع هذا الى ٣٥ مليون متر مكعب يوميا. وهذا يعادل انتاج طاقة تصل الى ٣٥٠٠ ميغاواط، اَي ان ايران تزود العراق بما معدله ٤٧٠٠ ميغاواط، وهو ما لم يتمكن العراق من الاستغناء عنه حتى الآن بايجاد بدائل داخلية وهي ممكنة وقابلة للتحقيق بحسب كل المعنيين بشؤون الطاقة.
فمن المسؤول عن أزمة الطاقة الكهربائية عموما وتواصلها حتى الآن، رغم كل الخطط والمشاريع والوعود التي اغدقت والأموال الطائلة التي صرفت؟! فالموضوع الاساس يُفترض الا يختصر ويحصر فقط بكيفية التعويض عن الـ ٤٧٠٠ ميغا واط.
ان الألم ليعتصر منك القلب وانت ترى بلادك تستورد الغاز من ايران او غيرها، فيما التقديرات تشير إلى أنها تمتلك مخزونا يقدر بنحو 131 تريليون قدم مكعب من الغاز. والكميات التي تحرق منه يوميا تصل إلى 700 مليون قدم مكعب، بسبب الإهمال والتقصير وعدم الاستثمار الصحيح. فالمطلوب كان وما زال معالجة جذرية لقضية الكهرباء وتحرير المواطنين من المعاناة المستمرة، والخلاص من التأثيرات السلبية للنقص الحاصل في الكهرباء على الإنتاج وتقديم الخدمات. وان تكون هناك احتياطات كافية مستقبلا للطلبات المتزايدة على الطاقة، وان تتنوع مصادرها بما في ذلك الاستخدام الواسع للطاقة الشمسية.
وتزود ايران العراق بالغاز منذ سنة ٢٠٠٥ بموجب اتفاقية وقعت بين الطرفين، ويكلف ذلك العراق ما يزيد عن اربعة مليارات دولار سنويا (بعض المعطيات والمصادر تقول سبعة مليارات وان ايران تبيع الغاز للعراق بسعر يصل الى أربعة أضعاف سعره عالميا)، فيما يذكر خبراء ان إقامة محطة توليد كهربائية بخارية تكلف حوالي ٣٠٠ مليون دولار أمريكي، وان عشرة منها تنتج نحو ٣٠٠٠ ميغاواط! وان مصر قامت ببناء ثلاث محطات عملاقة لتوليد الكهرباء، نفذتها شركة سيمنز الألمانية، بكلفة 6 مليارات يورو، اَي ما يعادل ستة مليارات و٧٠٠ مليون دولار. وهي تعمل بالغاز وتولد ١٤ الف و٤٠٠ ميغاواط وقد احتاجت الى ثلاث سنين فقط لإنجازها، وصارت توفر الطاقة اللازمة لنحو ٤٥ مليون مواطن!.
كل ما جاء اعلاه وغيره يؤشر على نحو جلي الى ان مشكلة الكهرباء قابلة للحل، وعلينا جميعا ان نسلط المزيد من الضوء على العوامل الكابحة، ونكشف المعرقلين والفاسدين والمرتزقة. فمن غير المعقول ولا المقبول ان تستمر هذه المشكلة، التي تدفع بكل ما يحيط بها من عدم وضوح وشفافية، الى الشك في وجود تعمد في عدم الحل!