العراق والمنظور الجيوسياسي لأزمة كورونا: التصورات، الأبعاد والتداعيات
بقلم : د. أحمد عبد الرزاق شكارة
عرض صفحة الكاتب
العودة الى صفحة المقالات

منذ أندلاع أزمة انتشار فيروس كورونا المستحدث (كوفيد - 19) مع بداية عام 2020 إنطلاقاً من مدينة ووهان Wuhan عاصمة إقليم هيوبي Hubei حيث وحتى كتابة المقال تحققت وفاة مايقارب من 2900 شخص من المجموع الكلي لعدد الاصابات 80 ألف شخص – في 28 /2/2020 .

الوباء أنتشر كالنار في الهشيم إلى أنحاء العالم بضمن ذلك العراق في إطار المحيط الأوسع لمنطقة الشرق الاوسط - الخليج العربي بل وماوراءه جغرافياً . نجد من هنا وبصورة واضحة تصاعد حالات الخوف ، القلق بل وفي أحيان كثيرة الهلع من مايحتمل من تداعيات خطيرة تصاحب وباءً يهدد حياة البشر بغض النظر عن منظومة أصولهم الثقافية ، تياراتهم السياسية – الأيدولوجية ونظمهم الاجتماعية - الاقتصادية. مايهمنا في هذه المقالة التطرق إلى تأثيرات وتداعيات البعد الجيوسياسي وعلاقته بانتشار فيروس كورونا الجديد. منظوران مهمان يرتبطان بصفة مباشرة ومتداخلة بالبعد الجيوبولتيكي هما العولمة في إطارها الجيو- إقتصادي – السياسي والأمن في شقيه الصحي –المجتمعي - البيئي. ضمن هذا السياق يأتي تطور مفهوم الصحة العالمية Global Health من حدوده الدنيا سياسياً مابعد الحرب العالمية الثانية إلى أولوية موضوعات الأجندة العالمية التي تجسدت في مؤسسات دولية على رأسها الأمم المتحدة - مجلس الأمن ، منظمة الصحة العالمية WHO وإجتماعات قمة ال8 للقوى الكبرى.

علماً قد ينسى الكثير من سكان العالم أن الإنسانية قد فقدت مايقارب من 50 مليون نسمة كنتيجة لأنتشار مرض الانفلونزا حيث لم تتوفر حينها العلاجات الناجحة لتقليص حجم وخطورة إنتشار الوباء. تأصيل البعد الجيوبولتيكي "الجيوسياسي" لانتشار فيروس الكرونا توضحه عدة أمثلة منها اللقاء التاريخي الذي عقد مع بواكير الأزمة الراهنة لانتشار كوفيد -19 بين الرئيس الصيني تشي جنبنك Xi Jinping وتدرس أدانوم جبريايسس المدير العام لمنظمة الصحة العالمية. وصف الرئيس الصيني الوباء بإنه "شيطان ولايمكن للصينيين أن يعمدوا إلى إخفائه" . في الصين أيضاً تمت مقاربات مهمة بين الاوبئة التقليدية أومايعرف بالوباء الأخير الذي وصف ب"الشرير" أو مايعرف بالروح الشريرة التي يجب محاربتها. مسألة يمكن للصين وفقاً لتطمينات الرئيس الصيني أن تقوم بها.

ترتيباً على ذلك سجلت أرقام فلكية مايقارب 60 مليون من الصينيين الذين تأثروا بفيروس كورونا – كوفيد - 19 – حيث وضعوا في أماكن متعددة للحجر الصحي. هذا ومن استقراء تاريخ مآسي الصين الإنسانية الناجمة عن إنتشار الاوبئة يمكننا أن ندرج الكثير من الأمثلة منها وباء منشوريا الخطير في عام 1910 - 1911 المماثل تقريباً للوباء الحالي من حيث ارتباطه أوعلاقته باستهلاك الحيوانات البرية (الخفافيش والقرود) من قبل البشر حيث قدر أعداد الموتى ب60000 شخص. في تلك الفترة تمكن الطبيب الصيني العسكري البارع والمحتفى به من قبل السلطات الصينية )وو لين تي( Wu LienTeh من إيقافه قبل أن يقتحم حدود الصين .

المنظور الجيوسياسي لتلك الأزمة تضمن إمكانية تدخل خارجي غير مرغوب به من قبل قوى منافسة للصين (روسيا واليابان) في الشأن الصيني من خلال شروعهم بمد سكة حديد ألى داخل حدود منشوريا ذات المصادر المعدنية الكبيرة.

السبب يمكن إرجاعه لضعف الحكم الصيني "حكم عائلة كونغ (Quinq)" الذي تم لاحقاً اسقاطه نتيجة لثورة شعبية إندلعت في الصين عام 1911. من هنا ، إعتبرت مواجهة الوباء رأس الرمح المقدمة الضرورية لإحداث التغيير السياسي المطلوب. من منظور مكمل قرض ماوتسي تونغ Mao Zedong شعراً في عام 1958 تم تدريسه في مدارس الاطفال في الصين تحت عنوان "الوداع آله الوباء". الاسئلة الملحة حالياً: هل يمكن إنهاء مآساة كورونا –فيدا -19- بوقت مبكر خلال الأسابيع أو الأشهر القليلة القادمة ؟ وكيف يمكن توصيف الوضع الجيوبولتيكي "الجيوسياسي" ؟؟ تساؤلات وأخرى مهمة قد لانجد إجابة شافية لها، مع كل ذلك إبتداءً نحتاج للاجابة عن تساؤلات عامة تختص بماهية العلاج المتوقع .

إن توفر علاج جديد قد يحتاج لفترة تستغرق شهوراً عدة حتى يمكن ان يتم تطبيقه بنجاح على مجتمعات أوسع من السكان ومن ثم تعميمه على نطاق أكثر إتساعاً في كل قارات العالم. الوضع الجيوبولتيكي أخذ منحى جيوسياسياً – إقتصادياً خطيراً مع تمدد انتشار وباء كورونا في أكثر من 30 دولة بضمنها العراق (ثماني اصابات مؤكدة إثنان منها في العاصمة بغداد) . منطقة مينا MENA التي تضم الشرق الاوسط(+الخليج العربي) وشمالي افريقيا منها إيران جارة العراق الشرقية التي نقلت العدوى الى العراق ودول خليجية وعالمية أخرى وفقاً لتقريرها الرسمي الاخير أكد وفاة 43 شخصاً و593 إصابة .

إضافة إلى ذلك دول عدة أخرى تعاني من استمرار الوباء في الاتحاد الاوروبي ، بعض الدول الاسكندفافية ، أخرى في القارة الافريقية مثل نايجيريا. كذا الأمر في أمريكا الجنوبية (البرازيل)، وامريكا الشمالية وفي جنوب آسيا ( الهند ، الباكستان) دول جنوب شرقي آسيا (تايلاند، سنغافورة وغيرها) وأخرى في الباسفيكي الشمالي (كوريا الجنوبية (3150 إصابة مع تسارع غير مسبوق في الاعداد واليابان) والباسفيكي الجنوبي (استراليا ونيوزلندة) كلها دول شملتها الصحة العالمية التي اصدرت بيانات رسمية في كل يوم تقريباً ومنها البيان الأخير الذي ورد فيه تحذير بأن المرحلة الراهنة تعد حاسمة لإتخاذ المجتمع الدولي قرارات حيوية هدفها حماية شعوب العالم من إنتشار مثل هذا الوباء الخطير الذي مازال مصدر خطر عالي الدرجة يفتك بالبشر برغم إنحسار معدلاته نسبياً من مصدره في الصين . علماً بأنه قد ينحسر تدريجياً مع إرتفاع درجات الحرارة في موسمي الربيع والصيف القادمين. أحد جوانب الجيوسياسية" يشير إلى أنه مع استمرار للحالة الاستثنائية لمخاطر إنتشار الوباء فقد تمت المزاوجة بين إجراءات الحجر الصحي الذي يطبق عالمياً من جهة والمنظور السيادي للدول الذي وبحكم إحترام السيادة الوطنية من جهة أخرى ما يعني ضرورة توفير الحماية اللازمة للمواطنين جميعا دون تمييز مع تأكيد سمة التعاون والتنسيق العالمي . من منظوري المتواضع اؤكد أنه وبرغم إنتشار المرض عالمياً فإن الاجماع على الحفاظ السيادة الوطنية العراقية تبقى مهمة رسمية أساسية للدول يجب الاعتداء بها وتوكيدها في كل زمان ومكان.

موضوع آخر مكمل له علاقة بالبعد الجيوسياسي يشر إلى ضرورة توفر الامكانات المادية – الصحية – البيئية المناسبة بهدف حماية البشر من تداعيات استمرار إنتشار الوباء، هذا ومن المناسب الإشارة إلى أننا نجد فوارق بين الدول التي تمتلك إمكانات وتقنيات عالية القيمة تستطيع من خلالها تقليل مخاطر الوباء وأخرى لاتمتلك ابسط تقنيات تشخيص المرض دع عنك علاجه علاجا ناجعا.

ضمن هذا التصور يمكن القول إن الدول التي تمتلك إمكانات متطورة مادية "مالية – إقتصادية" وتقنية مهمة تقع في مآمن نسبي من تصاعد حالات الوباء على عكس الدول التي ثبت فشلها النسبي في الحفاظ على ارواح البشر .

علماً بإن العلاج النهائي مازال لم يحسم بعد ما استدعى من العراق والسعودية مثلاً إتخاذ أجراءات زمنية حازمة لتقييد الزيارات للمزارات الدينية المقدسة تحسباً من انتشار المرض بين جموع سكان تصل اعدادهم ملايين من البشر. إضافة لقيود زمنية وإجراءات صحية - بيئية مشددة في كل مناطق التجمعات السكانية ومنها المولات والجامعات والمدارس وغيرها. كل هذا يتوافق مع ما عرضته منظمة الصحة الدولية من أنه "لاعلاج حتى الآن لفيروس كورونا المميت رغم كل المحاولات في هذا الاتجاه".

آخذاً بالاعتبار أن الاطباء في العالم يجهدون ويجتهدون لإيجاد معالجات أخرى غير تقليدية وتقليدية (من قبيل اساليب الطب الشعبي) للتقليل من المخاطر المحتملة للوباء إذ "طبقاً لتقارير إعلامية صينية ..80 في المئة من مرضى كورونا في الصين تلقوا علاجا تقليديا". من المواد العلاجية التي أشير اليها مثلاً : نبتة العرقسوس ونبات الايفيدرا دائمة الخضرة وموطنها في آسيا. لعل من المناسب متابعة الارشادات والقواعد الطبية - القانونية - الصحية – البيئية للنظافة وللتعامل مع نزلات البرد والانفلونزا الصدرية بصورة مستدامة . عمل دؤوب هدفه بلورة الجهود الصحية على النطاقين العالمي والاقليمي في ظل توحيد للرؤى وللتوجهات مع توضيح آليات التنسيق بين دول العالم منعا لإنتشار الكورونا .

ضمن هذا السياق العالم العربي أيضاً مدعو لعقد جتماع استثنائي للوزارات المعنية (الصحة ، المالية ووزارات مسؤولة عن مراقبة الحدود بالاخص وزارات الداخلية ) من أجل درء المخاطر المحتملة للوباء إذ ستكون على اشدها خاصة إذا ما وجدت حلقات ضعيفة في دورة الاتصالات والنقل الدولية التي ربما تسمح بانتقال العدوى الوبائية عبر المطارات الجوية اوالمنافذ الحدودية البرية والبحرية بصورة أكبر عما شهدته البشرية .

طبقاً لما تقدم لايمكن تصور أن العالم اليوم يعيش وفقاً لمعطيات القرون السابقة ال19 كما عبر عنها الشاعر والمؤلف الانكليزي روديارد كبلنك Rudyard Kipling في 1898 حيث قال إن الشرق شرق والغرب غرب والاثنان أو التؤمان لايلتقيان ابداً(اللهم حسب قوله إلا في يوم الحساب حيث لايوجد شرق أوغرب أوحدود أو ولادة لجنس بشري جديد) .

من منظور مكمل صحيح أن أعداد الموتى والمصابين لايقارن بمراحل زمنية سابقة لعصر العلاجات اوالتلقيحات الحديثة حيث فاقت الملايين من الموتى والجرحى وانتشرت مختلف أنواع الاوبئة المرضية الشاملة Pandemic sickness إلا أن حالات القلق والخوف والهلع في بغداد ودول أخرى تتصاعد مع كل إصابة مؤكدة تسجلها منظمة الصحة العالمية. مايعني أن البشرية تسير في قارب واحد ولابد من رؤية وجهد جيوستراتيجي إستثنائي عاجل موحد لإنقاذ عالمنا من مخاطر أكيدة للصحة الانسانية. حاليا لاتزال دول العالم ومنها في عالمنا العربي تحاول جاهدة الاستفادة من كل الامكانات والتسهيلات الصحية والمصادر البشرية الطبية المتخصصة من أجل إحتواء المخاطر الجدية التي تهدد الجنس البشري. من التداعيات الراهنة قيمة التكاليف المادية والبشرية الباهضة التي تتكفلها دول العالم ومنها العراق ومنطقتنا كنتيجة طبيعية لانتشار الوباء حيث تصل ماليا في الاطار العالمي والاقليمي إلى مليارات الدولارات.

كما أن موقف إدارة دونالد ترامب غير المبالي كثيراً بتطورات الأمور الصحية عالمياً لايمثل إيقافاً للمخاطر المتوقعة ولا للسجل المتدني للبورصة المالية العالمية حيث أن الاضرار التي لحقت بالصين إقتصادياً ومالياً لايعني أن الولايات المتحدة الامريكية ستكون في أفضل حالاتها لغياب المنافس الجيوسياسي الصيني عن حلبة التنافس الاقتصادي العالمي خاصة وأن الصين تعد ثان أقتصاد عالمي ما يعني أن شبكة علاقاتها الدولية استيرادا للنفط من منطقة الخليج العربي ستتأثر مع جميع دول العالم بالسلب (اسعار النفط إنخفضت نسبيا) ولن يتغيير الحال إلا عقب أنتهاء حدة تصاعد الخط البياني لإعداد المصابين و الموتى . أخيراً يعنيني أن أشير إلى أن ما تركه المرض الوبائي من وصمة ثقافية تنم عن كراهية شخصية أو مجتمعية لجنس معين "الصينيون" أو ربما لامبالاة في التعامل الانساني مع من أصيبوا به مايعني أننا نتخذ خطوات للوراء في التعامل الانساني – الجيوسياسي – الثقافي ما يتوجب أهمية بلورة نظرة إنسانية ستراتيجية شاملة تعيد الاعتبار لكل من تأثر سلباً بالابعاد والتداعيات المختلفة لإنتشار الوباء الشامل عالمياً وإقليمياً ،كما أن على العراق أن يستمر بمواصلة تطبيق قوانين وإجراءات السلامة الصحية بحزم ودون تمييز بين شخص ذي مكانة دينية أو سياسية وأخرين لايملكون مكانة عليا دينياً - مجتمعياً - اقتصادياً أو من مستلزمات العيش الكريم ولكنهم حريصون على سلامة بلدهم العراق ، إضافة لسعيهم مواكبة روح العصر وتقنياته الحديثة حفاظاً على بقاء وتنمية الجنس البشري من خلال استعادة هيبة الدولة وتوفير كل متطلبات الأمن والاستقرار والازدهار .

  كتب بتأريخ :  الثلاثاء 03-03-2020     عدد القراء :  1545       عدد التعليقات : 0

 
   
 

 
 

 
في صباح الالف الثالث
الأحد 23-10-2016
 
يـا ســاحة التحرير..ألحان وغنـاء : جعفـر حسـن
الجمعة 11-09-2015
 
الشاعر أنيس شوشان / قصيدة
الأربعاء 26-08-2015
 
نشيد الحرية تحية للاحتجاجات السلمية للعراقيين العراق المدني ينتصر
الثلاثاء 25-08-2015
^ أعلى الصفحة
كلنا للعراق
This text will be replaced
كلنا للعراق
This text will be replaced