المشهد العراقي في الوقت الحاضر تكتنفه الغرابة حيث أنه من الصعب أن تجد له شبيهاً في جزء آخر من هذا العالم الكبير ؟؟؟
ما أود الإشارة إليه هو الجانب الثقافي والأدبي داخل وخارج البلد وما يواجهه المبدع من مصاعب وصراعات سواء كانت مادية او معنوية أونفسية.
فنحن ومن الصعب أن ننكر هذه الحقيقة كما من الصعب ان تحجب الشمس بغربال كما يقال ... الجانب المادي طغى على كل ما عداه من اعتبارات معنوية ، فمن لا يملكه عليه أن يشد الرحال من الوطن فأي لغة يتكملها وأي سلاح يملكه اليوم وأي معتقدات غير المال لا تضمن له العيش بكرامة والعيش بسلام.
نعــم لا يقدر احد أن ينكر ما شهده العراق من تحول كبير في المشهد الاعلامي والحرية الممنوحة وتنوع مصادر الثقافة وما حصل عليه المبدعون من أجواء حرة وبيئة صحية قد لا يحضى بهـا إلا الطبقة المثقفة في أوربا والدول التي تعتبر حرية الاعلام وحرية النقد وحرية الكتابة والابداع هي من أسباب رقيها وتطورها وهذا مع الاسف ما لا يوجد في بلد عربي واحد.
الحرية منحت والاقلام انطلقت والأخيلة نسجت والمبدعون كثيرون سواء داخل البلد وخارجه فلا يكاد يمر يوم إلا ونشاهد من على الشاشات أو نقرأ في الصحف أن مبدعاً عراقيا قد حصد جائزة أو في خبر يشار إليه في البنان وهذه كلها من ثمرات الحرية شيء مؤكد على الرغم من شهداء الاعلام والصحافة الذين تجاوز عددهم المئات ولا زالوا ينزفون دما وما زالوا يقدمون في كل محفل شهيد جديد .
ولكن ليس هذا بيت القصيدة ولا هنا تسكب العبرات ،لكن المثقف العراقي ألا يحتاج إلى مسكن يأوي إليه , ألا يحتاج الى عمل أو مهنة لها مردود مادي ليتفرغ هو في إبداعه والاستمرار في نتاجاته وتقدمه فمن المعروف ان القلم يحتاج الى ورقة ويحتاج الى إستقرار ووقت فيه نوع من الحرية من دون إنشغال بسفاسف الحياة البسيطة, ألا يحتاج الى من يشعره بالامان ويشرع القوانين التي تحميه اولاُ وتحمي مطبوعاته وتدعمه في نشرها وتوزيعها وتصريفها في ألاسواق , المثقف إلا يحتاج الى منتديات ومسارح وأماكن بها شيء من الخصوصية يتمتع بها ويشعر بنوع من الامان والاهتمام , الا يحتاج المبدع الى من يشد على يديه ويطبطب على كتفه ويسمعه كلمات تشجيع وإطراء والشعور بالانجاز والشعور بأن لإبداعاته وأعماله قيمة وأهمية وليس مطبوعات وكتب تقيم على أرصفة شارع المتنبي لشهور أو سنين ليكون الغبار صديقها الوحيد ومن ثم يخلفه تأكلها وهي مخزونة تحت ملالاين من أخوتها وممن سبقها في سماء الابداع والبوح والكتابة والجهد,
فما أصعب أن يغمض المثقف العراقي عينيه ويمضي في دروب الابداع والنتاج في كافة المجالات الثقافية وهو يسمع ويقرأ ويرى الاموال من حوله والتخصيصات الهائلة من حوله وقصص الاختلاس والفساد الأداري في كل يوم وأينما يذهب وهو يعرف أن وزارته التي ليس أهم منها وزارة حتى وزارة النفط في حقيقة الامر ولو رأى من هم في سدة الحكم الان الامور بمنظار حقيقي وصحيح .
المثقف العراقي ليس ملائكيا ليكون زاهدا من الدنيا وما فيها وأن يكبت طموحه وتطلعاته واحلامه وأن يقول أنني لا يهمني شيء ولا يهمني ما أسمع فهناك من سيقرا لي اليوم أو غدا لو بعد عقود وحتى بعد رحيلي من هذه الحياة .
ولو أغمض عينيه من كل ما ذكر ومضى مبدعا خلاقا مجاهدا مناضلاً في سبيل القلم والعلم فأنا أقول والزمن والواقع والمقاييس المادية تضمن له أنه بعد حين سيبيع كتبه ويفرتش بها أرصفة شارع المتنبي أوالرشيد ...وإن حدث هذا ماذا بعد غير العودة الى الأمية والجهل وظمور الشريحة الاهم في تأريخ الامم والحضارات .
******************
كتب بتأريخ : الإثنين 11-01-2010
عدد القراء : 2347
عدد التعليقات : 0