القرار الذي أعلنته هيئة المساءلة والعدالة العراقية، والقاضي بمنع السيد صالح المطلك، وكيانه (الجبهة العراقية للحوار الوطني) وسواه، من المشاركة في الانتخابات البرلمانية، التي ستجرى في مارس (آذار) المقبل، بدعوى أنهم بعثيون، يقدّم دليلا آخر على أن الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد، ليست مؤهلة للحكم، ولا جديرة بقيادة العراق، لأنها لا تتمتع بالحنكة السياسية.
القرار خاطئ، أقله في الطريقة التي جرى بها، وكان يمكن إخراجه بطريقة لا تجعل منه سببا في نشوب أزمة سياسية جديدة، في بلد متخم أصلا بأزماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وواقف على حافة الانهيار الأمني.
إذا لم يكن المطلك بعثيا، فهو شديد الصلة بالبعثيين وحزب البعث.. هذه حقيقة معروفة للجميع، والرجل لا ينكرها، بل إنه لا يتردد في إجراء مقابلاته التلفزيونية بمكتبه، أو بيته، وخلفه علم حزب البعث، الذي أبطل العمل به رسميا منذ مدة (بنجماته الثلاث وبينها: الله اكبر، بخط صدام حسين)، ولا يستنكف أن يتوشح بهذا العلم عندما يلقي خطاباته في التجمعات الجماهيرية.
والمطلك، مضت أربع سنوات على عضويته هو وعشرة من رفاقه في البرلمان العراقي الآن. ولم تحرك هيئة المساءلة والعدالة، وقبلها هيئة اجتثاث البعث، ساكنا لوقف الخرق الدستوري (إن كان ثمة خرق دستوري) بوجوده ورفاقه في البرلمان.
والمطلك أيضا ليس البعثي -أو شبه البعثي- الوحيد في البرلمان، فعدا عن معظم رفاقه في الجبهة العراقية للحوار الوطني، ثمة عدد غير قليل من البعثيين بين أعضاء البرلمان (معظم أعضاء جبهة التوافق وبعض أعضاء القائمة الوطنية العراقية). وفي الدولة أيضا يوجد العشرات من كبار المسؤولين، هم بعثيون، أو شبه بعثيين، وبخاصة في وزارتي الدفاع، والداخلية، وفي جهاز المخابرات، وفي وزارات ومؤسسات أخرى.
أكثر من هذا، أن السيد المطلك كان منذ خمس سنوات مرغوبا فيه على نحو قوي للمشاركة في الحكم. جرى التفاوض معه، كما مع قوى وجماعات جبهة التوافق وغيرها، للانضمام إلى العملية السياسية، باعتبارهم ممثلين للسنّة العرب.. الطبقة السياسية الحاكمة في بغداد الآن، هي التي أرادت أن تتشكل العملية السياسية التي أعقبت إسقاط نظام صدام على أساس المحاصصة الطائفية، وليس على الأسس الوطنية، وتمسكت ولم تزل بهذه الصيغة. وقد دخل المطلك العملية السياسية، باعتباره أحد ممثلي السنّة العرب، وعلى هذا الأساس عُرضت عليه بعد انتخابات ديسمبر (كانون الأول) 2005 أربعة مقاعد في الحكومة الحالية، لكنه رفض ذلك، ولو كان قبل بالعرض، لكان شريكا كبيرا في الحكومة التي تقف الآن وراء إبعاده عن طريق الانتخابات!!
الحكومة، ومن خلفها الطبقة السياسية النافذة، تتذرع بأن كيان المطلك، والكيانات الأخرى التي أُعلن عن منعها من المشاركة في الانتخابات المقبلة، يمكن أن تكون بوابة لعودة حزب البعث إلى السلطة.. هذا الكلام هو في الواقع اعتراف ضمني بأن الحكومة الحالية، ومن خلفها الطبقة السياسية النافذة فيها، فشلت فشلا ذريعا في إدارة العراق على النحو الذي يحول دون عودة حزب البعث وأمثاله إلى السلطة. هذه الحكومة والطبقة السياسية النافذة فيها لم تقدما البديل المأمول لنظام البعث.. فأوضاع العراق بعد سبع سنوات من إسقاط نظام صدام، ليست بأحسن مما كانت في عهد صدام، والطبقة السياسية الحاكمة ليست بأفضل من قيادة حزب البعث، لا في سلوكها العام، ولا في إدارتها للبلاد.
كان يمكن إغلاق كل الأبواب والنوافذ أمام عودة البعثيين وأشباههم إلى السلطة، لو أن البرلمان الذي مضت عليه الآن أربع سنوات، قد أنجز ما تعهد به من تعديل للدستور، ومن تشريع قانون للأحزاب، وآخر للسلوك الانتخابي، وتشريع قانون انتخابي لا يعاني من نواقص وثغرات، ولو أن الحكومة والطبقة السياسية النافذة فيها انصرفت إلى خدمة الناس، وتأمين احتياجاتهم، ومكافحة الفساد المالي والإداري، والفساد السياسي أيضا، ولو أن هيئة المساءلة والعدالة، وكذا مفوضية الانتخابات، كانت مستقلة، ومهنية، ولم تتشكل على أساس المحاصصة الحزبية.
البعثيون وأشباههم سيعودون إلى السلطة، عاجلا أو آجلا، بالانتخابات أو بالعنف والانقلابات، ما لم تتغيّر قواعد اللعبة السياسية الجارية في العراق بإلغاء نظام المحاصصات، فهذه هي البوابة الكبرى لهذه العودة.
اوان
كتب بتأريخ : الأحد 10-01-2010
عدد القراء : 2378
عدد التعليقات : 0