رؤية إستشرافية لتأسيس نظام سياسي عراقي ديقراطي حقيقي
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

قد يتصور المطلع على الوضع العراقي أو حتى الباحث في حيثاته أنه بالامكان أن يتجاوز العراق أزمته السياسية الراهنة من خلال طرح حلول مؤقتة تندرج في إطار إتخاذ صناع القرار سلسلة من الاجراءات الاصلاحية المؤسسية المهمة التي تستهدف إصلاح وتنمية النظام السياسي "الديمقراطي" دون التعمق في مضمونه المتعدد معقد الجوانب.

واقع الحال واستقراء صورة مستقبل القادم من الأيام لاينبأ بشكل دقيق وواضح عن ماهية مسار الطبيعة السلمية المرحلة القادمة من تأريخ العراق السياسي المعاصر نظرا لأن الديمقراطية لايمكن ولا بأي حال من الأحوال تصويرها أو إختزالها على أنها مجرد عملية إقتراع إنتخابي للسلطات وللشخوص المتسيدة للمسرح السياسي ، بل هي عملية ستراتيجية شاملة مستدامة لمنظومة القيم ، الرؤئ ، السياسات ،الاجراءات والاصلاحات التي ينتظر كل مواطن أومقيم على أرض العراق تحققها بصورة إيجابية من خلال ترسيخ قواعد ديمقراطية قيمة تحترم حقوق ـ الفرد والجماعة – في ظل تبلور نظام سياسي ديمقراطي شرعي حقيقي منفتح عالميا يتمتع ببيئة سياسية صحية وطنية شاملة الابعاد. من يستقرئ الوضع الراهن يشهد أن عاملاً ورقماً صعباً في اللعبة السياسية لايمكن تجاهله ألا وهو الحراك الشعبي – الشبابي في الصميم والذي حدد أجندة التغيير السياسي الاصلاحي البنيوي للنظام السياسي المستقبلي كاسراً كل المحرمات التي إعتمدت منذ 2003 وحتى الأول من أكتوبر 2019 حيث سادت مقولات وسلوكيات تضمنت إهتماماً غير مسبوق معمداً بشرعنة المحاصصة الحزبية المؤدلجة سياسياً - دينيا – طائفياً أوعرقياً وجهوياً .

إن استمرار صورة سلبية جداً كهذه على طول الخط تسفر عن تجذر الهويات الفرعية على حساب الهوية الوطنية العراقية هذا من جهة ، ومن جهة أخرى أوضحت لنا أحداث ال16 عاماً الماضية مدى تعمق سلوك منظومة الفساد بجميع أشكالها إنطلاقا من المساحة الواسعة التي أعطيت للفاسدين مهدرين مئات المليارات من الدولارات لموارد البلاد الحيوية من قبل طرف القلة القليلة التي تحكمت سياسياً – اقتصادياً برقاب وقوت شعبنا الطيب المتعدد في أطيافه الذي يفترض إن تسنح له الفرص المناسبة كي يشكل وعاءً نادراً مزخرفاً بالقاشاني أو الزمرد والفيروز الجميل وبالأحجار الكريمة الاخرى .

جهود ضخمة تمثل إن ترجمت عملاً وفقاً لإطار زمني محدد مدى الاهتمام الواسع بضرورة إستيعاب الكفاءات العلمية – التقنية - الثقافية المناسبة لمسار التطورات مع قابلية توفر درجات من المرونة اللازمة عند مواجهة كل أنواع التحديات بنجاح باهر . الشكل الأبرز للمرحلة القادمة ومهما قيل عن طبيعة إدارة الدولة لمؤسساتها الرصينة ستكون حبلى بالتطورات المكثفة والمعقدة نسبيا مصحوبة بتاثيرات وتداعيات مجتمعية - إقتصادية وثقافية بل واستراتيجية ستنعكس على الحياة العامة للعراقيين إن سلباً أم إيجاباً .

ما يستدعي أن يتولى أمرنا للمرحلة الانتقالية وللمرحلة التي تليها رؤساء وزراء تجتمع بهم كل المواصفات المهنية ، الأخلاقية ، القيمية وغيرها من سمات حيوية تم طرحها من قبل سوح التظاهر السلمي. نجاح أو فشل الاستاذ محمد توفيق علاوي في تمرير كابينته الوزارية المؤقتة زمنياً (عام واحد) لايعني نجاحاً ساحقاً في إدارة الشأن العراقي المعقد والمليء بالأزمات والإشكالات أوالتحديات ولكنها في إعتقاد البعض من المحلليين للوضع الراهن ربما تشكل خطوة واحدة في مسيرة الالف ميل أو قد تكون خطوة لاينحقق معها اي إصلاح جذري ذا معنى حقيقي .

إن أرساء قيم وتقاليد إصلاحية ديمقراطية مسألة غاية في الاهمية لما بعد مرحلة علاوي (هذا إن سمح بتمريرها بصورة شرعية ومشروعة) لأنها ترتبط بالبعد الستراتيجي للمرحلتين الوسطى وبعيدة المدى اللتان من الصعب التنبؤ بنتائجها أو تداعياتها خاصة إذا لم تتحقق إنجازات حقيقية تمس العيش الكريم معززة الكرامة الانسانية . علما بإن التنبؤ بالمرحلة الراهنة صعب جدا وكما قال رئيس الوزراء البريطاني السابق هارولد ويلسون "إن فترة أسبوع في السياسة مسألة من الصعب إستقراؤها والتنبؤ بها". حالياً المقولة يوم واحد في السياسة يصعب التنبؤ به.

لكن ما هو مهم برغم ذلك أن يتم وضع الاشخاص المناسبين إدارة وتنفيذاً ومتابعة على سلم الهرم الإداري في المناصب الملائمة والمناسبة. جدير بالاشارة إلى أن الصين تتهم اليوم - من قبل بعض المتخصصين بالشأن الصيني- بإنها لم تعد العدة الجيدة المبكرة إداريا وتشخصيا لايقاف او تحجيم أزمة انتشار وباء كورونا حيث مئات الاصابات من الموتى والالاف من الاصابات التي سجلت بسببه داخل وخارج الصين وباء يعد فعلا خطير جدا ولازال ينتشر بسرعة قياسية لم تعهد من قبل . الوباء يحمل الكثير من التكاليف الانسانية والمادية – المالية والاقتصادية المصاحبة لاستمرار وصمة لايبدو إنها ستزول في الامد القريب . إذا كان الامر كذلك في الصين فما بال إدارة شؤونا الوطنية التي لازالت لم تتحسن بل ومتخلفة نسبياً تستوجب أولاً وقبل كل شيء الاعتناء بالبيئة الصحية والنفسية العامة للمواطنين كافة مع الضرورة القصوى ثانيا لإنتشال الفقراء وذوي الاحتياجات الخاصة "ذوي الهمم" الذين يعيشون جميعاً على خط الفقر العالمي .

العراق لايستحق أن ينظر اليه نظرة متدنية كونه دولة غنية في ثرواتها الكامنة أوالمبرهن عليها فعليا وبالتالي لايمكن ولا بإي حال أن يتقبل ابناؤها عيشاً مذلاً أو مهيناً للكرامة الانسانية . بلد يحتوي على طاقات بشرية ماهرة وعلى إمكانات مادية ضخمة يمكن تسخيرها بصورة واسعة وفاعلة لإنقاذ بلدنا من وهدة الفقر المدقع والانتقال لحالة الرخاء الاقتصادي- الاجتماعي التي توفر فرص الابداع والنهضة العلمية – التقنية .

ضمن هذا السياق يفترض من القوى المؤثرة في صناعة القرار وتلك التي تملك زمامه أن تصل إلى أتفاق نسبي على الاطر العامة المختصة بمرحلة الاصلاحات وتفصيلاتها المهمة بصورة تتوافق مع مسار ومضمون القيم المعنوية والاخلاقية لممارسة الحكم بحيث يؤكد منهج إستدامة السلوك السياسي المتواضع القائل بإن "سيد القوم خادمهم". أكثر من ذلك، لابد للدول التي اعتمد الانظمة الديمقراطية أن تؤكد أهمية سوس البلاد وفقاً لحكم القانون وتطبيقاً لمنهج العدالة الاجتماعية .

ضمن هذا السياق إذن لابد من توفر ضمانات لحماية حقوق الانسان وحرياته الاساسية ، إن وجود رئاسات تشريعية – تنفيذية وقضائية منتخبة بصورة مستقلة تعتمد الحيدة والمهنية الموضوعية وتمثل بنفس الوقت شعبنا بشكل مباشر وحقيقي مسألة لابد منها .

إنطلاقاً مما تقدم فإن توزير شخصيات متعددة من النخب الفكرية - الثقافية - العلمية –المهنية من داخل سوح التظاهر السلمي سيعزز ولاشك مهنية "الكابينة الوزارية" بصورة لافتة كما وسيأكد ايضا شكل التحدي الحقيقي المستقبلي للجماعات والافراد الذين لم يتركوا سوح التظاهر السلمي حتى إنجاز الاصلاح التنموي.- الانساني المستقبلي صيانة لحياة وتنمية آجيالنا القادمة.

ترتيباً على ماتقدم من المهم جداً تأسيس شبكة مؤثرة ومباشرة للانترنت تغطي العراق برمته تفتح من خلالها قنوات إتصال ديمقراطية مباشرة بين صناع القرار (الذين يفترض تسلمهم للسلطة من خلال إنتخابات شرعية ديمقراطية) مع ممثلي الشعب بمختلف أطيافه المجتمعية والثقافية في سوح التظاهر إينما وجدوا. التصور المتوقع أن تنجز ثورة حقيقية في دمقرطة الحياة السياسية خاصة "المؤسسات التمثيلية – الخدمية- الوظائفية".

إنطلاقاً مما تقدم يجب أن تعالج عملية الدمقرطة السياسية في ظل هرم يؤكد أهمية المسؤولية والحماية الاجتماعية والقانونية المتبادلة من القاعدة إلى هرم السلطة وبالعكس. بمعنى من المعاني ليس التغيير المؤسسي على اهميته كاف بل لابد من التعمق بشفافية بمعرفة كافة المتطلبات الحقوقية – الانسانية كونها مطالب شعبية جوهرية "لإستعادة وطن" من خلال إنعاش روح المقاومة تأكيداً لنهضة الشعب العراقي وفقاً للمتغيرات الجديدة التي يفترض التكييف معها بإستمرار وبكفاءة حتى تنجز كافة متطلبات الاصلاح الحقيقي لمؤسسات الدولة الحكومية وغير الحكومية. مايعيني توضيحه بإختصار وتركيز يرتبط بحاجة العراق لتغيير مؤسسي –دستوري شامل ومسؤول ضمن إطار ومضمون ديمقراطي يحافظ على القيم ويرنو لتقديم كل الحماية اللازمة لحقوق الانسان ولحرياته الجوهرية وفقاً لعهود الأمم المتحدة المدنية – السياسية والاقتصادية – الاجتماعية.

ضمن هذا السياق تعد مسألتي إجراء الانتخابات الحرة المستقلة لإختيار ممثلي الشعب في مجلس النواب والتداول السلمي للسلطة مراحل مهمة جدا لشرعنة السلطة وتوكيد مشروعية كافة خطواتها القانونية بصورة متوازنة وموضوعية. هذا ولعل من المناسب الإشارة إلى أهمية إطلاق نظام حزبي حقيقي وحر يتمتع بسمة التنافسية التي تؤكد على مضامين منهجية - تأريخية – إجتماعية – نفسية وثقافية بل وحضارية في الجوهر في ظل إهتمام واسع بالابعاد الوطنية – الاقليمية والدولية. كل ما تقدم يتطلب منا جميعا كل من موقعه مزيداً من الاهتمام بإقامة وتنمية شبكة مستدامة من الاتصالات والقنوات المباشرة مع مثلي تنسيقيات سوح التظاهر من أجل توحيد الرؤى والمواقف تجاه عملية التغيير الجيوسياسي – الاقتصادي – الاجتماعي للنظام السياسي العراقي.

علما بأن الشريحة الابرز في تأسيس تفاوض سلمي مثمر منتج لإنجازات حقيقية تمثلها فئة الشباب والنخب المثقفة – المتعلمة التي لديها تجارب متأرجحة (بين نجاح وفشل) ولكنها الفئة المعول عليها كثيرا في إطلاق مرحلة جدية جديدة من إنعاش سياسي - إقتصادي – مجتمعي –ثقافي ينحو باتجاه السير نحو إصلاح جذري للاقتصاد السياسي العراقي. ترتيبا على ذلك ، يكون الهدف بناء عراق تتمتع سلطاته بكفاءة – مهنية وفاعلية ناجعة ترنو لتحقيق إصلاح حقيقي مؤسسي يجعله بلداً منتجاً مبدعاً تنموياً بعيداً عن السلطوية وإحتكار السلطة لإغراض فئوية او شخصية ، عراق مبدع مبتكر ينهل من ينابيع التطور والتنمية الانسانية المستدامة عالمياً دون التردد في الاخذ من مصادر الاصالة الحضارية للعراق وللدول الحضارية الأخرى في منطقتنا الشرق أوسطية بل وتلك التي تقع خارج محيطنا الاقليمي بقصد أستفادة من نجاح بعض تجاربهم الحضارية. آخيراً لابد للعراق أن ينجح في مسيرة التنمية الانسانية العالمية باعتباره لاعباً مهماً يقع في مفترق الطرق الجيوستراتيجية للعالم المعاصر عراق يتمتع بكل عناصر ومكونات القوة السلمية بعيداً عن عسكرة الدولة من قبل ميليشيات منفلتة السلاح والإرادة من أجل تأسيس دولة تتمتع بقدرات وإمكانات القوة الصلبة والناعمة .

إن بناء الدولة المدنية دولة المواطنة الحقيقية هي التي ستجعل الامور في نصابها مرسخة بذلك مبدأ تكافؤ الفرص للجميع دون تمايز بين أغلبية وأقلية حيث الجميع يودون بل يطلبون بناء دولة المساواة في ظل القانون والعدالة الاجتماعية . دولة تكافئ المبدع وتحاسب المقصر وفقاً لمبدأ المحاسبة والحوسبة القانونية الجادة لبناء عراق حر مستقل مزدهر معدلات نموه وتنميته عالية تسمح له بالوصول لمراتب عليا في مقاييس التنمية البشرية الانسانية العالمية ما يؤكد استدامة المشروع النهضوي لعراق الغد.

  كتب بتأريخ :  الجمعة 28-02-2020     عدد القراء :  1512       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced